نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 حلم الاقتصادي المعرفي في مجلس التعاون

نعيش في منطقة الخليج مرحلة حرجة تفرض التحول من الدولة الريعية الى الدولة المنتجة. فهل نحن مستعدون لهذا التحول الذي يفرض نفسه علينا؟ وهل نحن نعرف القدرات المطلوبة لهذه المرحلة ونعمل لتنميتها لكي نتمكن من الدخول في الميدان الجديد الذي يعتمد على قدرات ذاتية لمؤسساتنا وللمجتمع والافراد وعلى إمكانية استغلال هذه القدرات في السوق التنافسي؟

نشرت هيئة المعلومات والحكومة الالكترونية تقريرها الشهري (مايو 2018) حول بيانات الواردات والصادرات الوطنية المنشأ. يبين التقرير ان البحرين تستورد شهريا ما قيمته 500 مليون دينار تقريبا (سنويا 6 مليار دينار). في حين ان الصادرات غير النفطية تساوي 200 مليون دينار شهريا تقريبا. هذا يمثل “عجز في الميزان التجاري” بواقع 300 مليون دينار شهريا تقريبا. أي اننا نحتاج الى 300 مليون شهريا من صادرات النفط لتغطية ايراداتنا فقط. هذا الرقم يجعلنا نتوجس من المستقبل خصوصا وان مستقبل النفط في المنطقة وفي العالم يتراجع نحو بدائل اخرى. لذلك هذه الأرقام تجعلنا نفكر كيف سنوفر هذه المبالغ اذا لم نتمكن من تنويع اقتصادنا والدخول في مرحلة الإنتاج والتصدير. الى حد الان لا نرى خطة او منظور متكامل يشرح خطوات هذا التحول. 

في نفس الوقت هناك مؤشرات إيجابية على مستوى فردي وهي ان الجامعات تنتج بعض الكفاءات الواعدة من الطلبة ومشاريع تخرج يمكن ان تصل الى براءة الاختراع. لكن للأسف هذه المبادرات تقف عند تسجيل الاختراع ولا تتحول الى منتج بسبب ضعف القاعدة الإنتاجية في المنطقة وبسبب انفصال الأبحاث عن الصناعات. فالشركات الصناعية الكبرى لا تجري ابحاثا يمكن ان تخلق تنوع اقتصادي وقيمة مضافة يمكن تسويقها.

امثلة على الكفاءات الواعدة، في جامعة البحرين يتم العمل على تسجيل اربع براءات اختراع لطلبة كليات الهندسة من مجموع ثمانين مشروع مميز بين 230 مشروع تخرج. في نفس الوقت نشرت اخبار الخليج (4 يوليو الحالي) قصة شابة بحرينية (زينب سهيل)، التي حصلت على الميدالية الذهبية على مستوى الاختراعات الطبية العالمية عن اختراعها جهاز لتجبير الكسور بطريقة آلية دون تدخل بشري. 

هذه المشاريع ان لم تجد طريقها الى الصناعة المحلية فستبقى اما في ادراجها او تستغلها شركات اجنبية ترسل صادراتها الينا. وكذلك ان لم يحصل الشباب الواعد هذا على فرص عمل في مجاله فان مهاراته سوف تندثر، وبذلك تهدر طاقات شبابية لا تقدر بثمن. فعلا سبيل المثال فقط هذه الشابة زينب التي اخترعت جهاز التجبير تقول انها حصلت على عروض من دول اجنبية ولم تحصل على أي عرض محلي لاحتضان المشروع او تبنيه. المؤلم ان هذه الشابة الحاصلة على بكالوريوس تمريض عاطلة عن العمل منذ تخرجها قبل عام ولم تحصل على وظيفة لا في القطاع العام ولا الخاص.   

التحول نحو الاقتصاد الإنتاجي والمعرفي له تحديات وتعقيدات وردت في ورقة هامة تتحدث عن مستقبل الاقتصاد المعرفي في الخليج”الاقتصاد المعرفي وفشل الحلم العربي، للكاتب ويست شويلجي، 2012″. تقول هذه الورقة، يجري الحديث عن الاقتصاد المعرفي على مستوى الخليج وحتى في الوطن العربي منذ لا يقل عن عشرين سنة ومازلنا مستمرين في الحديث دون نتائج محسوسة. من ضمن الأسباب التي ذكرتها الورقة تجاهلنا للكفاءات وعدم احتضانها، وهذا نتيجة لهيكل اقتصادي لا يعتمد على الإنتاج وانما على عقلية تجارية ريعية احتكارية اعتادت الربح السهل. ونتيجة لتهميش الشباب وفقدان الامل في مستقبل واعد حول الكثير من الشباب الى العنف كما رأينا في الربيع العربي. لذلك فان الاتجاه الذي تتخذه الدول العربية والخليجية بشكل خاص سوف يشكل مستقبل المنطقة. فهل سنسعى الى مشاركة الشباب في بناء مستقبلهم ومشاركتهم في بناء مجتمعات منتجة يسودها الامن والاستقرار ام نستمر في تجاهل قضاياهم؟

تواصل الورقة بان فكرة التحول نحو الاقتصاد المعرفي ترافق مع وعود برواتب عالية وفرص عمل تتطلب مهارات عالية، هذه الصورة رسمتها منظمات دولية مثل البنك الدولي والأمم المتحدة في التسعينات وتبنتها دول عربية وخليجية (بتشجيع من بيوت خبرة) على انها المستقبل الواعد وانها الفرصة لعلاج لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وجميع تحديات التنمية. كذلك ساهمت في رسم هذه الصورة الرؤى العربية والخليجية المختلفة التي صدرت من جميع دول مجلس التعاون واعدتها شركة استشارية واحدة تقريبا. هذه الصورة كانت جاذبة بسبب الزيادة الكبيرة في اعداد الشباب (بين 18-24 سنة) التي ستصل الى 88 مليون في الوطن العربي عام 2030. تعززت الصورة في مؤتمر تونس عام 2009 الذي حضرته 21 دولة عربية (ومنها البحرين، وجميع دول مجلس التعاون) وبتنظيم من البنك الدولي. تقوم الرؤية على عدة افتراضات منها ان العالم العربي قادر على تطوير نظام تعليم متين ومناسب، خلق بنية تحتية معلوماتية متطورة، منظومة ابتكار فاعلة، وأنظمة سياسية تشاركية، ومؤسسات حوكمة واقتصادية داعمة. لكن للأسف هذه الافتراضات لم تتحقق، وقد لا تكون واقعية في ضوء طبيعة الأنظمة العربية.

تقول الدراسة بان سبب قبول الدول العربية بفكرة الاقتصاد المعرفي ان الفكرة وفرت لهم ربط مع رأس المال البشري وفرصة لإطلاق خطاب اقتصادي تنموي مقنع يلامس الحاجة السيكولوجية للمواطن العربي في التقدم واللحاق بالأمم الأخرى. لكن وبالحكم من احداث الربيع العربي فان هذه الحاجة السيكولوجية لم تتحقق.

في الواقع فان السوق في الدول العربية والمؤسسات تقوم على الواسطة وليس على الكفاءة، ومتأثر بتفضيل الشباب للقطاع العام على الخاص اما الصناعات فهي تفضل الأجانب على المواطن. بذلك أصبحت سياسات الاقتصاد المعرفي كالفيل الابيض، تحظى بالكثير من الاحتفالات والاعلام والتقارير والوثائق المزخرفة، لكن نتائجها العملية والفعلية لا تتعدى هذه الوثائق. اما بالنسبة للدول الأجنبية فان هذه السياسة كانت لهم بمثابة حصان طروادة يقنعون بها قادة الدول العربية لاعتماد سياسات اصلاح اجتماعي وسياسي وحقوق انسان لم تكن لتحظى باهتمام القيادات بدون تعليبها والحاقها بالاقتصاد المعرفي.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *