نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حق المجلس في التشريع .. هل يستغله؟

تاريخ النشر : 30 اكتوبر  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في جلسته المنعقدة في الاسبوع الماضي (27 اكتوبر) اقر مجلس النواب مشروع قانون مقاطعة اسرائيل رغم معارضة عارمة من السلطة التنفيذية وتحدد في هذه الجلسة عدد من الاسس الهامة اولها ان مجلس النواب توافق بجميع كتله على كلمة فكان له الغلبة كما انه حضي بتقدير واحترام المتابعين من المواطنين والصحافة وحتى ممثلي الحكومة وان لم يتفقوا معه فهم لا يقلون عنه قومية ووطنية. المهم في هذه العملية هي ان المقولة بان حق المجلس في التشريع لها حدود تضعها السلطة التنفيذية، اثارت سؤال مهم طرحة النائب الشيخ عادل المعاودة حول احقيقة المجلس في التشريع وحدوده. موقف الحكومة كان بان سلطة المجلس هي رقابة لاحقة في حين ان الحكومة تضع السياسات وتنفذها. والسؤال هو ماهي أسس ومعايير وضع السياسات وعلى ماذا تستند؟ 

في الاحوال الاخرى مثل التعليم والصحة وباقي المصالح والخدمات، تضع الحكومة السياسات ويقوم البرلمان بالمراقبة اللاحقة. ولكن جميع هذه الخدمات تخضع لقوانين تُحدد الاطر العامة للسياسات. وكذلك يجب ان تخضع العلاقات الدولية الى نفس المعيار. نحن لسنا خبراء في القانون الدستوري ولكن اذا كان الدستور يقول غير ذلك فان المقترض ان يعدل الدستور ولا ينتقص من حق المجلس في التشريع. لان الاصل في العمل الديموقراطي هو ان الشعب مصدر السلطات كما اوضحه الدستور وعليه فانه يختص بوضع الاسس التي يقوم عليها المجتمع ويشرع لها. 

والسؤال الاهم هو اذا كان النواب مقتنعين بهذا الحق وقد اتضحت لهم قدرتهم مجتمعين على تمرير القوانين وفرض ارادتهم حتى وان تعطلت هذه الارادة في مجلس الشورى او في الخطوات اللاحقة لسن القانون وبالرغم من المثالب الدستورية والتنظيمية، فان المجتمع سوف يدرك اين يكمن الخلل. ان هذا الادراك يجعل النواب امام مسئولية اكبر وهي حماية المجتمع من التفكك والانحدار جراء الطرح الطائفي والنظرة القاصرة التي سممت الاجواء في كثير من المناسبات خلال السنوات الاربع الماضية. والان امام النواب فرصة اخرى لاثبات مواقفهم الوطنية كما اثبتوا مواقفهم القومية.

فهناك قضيتين هامتين سوف يتم طرحما عن قريب في المجلس وهما تقرير لجنة الدفان وتقرير املاك الدولة. وهنا سوف تتجلى المواقف الوطنية المصرة على حماية المال العام وحقوق المواطنين من مختلف الاجناس والاعراق والطوائف. ففي لجنة الدفان هناك مقولة بان اللجنة قد توصي بتعويض البحارة عن الخسائر التي لحقت بهم جراء التجريف وتدمير البيئة البحرية. فكم سيكون التعويض وعن ماذا سنعوضهم؟ هل التعويض عن فقدان معيشتهم ومصدر رزقهم ام التعويض عن البطالة التي ستلاحقهم؟ وكما رأينا في تقرير نشر في الصحافة ان بعض البحارة يمتعون عن ذكر حتى اسماء المذنبين في حقهم خوفا من العقاب. فهل يكفي التعويض بعد ان حطمنا مصدر ارزاق الناس بسبب جشع قلة من الافراد وتسيب في توزيع الاراضي وانتزعنا حتى قدرتهم على الشكوى. واذا تمكنا من تعويض البحارة فكيف سنعوض المواطن عن ما لحق به من ضرر جراء ارتفاع سعر السمك وشحه، وكيف سنعوض المجتمع عن خسارته وتعريض امنه الغذائي وامنه القومي للخطر؟

ان ماحدث للثروة السمكية والبيئة البحرية هي كارثة اجتماعية تسبب فيها نفر قليل من المتنفذين لاغراض شخصية وجشع مادي يحت يدفع ثمنه المواطن اضعاف مضاعفة، ويحدث ذلك للبيئة والثروة السمكية بالرغم من وجود اجهزة يفترض انها وجدت لحماية البيئة والحياة الفطرية. وهنا نريد من البرلمان وقفة شجاعة تضع حد لهذا الاستغلال والاهمال وتعيد الحقوق لاصحابها. 

اما كيف ستعاد الحقوق فان المجلس لن يعجز عن وضع الحلول اذا توفرت الارادة والاجماع. فمثلا هناك نظام الضرائب المقترح لماذا لا يوسع ليشمل فرض ضرائب على جميع الاراضي التي وهبت لاغراض غير سكنية ومنع بيعها وتحديد الاستفادة من الهبات وربطها بحياة الموهوبة له على ان تعاد للمال العام بعد وفاته كما كان معمول به في السابق (تقرير المستشار السنوي لعام 1932-1933) على ان يشمل القانون جميع الاراضي التي وهبت لاغراض غير سكنية ابتداء من تاريخ يحدد المجلس تراعي فيه المصلحة الوطنية في استرجاع الحقوق المجتمعية الكبرى. وفي حالة بيعها يستثمرها المالك الجديد لمدة خمسين سنة مثلا تعود بعدها ملكيتها للدولة. وهذا يقودنا الى الحدث الثاني وهو املاك الدولة التي اصبحت مثار جدل بين الحكومة واللجنة.

فهذه اللجنة مازالت في صراع مع الجهات المسئولة لتحديد الوثائق الحكومية وكما جاء على لسان رئيسها “مازلنا ننتظر تزويدنا بوثائق قائمة 188 عقارا”. هذه تمثل حرب شعواء بين الجهات الحكومية المختلفة وبين المواطن وليس اللجنة، المواطن المثقل بهموم الدنيا وشظف العيش وقلة الحيلة لحماية حقوقه وضعف الارادة المجتمعية لتوفير هذه الحماية التي لن تاتي الا بالوقوف صفا واحدا ضد الفساد والاستحواذ وسوء التوزيع وتحميل القيادات البرلمانية مسئوليتها في الدفاع عن هذه الحقوق. وحتي يتمكن البرلمان من حماية حقوق المواطنين وتجسيد المواطنة القائمة على المساواة والعدالة فانه يتعين عليه ان يبدأ بنفسه من خلال نبذ الطائفية والاحتراب المذهبي والتخلص من الخوف من الاخر واستغلال القوة المحدودة التي لديه لاستنهاض الحراك السياسي المجتمعي الذي دعا له جلالة الملك في خطابه الاخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *