نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حرية الصحافة .. حاجة للبحث العلمي

تاريخ النشر : 6 مارس  2010

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يتزامن مناقشة قانون الصحافة في مجلس النواب مع حدث يهم الجسم الصحفي يتعلق بالتحقيق مع رئيس تحرير جريدة اخبار الخليج السيد انور عبدالرحمن في قضية نشر. نبدأ بتضامننا مع رئيس التحرير ومع حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وحق الرد كما حدده القاون. ان هذا الحدث يجب ان يكون مدخلا مهما للسادة النواب في مداولاتهم لاقرار قانون الصحافة. ففي جلستهم يوم الثلاثاء تطرقوا الى مبادئ هامة ولكنهم لا يزالون يتناولون القضية على انها قضية فردية بين صحفي وبين مواطن وكيف نحمي المواطن من جور الصحافة.

السؤال لا بد ان يكون كيف نحمي المجتمع من فساد السلطة وهذه رسالة الديمقراطية، وكيف نحمي الضعيف في وجه القوي وهذه رسالة في الاسلام، وكيف نحفظ للمواطن عيشه الكريم وهذه رسالة التنمية.

في مقال للسيد ابراهيم المناعي (اخبار الخليج 3 مارسل 2010) وصف البحرين في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين على انها “واحة وارفة الظلال تحتضن الجميع واصبحت اليوم هرمة وشاخت وتهالكت اعضاؤها واخيرا آلت بيوتها الى السقوط”. ويضيف بان “الجميع يتحدث عن مشاكل الاسكان وغلاء المعيشة وتدني الرواتب والديون والفساد والبطالة والتجنيس والبرلمان، واينما تولي وجهك فثمة مشاكل، واختفت الاخبار السعيدة”. ومع كل ذلك فما زلنا غير قادرين على تحديد الاسباب الحقيقية لهذه المشاكل. ان ما وصلت اليه البحرين هو نتيجة مباشرة لغياب حرية الرأي والتعبير واستفراد السلطة بالمجتمع من خلال اسكات كل صوت ناقد، فراجت ثافة المديح والتملق والقصائد العصماء التي تطلق بمناسبة ومن دون مناسبة.

وفي تعليقه على القضية المرفوعة ضده اشار السيد اور عبدالحمن الى مبدأ هام وهو ان كل من يشغل منصبا عاما يجب ان يقبل بالنقد، هذا النقد يجب ان يكون مباشرا وليس تلميحا. هذا ما نريده من قانون الصحافة الجديد ان يؤمنه للمواطن والصحفي والمجتمع من دون ان يتعرض الناقد لخطورة العبارات الفضفاضة في القانون. لا يمكن للتنمية ان تستمر ولا يمكن للديمقراطية ان تتقدم مالم نحقق هذا المبدأ. فلا يمكن ان يسلط سيف الحبس والرقابة الذاتية على حرية الرأي ثم نتامل ان يستتب الامن وتتحقق التنمية وتتحسن معيشة المواطن. ان تطوير المجتمع والبناء يحتاج الى النقد ويحتاج الى من يبين العيوب والفساد والاستبداد ويشرحها لكي تكون حافزا للتغيير. والبحث العلمي هو احد اهم السبل لتطوير الكثير من الخدمات التي تقدمها الدولة مثل التعليم والصحة والاسكان وغيرها من الخدمات، ولكي يكون البحث العلمي فعال في معالجة القضايا المجتمعية والحياتية فانه يحتاج الى حرية نشر وحرية اختيار المداخل والمواضيع وحرية الافصاح عن النتائج لكي يكون مؤثرا ويخدم المجتمع. ففي تجربة شخصية للكاتب مع حرية النشر في البحث العلمي، وبالتحديد حين اصدار كتابه “الاصلاح الاداري في البحرين” في 2005، فلضمان النشر اضطر الكاتب الى ازالة اجزاء كبيرة من الكتاب خشية عدم النشر مما افقده الكثير من محتواه، بدليل انه عندما قدم الكاتب نسخة كاملة لاحد الوزراء ورأي ما فيه من قصور في وزارته، طلب اجتماعات بين الكاتب وطاقم الوزارة الاداري لمناقشة النتائج التي حجبت في النسخة المنشورة. وبسبب عدم نشرها لم يتخدذ الطاقم الاداري اجراءات تصحيحية بل عكفوا على تبرير ما جاء من نتائد بدلا من وضع حلول لها.

وما دمنا في اهمية البحث العلمي فسوف نتطرق الى حرية التعبير في مفهومها العلمي ووظيفتها في تكوين المنظومة الانسانية. فالمجتمع يعتبر منظومة لها خواصها ومكوناتها ونتائجها. وكاي منظومة لكي تعمل بكفاءة وفاعلية تعتمد على خمس مكونات تحدد جوهرها. المكون الاول هو مخرجاتها. وهي النتيجة المامولة من وجود المنظومة. والمخرجات هنا هي اسعاد المواطن وتقدم ورخاء المجتمع، والمكون الثاني هو المدخلات  من الجهد والموارد والمفاهيم التي يستخدمها المجتمع في انتاج مخرجاته، والمكون الثالث هو العمليات التي يقوم بها المجتمع لتحويل الموارد الى نتائج تخدم مواطنيه (مثل انتاج العلم والمعرفة والسلع والخدمات من الموارد الاولية). والمكون الرابع هو نظام السيطرة الذي يضعه المجتمع لضبط حركته وتقنين علاقاته ومنها السلطات الثلاث والقوانين والانظمة والقيم والعادات والتقاليد، والمكون الخامس هو نظام الاستشعار (Feedback system) الذي يضعه المجتمع لتقييم النتائج والتعرف على بيئته ومساره ومدى تقدمه نحو تحقيق اهدافه. والصحافة هي عنصر ومؤشر هام في نظام الاستسعار هذا. واي تعطيل لهذا النظام يؤثر سلبا وبشكل مباشر في تقدم المجتمع نحو اهدافه ويؤثر على انجازاته. كما ان بقاء وتقدم المجتمع يعتمد على مدى استجابة نظام السيطرة (وبالذات السلطتين التنفيذية والتشريعية) للاشارات الواردة من نظام الاستشعار عن طريق الرأي ووسائل التعبير والاحتجاج والتظاهرات.

من هنا تاتي اهمية حرية التعبير والرأي فهي التي تسمح بتشخيص الخلل في عملية التحويل (تقديم الخدمات مثلا) وتتيح المجال لتصحيح الاخطاء قبل تفاقمها . والمسئولية تقع على النواب في وضع قانون صحافة مستنير يقوم بهذه الوظيفة ويضمن مبدأ حرية النقد الذي اكده رئيس التحرير ومتطلباته واهمها تحاشي الكلمات الفضفاضة في القانون وعدم حبس الصحفي وعدم تحميل رئيس التحرير مسئولية الرأي. ويبدو ان مجلس النواب مصر على نقض حرية التعبير كونه اقر في جلساته الاخيرة تحميل رئيس التحرير مسئولية ما ينشر من رأي، وهذه اول خطوة في طريق التخلف وتكميم الافواه وتعطيل نظام استشعار المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *