خروج من التقليد إلى الابتكار والإبداع – محمد الكويتي – 5-8-2020
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠٥ ٢٠٢٠ – 02:00
مقال الاسبوع – هناك من يؤدي يصوم لكنه يقبل الرشوة ولا يشعر بتناقض مع الدين، بل يقبلها وهو صائم في رمضان. وآخر يتعدى على المال العامويقول الزور طوال أيام السنة من دون أن يعتبر ذلك له علاقة بالأخلاق،. نحن بحاجة إلى تأصيل القيم الإسلامية الإنسانية من خلال دروس الأخلاق ومنطق صنع القرار الأخلاقي وتعليم حرية الفكر النقدي وثقافة الاختلاف..
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1217813
يتحدث البعض عن المجتمع الخليجي ويصفها بانها تقليدية تتعرض الى موجه من التحرر وكسر الثوابت، وان هذه الموجة تهدد قواعد المجتمع وتدعو الى التحرر. يفهم من ذلك ان هناك جهة تقوم بهذا الهجوم وهي الغرب. يركز الحديث فقط على السلوك وعلى النزعة في تقليد الغرب مما اطلق عليه “الانحلال”. ويرى بان التوجه يسير نحو مجتمع الستينات والسبعينات واصفين تلك الفترة “بالانحلال الاخلاقي”.
يركز الملاحظون لهذا السلوكي على اللباس بشكل خاص والحجاب والعلاقات بين الرجل والمرآة. ويتكلمون عن تراجع التاثير الديني وخفوت نجم الوعاظ وفتح الساحة لافكار ومظاهر مختلفة عن ما عهدته المنطقة. ويعتقدون بان ذلك هو تغلغل لمفاهيم الليبرالية الاجتماعية المتطرفة والتي تمجد الفردية وتفضلها على رأي الجماعة وتشجع الحريات الشخصية المطلقة. وقد يتطور الامر الى المطالبة بانظمة ديمقراطية كما في الغرب. ومزيدا من التنازلات للمرأة خوفا من ان يؤدي هذا التغيير الاجتماعي الى تغيير سياسي.
اذا كان المجتمع التقليدي يعني المجتمع الجامد الذي لا يقبل بالحداثة والتغيير فهو مجتمع لا يحتوي عنصر البقاء والاستمرار لان التغيير هو سنة الحياة ولا يمكن للجمود ان يستمر. التغيير والعلم والمعرفة التي تحتاجها اليوم لدخول العالم المتحضر والمتقدم هو تغيير طريقة التفكير العربية والخليجية والانسان العربي. كيف تتغير العقلية العربية التي وضعت لها حدود لا تقبل فيها النقاش مما يضيق على العقل والفكر. رفض النقاش في اي موضوع هو جمود وبرفض التقدم والحداثة، يموت الابداع والابتكار. التغيير يبدأ بانشاء فكر نقدي في المدارس. التغيير ليست ضد الدين، وليست ضد اي عقيدة وانما هو تحرير الانسان لكي يعتقد ما يؤمن به على قدم المساواة. والقبول بالاختلاف والتعدد الفكري والسلوكي ورفض الوصاية على اي احد ضمن القانون المقرر مجتمعيا.
المشكلة التي تطرح لها اكثر من جانب. الجانب الاول يتناول سلوك شخصي، وجانب اخر يتناول سلوك مجتمعي. وجانب ثالث يتكلم عن علاقة الدولة بالمجتمع. في الشق الشخصي تقول ان “المجتمعات الخليجية تقتبس وتقلد دون وعي، فالمسالة قد تاخذ وقتا اطول كي يدرك الشباب ان حتى الغرب بدأ يتصدى لمفاهيم غير محمودة.والجانب الثاني مجتمعي يرى ان المجتمعات سوف تبدأ بالمطالبة بديمقراطية غربية لم تعهدها وغريبة عن عاداتنا وتقاليدنا. والجانب الثالث يتعلق بالعلاقة بين الدولة والمجتمع.
بالنسبة للجانب الاول المتعلق بالسلوك الفردي فقد لا يتفق كثيرون بان الستينات كانت فترة انحلال، فكثير منا عاش تلك الفترة وكانت لها قيمها واخلاقياتها ولباسها. واختلاف الاراء الفقهية حول اللباس موجوده منذ بداية النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر. الاهم من ذلك هو ان اختزال الاخلاق في السلوك الفرديواللباس فقط هو ما يمثل مشكلة، ليست خليجية فحسب بل عربية. ان معالجة مشكل الاخلاق هي في تعليم مادة الاخلاق في المرحلة الابتدائية لتسليح الشاب ليس فقط بقيم اخلاقية ولكن لكي يعرف كيف يتخذ القرارا الاخلاقي، وعدم الاعتماد فقط علىدروس الدين. نرى اليوم بان هناك من يؤدي جميع الشعائر لكنه لا يرى ان قبول الرشوة تتعارض مع الدين بل انه قد يقبلها وهو صائم في رمضان. واخر يتعدى على المال العام طوال ايام السنة دون ان يعتبر ذلك له علاقة بالاخلاق، او ان يقول الزور دون واعز اخلاقي بعد ان يؤدي صلاة الفجر في جماعة. نحن بحاجة الى تأصيل القيم الاسلامية الانسانية من خلال دروس الاخلاق ومنطق صنع القرار الاخلاقي،الاخلاق اشمل واعم من مجرد السلوك الشخصي. الاخلاق ترتكز على قيم انسانية اسلامية، “انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق”، فقبول الظلم ليس من الاخلاق ونصرة المظلوم من الاخلاق.
اما الجانب الثاني من الكتابات فيرى ان العالم يتجه نحو التقوقع في الدولة الوطنية في مقابل تراجع العولمة. ليس من المعقول ان تتراجع العولمة فهذه حركة تقدم علمي تسير وفق نظرية معرفية في القرآن وفي العلم. السؤال هو ليس كيف نحمي مجتمعاتنا واقتصادنا من تاثيراتها السلبية. التاريخ يقول بان الحضارة الاقوى هي التي تؤثر في الحضارات الاضعف. لذلك السؤال اليوم هو ليس كيف نتقوقع لنحمي انفسنا من العولمة ولكن كيف نساهم في بناء الحضارة الانسانية؟ وهل يمكن ان نساهم بهذه العقلية التي ترفض التفكير العلمي القائم على التجربة والبرهان وعدم استقرار المعرفة، وانها في تغير وتطوير مستمر. المساهمة في الحضارة تعني تغيير طريقة تفكيرنا، تقتضي مراجعة تاريخنا وتراثنا وعدم الاصرار على مفهوم “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ”. هذه العقلية لا يمكن ان تدخل في عالم المعرفة الذي يسود اليوم، ولن تتمكن من التاثير على الاخرين.
يتعلق الجانب الثالث بمفهوم الدولة وعلاقتها بالمجتمع. مفهوم ان “الدولة المحايدة”هي كيان مستقل عن السلطة وعن فئات المجتمع وملك الجميع لم يتبلور في الوطن العربي. يقوم هذا المفهوم على ان مكونات المجتمع هي العائلات والقبائل والاعراق والاثنيات والطوائف وبالتالي فان اي طرف يتمكن من اختطاف الدولة واستخدامها لتقديم مصالحه على الاخرين هو يؤسس لصراع سياسي لا ينتهي. وبغض النظر عن هوية المجتمع وتقاليده وعاداته فانه سيصل الى وضع تصل المتناقضات فيه الى حد تهدد الامن والاستقرار. واذا ارادت اي فئة التمسك بالسيطرة على الدولة فان ذلك بالضرورة سوف يعتمد على التجهيل وجر المجتمع نحو الصراع والعنفوالتخلف. وللتغلب على هذه الحالة عمدت بعض الدول الى التحالف مع رجال الدين لتطويع المجتمع، ومتى ما حدث ذلك اطبق التخلف والجمود على المجتمع وتوقفت عجلة الابداع والابتكار. النتيجة، وان تاخرت، لا بد ان تصل الى نفس المآل وهو التخلف والصراع والعنف المؤجل. لذلك فان خياراتنا محدودة، واحدها هو النهوض بالمجتمعات فكريا ومعرفيا وتاسيس المجتمع على مبادئ الديمقراطية وعلى تعليمالفلسفة والفكر النقدي والاخلاق وليس فقط ممارسة اخلاق شكلية.