نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حماية البيئة وتنمية الزراعة .. مسئولية من؟

تاريخ النشر : 4 سبتمبر  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يدور هذه الايام الحديث حول هورة عالي كونها ارض زراعية يجرى تحويلها الى مشاريع سكنية او موقع لجامعة اوروبية او اي مشروع اخر. وكذلك الحال بالنسبة للكثير من الاراضي الزراعية التي تم تحويلها او يتم تدميرها وازالتها من مخزوننا الغذائي كما يتم تدمير البيئة البحرية وتجريفها مما اثر على المخزون من الثروة السمكية (الايام 29 اغسطس 2009).  كما تفيد لجنة التحقيق النيابية بان دفان البحر بلغ 289 كيلومترا مربعا، وان انواع الاسماك انخفضت من 400 نوع الى 50 نوعا. هذ التصرف يذكرنا باجدادنا الذين ادركوا بالفطرة أهمية الابقاء على وسائل الانتاج واستخدام المنتَج فقط للاستهلاك. فقد كانوا يذبحون الفائض من ذكور الاغنام والابقار والدواجن ويُبقون على إناثها الحلوب الولود التي تعتبر مصدر غذائهم ورزقهم. ومع بداهة هذا المثل الا اننا نجد، وبالرغم من ما نتباها به من رؤى واستراتيجيات ودراسات ومعاهد التميُّز الادارية والتنمية السياسية والمجالس الاقتصادية، وما نملكه من معلومات ودراسات وتقارير تحذيرية، مازلنا لم نتوصل الى هذه البديهة. 

يتذكر جيل الستينات والسبعينات من المواطنين كيف كانت البحرين تنتج الكثير من الخضار والفواكه والاعلاف والتمور التي تشكل نسبة كبيرة من الغذاء المحلي. اختفت معظم هذه المظاهر واصبحنا نستورد غذائنا. لا توجد دولة في العالم تستطيع ان تكتفي ذاتيا من حيث الغذاء، ولكن هناك مخزون استراتيجي من القدرات الزراعية يتوجب المحافظة عليها كجزء من الامن القومي. اما في البحرين فقد عملنا، وعلى مدى ستة عقود، على تدمير الاراضي الزراعية مثل تلك الواقعة على شارع البديع والقرى الشمالية وقرى المحرق وحولناها الى مناطق سكنية. قد كانت خطوة موفقة من العائلة الحاكمة في نقل سكنهم الى منطقة الرفاع ولكن للاسف لم يستمر هذه الاتجاه باستغلال الاراضي الجنوبية الصحراوية للسكن والابقاء على المناطق الزراعية. لم نكتفي بما جرى للارض وهانحن نكرر ذلك بتدمير البيئة البحرية ارضاءاً لطمع وجشع فئة صغيرة من المتنفذين. 

في مقال سابق تحدثنا عن التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية واهميتهما للامن القومي. قلنا ان نتائج سياسات التنمية واستراتيجياتها يظهر تأثيرها على اربع جوانب هامة وهي اولا الانسان المواطن ومستوى معيشته وكرامته وامنه وسعادته، ثانيا المجتمع ومؤسساته وعلاقاته وانتاجيته، ثالثا البيئة وسلامتها واستدامتها، ورابعا العلاقات السياسية والاقتصادية مع العالم الخارجي ومدى مساندتها للتنمية ومحافظتها على مكتسباتها. وان جديتنا في التنمية تقاس بمدى تحقيق اهداف هذه الجوانب الاربعة. لذلك فان اي سياسات او اجراءات تضر بهذه العناصر الاربعة هي ليست في مصلحة التنمية وليست في مصلحة الاقتصاد وليست في مصلحة المواطن وبالتالي فهي منافية للمصلحة الوطنية. وهذا ما يحدث من جراء تدمير البيئة الزراعية والبحرية.

في تقرير الامم المتحدة حول التنمية في العالم العربي ورد في فقرته الخامسة الجوع وسوء التغذية، وانعدام الامن الغذائي وزيادة نسبة التصحر كاحد التحديات، ويورد في اول توصياته “المحافظة على الارض وصونها ورعايتها لتخدم التنمية وتحافظ على أمن المواطن والمجتمع”. ندرك ان بعض هذا التصحر يتم بفعل العوامل الطبيعية ومع ذلك فان الدول تضع استراتيجيات لتلافيها، فكيف نفسر التصحر الذي يتم وفق قرارات رسمية ؟ ان ما نقوم به لا يمكن مقارنته الا باحد اجدادنا يقوم يذبح بقرته الحلوب الولود ليشتري ملابس فاخرة او يسافر بها لقضاء عطلة. كم يبدوا هذا الفعل مستهجنا ومستنكرا، وتصرفات البعض تجاه البيئة البحرية والزراعية أكثر استهجانا واستنكارا، ويتنافى مع ما يتردد من تصريحات للمسئولين بان “الانسان هو مركز اهتمامنا”. 

يجري ذلك بالرغم مما يقول وزير البلديات (جريدة الوسط 1-3-2009) من “ان استراتيجيتنا للأعوام المقبلة تدعم القطاع الزراعي-  وان هناك خطة استراتيجية وطنية للأعوام الستة المقبلة تضع في اعتبارها وضع الزراعة، وأن الخطة ستوضع بالشراكة مع المزارعين والمستثمرين في الزراعة والجهات ذات الاختصاص بالقطاع الزراعي وذلك ضمن الرؤية المستقبلية للزراعة في البحرين”. ويواصل الوزير “بانه ضمن الاستراتيجية ستعمل الوزارة على الاستغلال الأمثل للاراضي الزراعية من أجل زيادة انتاجيتها”،  ويضيف الوزير بان “الزراعة في البحرين تشهد تحدياً كبيراً في ظل التوسع العمراني الذي بدأ يستولي على مساحة الأراضي الزراعية في الوقت الذي لا يكون هناك مردود اقتصادي وبيئي واجتماعي على المزارعين” وان “القيادة تولي اهتماماً كبيراً من أجل الحفاظ على الزراعة والثروة الحيوانية”. الذي لم يذكره الوزير هو كيف يكون كل هذا الاهتمام ويجري ما يجري للارض والبحر. هل يتم ذلك دون علم المسئولين؟ ان الاهتمام بالبيئة هي احد مؤشرات التنمية المستدامة.. فمن المسئول؟

وبما ان المجلس النيابي لا يملك الصلاحيات للرقابة والتشريع لوقف ما يحدث فان المسئولية تقع على الحكومة ووزارة البلديات. كما ان الجهة الاخرى المسئولة مسئولية مباشرة هي الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية. هذه الهيئة اما انها قليلة الامكانيا وعاجزة عن تأدية مهامها – كما يطهر من تصريحات لجنة تحقيق المجلس النيابي- أو أنها لا تملك الارادة للمحافظة على البيئة والثروة الزراعية والبحرية، او انه ليس من مصلحتها تفعيل القوانين المتعلقة بالحفاظ على البيئة!! وفي جميع الحالات فان الملاذ الوحيد هي القيادة السياسية التي تملك السلطة لوقف هذا التعدي على المواطن والوطن ان هي ارادت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *