بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠١ ديسمبر ٢٠٢١
مقال الاسبوع- محاربة الارهاب تعتمد على بيئة صالحة تقوم على فكر حر نقدي يرفض الاصوليات بانواعها التي تعتقد بانها تملك الحقيقة. ورفض الاستبداد السياسي وتوظيف الدين لصالحه ورفض الرأسمالية الاستعلائية التي تعتدي على استقلالية الدول. بالنسبة لنا كمجتمعات عربية اسلامية المحاربة الفكرية تحتاج الى مراجعة التراث وتنقيته كما قال مشايخ كثر وقيادات سياسية ولم تستجب القوى الدينية.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1276421
حوار المنامة والبيئة الصالحة للامن والاستقرار
في الاسبوع الماضي افتتح معالي الشيخ محمد بن مبارك المنتدى السابع عشرللامن الاقليمي “حوار المنامة” 2021 . اعطى معالية التعاون الدولي اهمية كبيرة في تحقيق الامن الاقليمي، ودعا الى بذل الجهود لمكافحة الارهاب والتطرف من خلال التنسيق الفاعل للمواقف الاقليمية والدولية. اما وزير خارجية جمهورية مصر العربية فيرى ان الارهاب يهدد “الهوية الوطنية” لدول المنطقة مشيرا الى جماعات الاسلام السياسي التي تؤمن بالعنف وسيلة للعودة الى دولة الخلافة. ويؤكد وزير خارجية البحرين اهمية تطبيق الردع على الدول وعلى الجماعات الارهابية على ان لا يقتصر على الجانب العسكري بل يشمل الاقتصادي والاجتماعي.
لامس الرئيس الاندونيسي المشكلة من جانب اخر، فيرى ان اندونيسيا شهدت استقرارا وسلاما 40 عاما في شرق اسيا بالرغم من تعدد اللغات والاثنيات، والسبب “ان الديمقراطية تسير بشكل جيد ولان الجيش انسحب من الحياة السياسية قبل 22 سنة، ولان المجتمع المدني يؤدي دوره الحيوي في الحياة السياسية”. لذلك “قل الانفاق العسكري واستخدمت الموارد للتنمية”. ويرى ان القوة وحدها لا تضمن الامن والسلم ولكن احلال السلام سوف يعتمد على القيم العالمية التي اصبحت اكثر الحاحا ومنها “حرية التعبير والعدالة والاجتماعية وحرية الابداع واحترام حقوق الانسان وحماية الاقليات”. في نظره هذه بيئة صالحة لتحقيق الاستقرار والامن.
الحديث عن التطرف والارهاب ليس جديدا فقد بدأ التصدي له في دول مجلس التعاون في 2002 حيث صدر اعلان مسقط بشأن مكافحة الارهاب، وتم توقيع اتفاقية “دول مجلس التعاون لمكافحة الارهاب” في 2004. فماذا تحقق؟ تشير كلمة وزير خارجية البحرين امام الجمعية العامة للامم المتحدة في (2019) الى ان التصدي للارهاب لم يحقق النتائج المرجوة، فقد نوه معالية ان “الازمات التي مرت بها العديد من الدول وفرت بيئة خصبة لظهور جماعات ارهابية باشكال متعددة وتهدد امن واستقرار المنطقة”. هذا يطرح عدد من الاسئلة اولا ماهي البيئة الخصبة وخصائصها ولماذا نشأت هذه البيئة؟ وماهي منطلقات هذه الجماعات وماهي جذورها الفكرية ولماذا ازدهر هذا الفكر وكيف يجندون منتسبيهم؟ هناك على مستوى الاشخاص من حاول البحث عن الاسباب وواجه الجانب الفكري من المشكلة. للاسف لم تتعمق الدول العربية ولا المجتمعات بشكل منظم في دراسة الظاهرة بالرغم من قناعات الساسة ورجال الدين والفكر بضرورة التعامل معه بشكل جذري ومنظم.
اتخذ الارهاب اشكالا متعددة، منه ارهاب دول ومنه ارهاب جماعات وافراد، ويستند على اصوليات ايديولوجية اودينية اوسياسية او رأسمالية استعلائية. وجميعها تتعدى على استقلالية وامن الدول وتمثل تعديا على حرية الانسان الفكرية وخطرا على حياته وتهديدا لمستقبله. هذه التهديدات كما بين جلالة الملك تهدد بالدرجة الاولى “الحقوق التي هي اساس التقدم” وحصوصا حق التعبير والاختلاف، فهذا اساس التقدم والازدهار. بالنسبة لنا في الوطن العربي فان التعصب باشكالة ورفض حق التعبير والاختلاف ادى الى تخلف الامة وساهم في كثير من الصراعات في المنطقة. مما يجعل التصدي لجذور العنف والارهاب الفكرية قضية مفصلية في تقدمنا كامة.
في المؤتمر العربي التاسع للمسئولين عن مكافحة الارهاب (2006) برز مفهوم “تحقيق الامن الفكري” للتنبيه عن اخطار الفكر المنحرف. وطرح المشاركون في الاجتماع الذي سبقه (2005) ان هذا الارهاب يستند الى “فكر منحرف” واوصوا بمحاربته ثقافيا وتربويا من خلال “شرح المضامين الصحيحة للدين الاسلامي وترسيخ قيم التفكر والاعتدال والتسامح التي يدعو اليها الاسلام وكشف زيف “الفتاوى المضللة واغراضها الارهابية”. ويروا ان ذلك لا يتم الا “بالمواجهة العقلانية والواعية للفكر المنحرف الذي يفرز هذا السلوك الاجرامي”. دعى المؤتمر الى مراجعة تشريعات الدول العربية مع الاتفاقيات، ومع ذلك ماتزال لدينا قوانين فضفاضة مثل قانون ازدراء الاديان الذي يمكن ان تُستخدم ضد الفكر الحر المحارب للارهاب.
في بداية الستينيات من القرن الماضي اصدر السيد الرئيس جمال عبدالناصر امرا بانشاء “مجمع البحوث الاسلامية” بهدف تنقية التراث الاسلامي وكلف الازهر الشريف بهذه المهمة، لكن تعطل العمل بعد وفاته. حاول شيخ الازهر السابق التصدي للظاهرة لم تتضح نتائجها. عقد الازهر “مؤتمر الازهر العالمي للتجديد في الفكر الاسلامي 2020” وتكررت المؤتمرات، كما دعى الرئيس عبدالفتاح السيسي لاصلاح الخطاب الديني وتصدى ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لهذا الظاهرة. كما تحدث في الموضوع مشايخ امثال محمد عبده وعلى عبدالرازق وخير الدين التونسي وعبدالمتعال الصعيدي ومفكرون تنويريون حديثون كثر ينادون بتحرير الضمير العربي الاسلامي من التسلط، والفكر النقدي من التبعية.
التصدي للارهاب بانواعه السياسية والاقتصادية والدينية لا بد ان يبدأ بتوصيف وتعريف الظاهرة بانواعها، وبتحليل اسبابها ودوافعها وفهم جذورها. تُرجع دراسات كثيرة، منها (“مالذي يصنع الارهابي”،2008 Krueger, Alan)، اسباب التطرف والارهاب الى عوامل عدة مثل اولا الفقر والحاجة والمضمون التعليمي والمستوى الاجتماعي، ثانيا النظام السياسي (الدولي والمحلي) ومدى انفتاحه والتزامه بالحقوق والحريات؛ ثالثا دوافع فكرية تتغذى على ايديولوجيات واصوليات احادية ترفض الاخر وتعتبره مهددا لها؛ رابعا نزعات كراهية عرقية او اثنية او قبلية. تشترك هذه العوامل في ان العلاج على المستوى الدولي يكمن في احترام سيادة الدول والتكامل الاقتصادي الاقليمي وفق الامين العام لمجلس التعاون، وضمن الدولة الواحدة- حسب الرئيس الاندونيسي- يعتمد على الانفتاح الفكري والمشاركة السياسية الفاعلة والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والتعليم القائم على حرية النقد والتفكير والحق في الاختلاف. وهذه البيئة الصالحة لمحاربة الارهاب والتطرف التي نستخلصها من منتدى المنامة.