نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حرية الصحافة من أسس التنمية ومتطلباتها 

تاريخ النشر : الأربعاء ٩ مايو ٢٠١٢

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

حرية الصحافة وقدرتها النقدية تشكل احد اسس التنمية ومن اهم متطلباتها – موضوع مقالنا الاسبوعي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12465/article/25038.html

يصادف يوم الخميس 3 مايو اليوم العالمي لحرية الصحافة وقد حل هذا العام والعالم العربي مستمر في تحولاته التي بدأها في بداية العام الماضي. حرية الصحافة هي في الواقع حرية الكلمة وحرية التعبير التي تمثل أهم مرتكزات الديمقراطية والصلاح في الحياة لما تمثله من قدرة على رفض ما يراه الإنسان باطلا وقدرته على النقد الحر سواء كان بناء في رأيه، أو خلافه في رأي آخرين.

يرجع تاريخ مفهوم حرية الصحافة إلى الثورة المجيدة في 1688 في بريطانيا عندما وطد البرلمان سلطته. في ذلك الوقت كانت بريطانيا تعاني كثرة الرخص الواجب طلبها للقيام بأي نشاط ومنها الأنشطة المتعلقة بالطباعة والنشر. كتب جون ملتون حينها يقول «بينما يسير المحتالون طلقاء في الخارج تقبع الكتب في خزائن سجانيها». في حينها لم تؤثر هذه الصرخة في وقف الرقابة الجائرة على المطبوعات لكنها شكلت حجر الأساس لحرية الصحافة. 

هذا الإسكات والكبت والرقابة هو ما ساد في دول عربية كثيرة إلى أن ثارت الشعوب بشرارة من تونس، والآن هل يحق للشعوب العربية ان تتطلع إلى بزوغ عصر جديد من التحولات في الوطن العربي؟ مازلنا في بدايات الطريق نحو حرية التعبير وحرية الكلمة ومازال الصحفيون يواجهون تهديدات من أنظمة ومؤسسات ويتعرضون للانتهاكات.

حرية الكلمة هي من الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها وسار عليها في حياته البدائية. لم يكن هناك من يُسكته عن قول ما يريد، إلى ان ظهرت أشكال من المدنية والتنظيم فتفننت القيادات القبلية والعشائرية ومن ثم القيادات الدينية والملكية والامبراطوريات الأكبر على كبت هذه الكلمة ولجمها. وكلما كان نظام الحكم فاسدا كانت القيود على حرية الكلمة اكبر واشمل، وكثير من الامبراطوريات والممالك سقطت بسبب غياب الكلمة الحرة التي تكشف الفساد والخلل، فعم استشراء الفساد وانحراف الأمة عن جادتها وسقوطها في شرك المتناقضات الأخلاقية والإنسانية التي تعمل على نخرها من الداخل وسقوطها الحتمي، وقد سارت معظم الامبراطوريات والممالك والجمهوريات هذا المسار نحو الانحلال والسقوط.

حرية الكلمة هي القيمة التي بدأ الإسلام بها مسيرته، فقد بدأ بكلمة اقرأ وهي دعوة إلى نشر الكلمة والتواصل مع الناس، وكانت حرية الكلمة أساس الخلاف مع قريش عندما صدح سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام بصرخته «خلوا بيني وبين الناس». هذه الكلمات تجسد حرية التواصل وحرية الكلمة وحرية الصحافة، وهي مطالبة بحقه في مخاطبة الناس ولهم ان يسمعوا او يرفضوا، فهي تجسد الحرية الفكرية في القول وفي التلقي، وتؤصل لمبدأ حرية الإنسان فيما يقرأ أو يسمع من دون ان يكون عليه وصي يحدد له ذلك من خلال قوانين تحرم وتجرم الخوض في قضايا خشية ان تحرجه أو تظهر فساده ونفاقه السياسي.

تعتمد المنظمات المعنية عدة معايير ومؤشرات لتحديد مستوى حرية الصحافة والتعبير أولا: عدد الصحفيين الذين تم حبسهم او تصفيتهم، ثانيا: مدى احتكار وسيطرة الحكومات على أجهزة الإعلام، ثالثا: الصعوبات التي يواجهها الصحفيون الأجانب في هذه الدول، رابعا: مدى إمكانية الحصول على المعلومات وعدم احتكارها، خامسا: مدى تمثيل مختلف الآراء في الإعلام والصحافة المحلية، وأخيرا: مدى قدرة الصحفيين المحليين على التواصل مع الخارج.

في التقرير النهائي اتضح ان هذه المؤشرات تتحسن في دول الربيع العربي مما يعطي أملا في تطور ديمقراطي يمنح المجتمع قدرات تنموية وابتكارية ويسمح له بالرقابة وتصحيح المسار، أما الإجراءات المتخذة من الصحافة لمواجهة التضييق على الحريات فهي تتدرج من الرقابة الذاتية التي يمارسها الكتاب أو مؤسسات النشر على أنفسهم لتوائم التوجهات الرسمية أو التعرض للترهيب والملاحقة والاعتداءات الجسدية او التصفية.

وزع التقرير دول العالم إلى سبع مجموعات من حيث حرية الصحافة، ولو نظرنا إلى السبع المجموعات سنجد ان المجموعة الأولى التي تأتي على رأس القائمة في حرية التعبير والإعلام مثل فنلندا والنرويج والدنمارك هي نفسها المجموعة التي تأتي على رأس القائمة في تقارير التنمية البشرية المستدامة وهي الدول الأكثر غنى في العالم وتتمتع شعوبها بمستوى معيشي لائق بكرامتها الإنسانية، وهي الأكثر ابتكارا ونموا وتقدما. وكذلك المجموعة التي تأتي في أسفل القائمة مثل كوريا الشمالية وسوريا وايران ودول عربية أخرى هي الدول الأكثر فقرا وتخلفا علميا واقتصاديا واجتماعيا، وتعيش شعوبها على المساعدات. من هذه المقارنة، ومن تقارير الأمم المتحدة المختلفة التي تربط التقدم الاقتصادي بالديمقراطية، نجد ان هناك علاقة بين التنمية والتقدم والتطوير وبين حرية الصحافة وحرية الكلمة، وهذه العلاقة ليست معنوية أو مصادفة بل انها هيكلية ومنظومية تدخل في صلب مكونات المنظومة التنموية وأحد أعمدتها الرئيسية، فكثير من المقالات تكتب في نقد الأوضاع الداخلية العربية، ولكن بسبب غياب حرية الصحافة لا تتم مناقشتها والتحاور حولها بحرية فتتفاقم المشاكل إلى ان تنفجر الأوضاع.

لم يسبق ان تعرضت حرية التعبير وحرية انتقال المعلومات لتحديات اكبر مما تعرضت له خلال الثورات العربية، والآن وبعد نجاح بعض هذه الثورات فان المؤشرات تُظهر تحسنا في بعض دول الربيع العربي وتدعو إلى التفاؤل وخصوصا في مصر وتونس، ونأمل ان تلحق الدول العربية في تحسن هذا المؤشر وتحقيق نموها وتقدمها وأمنها واستقرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *