نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. خطاب جلالة الملك – دعوة لمبادرة مجتمعية

تاريخ النشر : 26 سبتمبر  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ماحدث في البحرين في الفترة الماضية من عدم استقرار وتوتر مازال يؤثر في الوضع السياسي والاقتصادي والاستثماري وينعكس على حياة المواطن العادي بشكل مباشر. وللأسف مازال هناك من يروج لصدام وتازيم. هذه الحوادث تهدد السلم الاهلي باندلاع اشتباكات بين المواطنين وتحتاج الى حل عاجل.

في هذه المرحلة نحن بحاجة اكثرمن اي وقت مضى الى من يتصدر ويمسك بزمام المبادرة ويحشد الجهود للتصدي للسؤال الملح، ماهو الحل وكيف نتفادى مثل هذا الصدام ونعيد للمجتمع الاستقرار الكفيل بتحفيز الحركة الاستثمارية والانتعاش الاقتصادي الذي يعود مردوده على الجميع.

هذا يعني ان هناك حاجة ماسة الى جمعية سياسية مثلا تقود حراكا في هذا الاتجاه وقد مهد جلالة الملك الارضية لمثل هذا الحراك في خطاب جلالته في الامم المتحدة واطلق دعوة الى الجمعيات السياسية للمبادرة وتقديم مساهماته العملية في التهدئة وفي الدخول في حوار وطني يُخرج المجتمع من هذا الوضع المأزوم. في هذا الخطاب تناول جلالته عددا من الاهداف والمبادئ، ووضع بعض الشروط الواجب توافرها في ذهنية المتحاورين اهمها  الايمان باهمية التعايش السلمي وخلق بيئة تقوم على احترام آراء الآخرين وتفهم مخاوفهم وحساسياتهم.

من المبادئ التي برزت من هذا الخطاب هي اهمية الاستفادة من التحولات “المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم، ونعايشها في منطقتنا العربية” والتي تدفع “بالتحرك نحو مزيد من الإصلاح والتطوير” بما يحقق “المصلحة العليا لشعبنا”. كما اورد جلالته عدد من الاهداف المجتمعية المتمثلة في تحقيق “مطالبه في الحرية والمشاركة السياسية” و”توفير أسباب العيش الكريم” في مجتمع “يسوده التعايش السلمي والمساواة والأمن والطمأنينة”. ويرى جلالته بان الامن والطمأنينة تاتي من خلال “تكريس التمثيل الشعبي والمشاركة في صنع القرار مما يؤكد شراكة وطنية للجميع “. 

ان ابرز ما جاء في الخطاب هو هذا الربط والتكاملية بين الاهداف والمبادئ مثل التعايش السلمي والمساواة، وبين تكافؤ الفرص والتنمية المستدامة والعدالة، والربط بين التقدم واستمرار عملية الاصلاح، وبين الانفتاح السياسي والعدل والمساواة، وبين تكريس التمثيل الشعبي والمشاركة في صنع القرار والشراكة الوطنية للجميع. 

لذلك فان اي جهة تاخذ زمام المبادرة في قيادة عملية ايجاد حلول مبتكرة لا بد ان تدرك ان اسس الحل تكمن في اهمة تفعيل هذا الترابط والتكاملية التي اوردها جلالته بين المبادئ والاهداف. هذا الادراك الشمولي والمنظومي هو المفقود لدى الكثير من القوى السياسية مما يفقدها القدرة على تقبل وجهة النظر الاخرى والعمل على تقديم الحلول المبتكرة التي تمنح الاطراف المختلفة ما يشعرهم بانهم حققوا مايستحق الحفاظ عليه ويجعلهم قادرين على التعاطي مع ماهو مطروح.

واخيرا طرح جلالته الوسيلة الممكن اتباعها وتمثلت في “نهج الحوار”. والحوار في هذه الحالة يجب ان يكون بين مكونات المجتمع وممثليهم والتوصل من خلاله الى توافق يطرح على الدولة. 

نحن على ثقة بان اي رؤية توافقية تنتج بين هذه الجمعيات سوف تحظى بدعم ومباركة جلالته. خصوصا اذا استندت على اسس اربعة هي اولا ان هناك اخطاء ارتكبت من قبل الجميع، وثانيا ان هناك اسباب موضوعية لما حدث تحتاج الى معالجة، وثالثا ان الحل يجب ان يُشعر الجميع بانه حقق شيئ يمكن ان يبني عليه، ورابعا ان يعالج القضايا الاساسية التي تعطل مسيرتنا السياسية والتنموية. 

نجاح المبادرة سوف يعتمد الى حد كبير على الواقعية السياسية التي تنظر الى المجتمع على انه مقسم سياسيا الى فئات عدة منها من يطالب باسقاط النظام وهذه الفئة مرفوضة من قبل المجتمع باسره وتعارض ما أَجمع عليه. وفي نفس الوقت هناك فئة لا ترى اي حاجة للاصلاح وان الوضع افضل ما يكون وهذه الفئة كذلك مرفوضة لانها لا تستند الى الواقع. وفي الوسط هناك فئات اخرى لها مطالب مشروعة وقد اقرت بشرعيتها السلطة ولا تختلف كثيرا عن ما جاء في خطاب جلالة الملك. فمنها من يطالب بمملكة دستورية، وفئة تطالب بمملكة مدنية ومبادئ الديمقراطية وفئة تطالب بمحاربة الفساد وتوزيع عادل للثروة، وفئة تطالب بتحسين مستوى المعيشة وتوفير الخدمات الإسكانية وإيجاد فرص عمل ملاءمة. والحوار يجب ان يركز على مطالب الفئات الاربع.

لا بد ان ننوه هنا الى مقال الاستاذ عبيدلي العبيدلي قبل ايام الذي حدد بعض الخطوات التي تتزامن مع الحل وهي خلق المناخ والروح الايجابية والبعد عن التشاؤم والبحث عن كيف الخلاص. وخلال هذا البحث علينا ان نتحلى بالتفاؤل في قدرة المجتمع على تجاوز هذه المحنة. كما علينا ان ننبذ الرغبة في الانتقام من اي جهة كانت وان نلتزم بالقانون وبكلمة القضاء. ويواصل بان هذا التفاؤل والروح الايجابية تستدعي ان يبحث المجتمع عن نقاط التعايش والدعوة لها واشراك جميع قوى المجتمع في البحث عن كل ماهو “ايجابي ومشترك وقابل للتطبيق” وان نعمل جاهدين لنشر ذهنية المواطنة الصالحة القائمة على الحقوق والعدل والقبول بالاخر. وان تلعب منظمات المجتمع المدني الدور المنوط بها بكل صدق وشفافية وان تكون الميسر لهذه العملية. وان لا نسمح للقوى التي تخشى على فقدان نفوذها في المجتمع من تعطيل وتهديد مسيرتنا. 

والان من هي الجمعية الاكثر تاهيلا للقيام بهذا الدور؟ هذا يعتمد على همة وشجاعة الجمعات السياسية وقدرة قياداتها في بلورة مبادة تمنح الاخرين شيئ يمكن ان يُبني عليه مستقبل زاهر يهيئ الحرية والعيش الكريم على اسس المواطنة؟ والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *