نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حرية التعبير تعني تقبل النقد «بوساعة صدر»

  تاريخ النشر :٣٠ ديسمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- وزير المالية يضيق صدره بالحديث عن الفساد وهدر المال العام ويلوح باللجوء الى القضاء، ويطالب بادلة، نطالب الحكومة بإثبات عكس ذلك.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13795/article/59984.html

 هناك عدد من القضايا التي أثيرت مؤخرا تعتبر مترابطة وجميعها تتعلق بما يحدث في المنطقة من صراع سياسي وارتفاع الكلفة الأمنية متزامن مع انخفاض في سعر النفط وحاجة الدول إلى تمويل ميزانيتها إما من الاقتراض وإما من استرداد كلفة الخدمات من المواطنين وإما من فرض ضرائب غير مباشرة. جميع هذه الإجراءات تؤثر في المواطن وفي القطاع الخاص وسوف ترفع الأسعار وكلفة المعيشة بالرغم من تصريحات الحكومة بعدم المساس بمكتسبات المواطن ومستوى معيشته. هذا جعل الحديث عن الفساد وهدر المال العام أكثر الحاحا. لكن يبدو أن الحديث في ذلك أثار حفيظة بعض الوزراء وجعلهم يلوحون بالقضاء في الوقت الذي تمر فيه البلد بإجراءات تقشفية تتطلب المحاسبة والمساءلة وتقبل النقد والمصارحة.

 أولا: إعلان وزير الاعلام وشؤون مجلسي النواب والشورى نفيه وجود أي نوع من الهدر للمال العام، وطالب من يقول بذلك بأن يقدم الاثبات، وأن للحكومة الحق في اتخاذ إجراءات قانونية ضد من يتهمها بذلك. التعامل مع المجتمع لا يتم من خلال القضاء بل من خلال الشفافية والإفصاح عن المعلومات التي تقنع المجتمع بعدم وجود هدر أو فساد. الاثبات يقع على الحكومة في ان تبرز فعاليتها وكفاءة أجهزتها في إدارة المال العام. فمثلا يقول الوزير إن الحكومة خفضت نفقاتها من 30% إلى 35%، فهلاّ وضح لنا الوزير أين هذا التخفيض وينشر الأرقام والبيانات التي تثبت هذا التخفيض وكيف سيوثر على الاقتراض والعجز!!

 ثانيا: إعلان وزير المالية ان الاقتراض ضروري لتغطية التزامات الدولة ضمن موازنة 2015. إعلان الوزير في حد ذاته ليس جديدا ولكن الجديد هو ضيق صدره حول الحديث عن الهدر والفساد، ومطالبته بتقديم أدلة على ذلك. أولا ان الفساد يصعب الحصول على ادلة لإثباته وخصوصا في غياب قانون يمنح المواطن حق الحصول على المعلومات. ومع ذلك فإنّ تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية المتوالية تعج بالهدر وشبهات الفساد. وإذا كان ذلك لا يعتبر دليلا، فلنا ان نطالب وزير المالية بالإجابة على العديد من الأسئلة التي وجهها النواب حول مصير الفوائض في السنوات الماضية!! أو الإجابة عن سؤال الأستاذ جمال فخرو حول سبب اقتراض مليار دينار في الوقف الذي كان فيه العجز لا يزيد على ثلاثين مليون دينار، بالإضافة إلى المصاريف الدستورية التي لا يعرف مصيرها أحد؟ 

 ثالثا: تتجه الحكومة نحو سياسة استرداد الكلفة للخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن، فكيف سيتم احتساب هذه الكلفة؟ يعلم المجتمع ان الجهاز الحكومي متضخم وهناك الكثير من البطالة المقنعة حيث بلغت المصاريف المتكررة 75% من الميزانية، هذا التضخم في الجهاز الحكومي يرفع من كلفة الخدمات التي تقدمها الحكومة، فهل لا يعتبر ذلك هدرا في الموارد؟ ولماذا يدفع المواطن والتاجر والمستثمر تكاليف عدم كفاءة الجهاز الحكومي؟ وما تأثير ذلك على الأسعار؟

 رابعا: يقول الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية خالد الرميحي إن البحرين سوف تضخ 30 مليار دولار استثمارات في الاقتصاد الوطني، وأن البحرين سوف تركز على اربع قطاعات هي القطاع المالي، وقطاعات الصناعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة والفندقة. لكن الغريب في الامر ان جواب الرميحي عندما سئل عن سبب عدم مساهمة شركة ممتلكات بالاستثمار في هذه المشاريع، يقول: «يوجه هذا السؤال إلى ممتلكات». هذا الجواب يوحي بأن ممتلكات شركة منفصلة تماما عن مجلس التنمية الاقتصادية وأن سياستها الاستثمارية لا تخضع لمجلس التنمية!! وإذا ما قارنا هذا الجواب بما قاله كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الصناعية: «إن الشراكة بين القطاع الخاص والعام اصبحت ضرورية». نتساءل كيف ستترجم هذه الشراكة؟ وأين السياسة الصناعية والاستثمارية التي يرجع اليها القطاع الخاص؟ وما دور ممتلكات في ذلك؟ وأخيرا من المسؤول عن تنويع مصادر الدخل الذي لم يحدث منذ نهاية السبعينيات؟ عدم وجود مثل هذه السياسات والربط بين أذرع الحكومة في استراتيجية تنموية موحدة لا بد ان يؤدي إلى هدر الموارد وضياع فرص استثمارية.

 خامسا: التعيينات غير التنافسية والمحسوبية في التوظيف تعتبر فسادا وهدرا للمال العام، تحويل المال العام إلى مال خاص يعتبر فسادا. البحرين اليوم بحاجة إلى تغيير من النظام الريعي إلى فرض ضرائب، وحينها لا بد للحكومة ان تشرك المجتمع وتُفصح عن المعلومات وتتسم بالشفافية وتتقبل النقد بسعة صدر، وفي ضوء غياب الصحافة الاستقصائية ومؤسسة مستقلة لمكافحة الفساد ومحاسبة برلمانية فاعلة لم يبق للمواطن غير الكلمة من خلال الصحافة. إيقاف ذلك والتلويح بالقضاء في وجه من يشير إلى فساد أو هدر لن يكون في صالح الحكومة ولا في صالح البلد ولا في صالح أي مشروع إصلاحي.

 هذا التلويح والتهديد يحد من قدرة المجتمع على مراقبة أداء الحكومة. الشخصيات العامة والتي تتخذ قرارات يمكن ان تتهم بأن قراراتها سوف تتسبب في هدر أو انها تسببت في هدر وعليها ان تبين للمواطنين انها على غير ذلك بتقديم البيانات والمعلومات وإصدار التقارير التي توضح صدق دفاعها. كما ان التنظيم الإداري والسياسي يمكن ان يساهم في الفساد أو يحارب الفساد، وهذه مسؤولية الحكومة. أما أن تطالب المواطن والصحافة بإثبات الهدر والفساد في بيئة تخلو من المعلومات المتوافرة للناس فهذا إسكات لحرية الرأي. إن النقد والتشكيك في صحة القرارات يمكن ان يستخدم في تقويم العمل الحكومي ومساهمة مجتمعية في الإصلاح ولا ينبغي التحسس منه بل المطلوب وساعة الصدر يا سعادة الوزراء.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *