نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. ودروس عربية مستفادة

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٦ يوليو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- خروج بريطانيا من اوروبا يظهر يكف تتصرف الشعوب التي تنعم بالحرية والمساواة وتشعر باحترام كرامتها حكاما ومحكومين.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13984/article/29777.html


الحدث الأكبر خلال الاسبوع الماضي كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. هذا الخروج أحدث آثارا كبيرة على الاقتصاد العالمي تأثرت به الاسهم والعملات والذهب والنفط مما لا يدع مجالا للشك في مدى ترابط الاقتصاد العالمي. ويذكرنا بتأثير أحداث الربيع العربي على العالم. 
العامل الآخر الذي له تأثير على الاستفتاء وأسبابه كما ذكرت بعض المقالات الغربية هو التغيير في طبيعة الدولة الحديثة والانتقال من دولة الجيل الثاني (الدولة القومية) الناتجة عن الثورة الصناعية إلى دول الجيل الثالث (دولة السوق) الناتجة من ثورة المعلومات. اي ان الازمة أو التناقضات بين هاتين الحقبتين سوف تستمر في مجالات اخرى. 
بالنسبة إلينا في العالم العربي والذي لم يدخل الحقبة الثانية بعد فإن هناك العديد من الدروس التي يمكن الاستفادة منها. أولها يمكن النظر إلى خروج بريطانيا والتعلم من الاسلوب الذي تم فيه الخروج والآليات التي اتبعت لإنهاء الانفصال. لم يكن الخروج نتيجة صراع بين القيادات على قضايا لا يعرف عنها المواطن أو انها خلافات أيديولوجية بين أحزاب حاكمة أو عداوات شخصية بين هذا الحاكم ونظيره في الدولة الاخرى. 
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا شك له تداعيات على البريطانيين انفسهم وعلى أوروبا وعلى العالم. ينظر البريطانيون إلى انفسهم على انهم اكثر قربا إلى شركائهم الثقافيين (الانجلوسكسون) الأمريكان، ومع ذلك جاء الخروج بناء على أسباب واعتبارات معظمها اقتصادية اهمها الخلاف الحاد بين دول أوروبا حول الهجرة وتأثير ذلك على الوظائف وفرص العمل، وخصوصا الطبقة العاملة التي خشيت على وظائفها ووظائف أبنائها. هذه الطبقة في عالمنا العربي لا يعمل لها حساب ولا ينظر إلى خشيتهم من الهجرة أو المنافسة القادمة من الخارج.
لم يكن الخروج نتيجة قرار سلطة تنفيذية أو قرار حاكم بشكل منفرد، أو مؤامرة خارجية تسعى إلى تفتيت الاتحاد الأوروبي وعزل بريطانيا وتفتيتها، بل ان الحاكم (السلطة التنفيذية) ممثلة في رئيس الوزراء كان مع البقاء في الاتحاد، كما ان الملكة اليزابيث نفسها حاولت ان تضع بضع كلمات لتشير بشكل خفي إلى ميولها إلى البقاء، لكن احترامها لحياديتها كممثلة للدولة وحَكَم بين السلطات ورمز للوحدة الوطنية رفضت التصريح بموقفها، هذا السلوك على المدى الطويل هو الذي يوحد المجتمع فاختارت الملكة الوحدة الوطنية من خلال التمسك بالحياد وليس التمسك بمصالحها الخاصة أو ميولها السياسية أو العائلية. 
الدرس الآخر الذي نستفيد منه كعرب (اذا بقيت لنا قدرة على استيعاب الدروس المتلاحقة) هي ان السلطة ممثلة في الحكومة والملكة لم تتدخل في التأثير على الرأي العام. لم تلجأ الحكومة إلى تزوير التصويت، ولم تتدخل فيه، فهناك فصل تام بين الحكومة وبين آلية التصويت. الحكومة لا تدير العملية ولا تستطيع ان تتدخل ولو حاولت لسقطت. الجميع احترم قرار المجتمع مع صغر الفارق الذي لم يتجاوز 4%.
الدرس الاهم هو قرار رئيس الوزراء الاستقالة من منصبه نزولا عند إرادة المجتمع. قرار المجتمع كان مخالفا لرغبته وبذلك فإن المجتمع بحاجة إلى قائد آخر يؤمن بإرادة الاغلبية التي اختارت الخروج. هذا يعني ان رئيس الوزراء يدرك انه يستمد شرعية بقائه في السلطة من الناخبين وليس بناء على علاقاته أو سياساته، ومتى ما فقد هذه الشرعية من المجتمع الذي هو صاحب السيادة فقد موقعه كوكيل عن المجتمع وقرر الاستقالة.
نتائج الاستفتاء اظهرت انقسامات في المجتمع البريطاني على مستوى مناطقي وديمغرافي. فمثلا معظم الشباب صوت للبقاء وكبار السن للخروج، هذا يعني ان صغار السن سوف يتحملون اعباء يضعها عليها كبار السن. لم يقبلوا ذلك وبدؤوا حملة للمطالبة باستفتاء آخر لحسم الموضوع. لم يلجأوا إلى القوة والعنف بل إلى آلية ديمقراطية هي نفسها الآلية التي افقدتهم خيار البقاء. فبموجب قاعدة تقول ان التصويت إذا لم يحصل على 60% من مشاركة تقل عن 75% فيجب تنظيم استفتاء جديد. كذلك هناك خلاف مناطقي، فقط صوتت اسكتلندا وأيرلندا الشمالية لصالح البقاء. والآن يطالبان بالانفصال عن بريطانيا باعتماد نفس الآلية الديمقراطية.
ما مدى صحة هذه القاعدة وما مدى قدرة البلاد على التوافق على استفتاء آخر؟ هذا امر يحسمه المجتمع البريطاني، لكن المهم هو ان وجود الآلية الديمقراطية يمنع الصراع المسلح والعنف والفوضى. بدأ الشباب بجمع اكثر من ثلاثة ملايين توقيع لإعادة التصويت والمطالبة باستفتاء آخر. جمال الآليات الديمقراطية في اتخاذ القرار هي انها توفر على المجتمع مصائب كبيرة وتغنيه عن الانقسام والتمترس خلف عبارات مهينة وخطوط حمراء وشماتات تجعل المصالحة والرجوع في الرأي مسألة عصية. 
متى نرى في عالمنا العربي استفتاء على الوحدة وعلى السلطة، عربيا أو إقليميا تديره جهات مستقلة عن السلطات وتحترم إرادة الشعوب بعدم تدخل الحكام والحكومات في التأثير على إرادة المجتمعات؟ 
هكذا تتصرف الشعوب التي تنعم بالحرية والمساواة وتشعر باحترام كرامتها، أما الشعوب التي تفتقد احترام سلطاتها لها، بل تقتات السلطات على تناقضات شعوبها وخلافاتها فمصيرها إلى ما آل اليه الكثير من الدول العربية. 
للأسف فإن الدرس الوحيد الذي سوف يستوعبه بعض العرب شعوبا وقيادات، وثلة من الإسلاميين والمليشيات هو قتل النائبة البرلمانية العمالية (جويل كوكس) التي كانت مع البقاء وتم اغتيالها بسبب الخلاف السياسي. هذا الدرس لن يغيب عنا كعرب سواء لاستغلاله للشماتة في النظام الديمقراطي البريطاني أو لسوقه كمثل على النفاق الغربي، أو تورده قوى الإرهاب كمثل يحتذى لتبرير جرائمهم.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *