نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. دلالات تقرير لجنة املاك الدولة 

تاريخ النشر : 27 مارس  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

التنمية هي العنوان الكبير الذي تتخذه الدول اليوم لمواجهة التحديات التي تفرضها المنافسة العارمة التي نتعرض لها في ظل العولمة المفروضة على الدول النامية. من خلال برامج وخطط واستراتيجيات التنمية تتمكن الدول من تحسين معيشة مواطنيها وتنمية مجتمعاتها. وقد وضعت البحرين خطة الى عام 2030 تطرح رؤية مستقبلية لمسار التنمية تعتمد على القطاع الخاص وتستهدف المواطن وتنمية قدراته بهدف رفع مستوى معيشته. حددت الرؤية قيما هامة لهذه المسيرة هي التنافسية والعدالة والاستدامة. كما ركزت في كيفية تحقيقها على جهد وعمل وتفاني المواطن في ولائه لوطنه وتاديته عملة وتمجيده لقيمة العلم وبذل الجهد كونه الوسيلة الوحيدة للتقدم وتحقيق الامال والتطلعات الفردية والمجتمعية. اي ان الرؤية تعتمد على المقولة القديمة من جد وجد ومن زرع حصد.

للاسف نرى احداثا وممارسات تطعن في هذه الامال والتطلعات وتنخر في قيم الرؤية المسقبلية وتحيلها الى كلام مفرغ من اي معنى حقيقي يستطيع المواطن ان يتبناه. هذه الاحداث تتجلى في تقرير لجنة املاك الدولة الذي ناقشه مجلس النواب في الاسبوع الماضي. اوضح هذا التقرير وجود تجاوزات وتعديات على مساحات كبيرة من عقارات املاك الدولة تجاوزت 65 كيلومترا مربعا تقدر قيمتها ب 15 مليار دينار على اقل تقدير. واذا اضفنا اليه ما جاء في تقرير لجنة الدفان والتجريف السابقة الذي قدرته الجهات المعنية ب 9 مليارات دينار. يهولنا حجم المبالغ التي تتحدث عنها هذه التقارير. فلو تم توزيع المبالغ على المواطنين لكان نصيب كل مواطن 60 الف دينار او تكفي لبناء 25000 وحدة سكنية. يحدث ذلك في حين ان البحرين في حاجة الى كل دينار وكل شبر من ارضها من اجل البناء والتنمية ومواجهة التحديات المستقبلية. كما انها بحاجة الى جهد الجميع للعمل على تعزيز قيم التنمية بدلا من اضاعة وقت البرلمان والحكومة والصحافة والمواطن في البحث عن مصدر التعدي والتجاوزات وكيفية استرجاعها. فهل يمكن بعد ذلك ان نقنع المواطن بشح الاراضي ونفص الميزانيات وان عليه ان ينتظر ما يزيد على 15 سنة للحصول على سكن . كيف يمكن لهذه العقلية التجارية التي تتاجر في املاك الدولة لمصلحتها الخاصة، وتقف لتقول ان المواطن هو همنا الاول وان المصلحة الوطنية هي هدفنا والتنمية مطلبنا. او نتوقع من المواطن الاجتهاد في ترشيد الانفاق والاستهلاك.

ان القيم التي تريد الرؤية الوطنية تعزيزها وغرسها في الناشئة تحتاج الى قدوة حسنة وتحتاج الى افعال تترجم الاقوال. ما يرد من فساد في الممارسات يرسل رسائل تناقض الحديث عن التنمية وعن المصلحة الوطنية والامن القومي والنزاهة التي نسعى جاهدين لجعها منارة يستدل بها الشباب في حياتهم.

وما زاد الطين بله مداخلة وزير العدل في الجلسة لتفنيد ما جاء بالتقرير. ركزت المداخلة عل الشكل الاجرائي في التقرير من حيث ان اللجنة تجاوزت المدة المتاحة لها وهي 4 اشهر. وان اللجنة تجاوزت نطاق عملها وتعرضت الى تجاوزات حدثت قبل عام 2002. ان المسئولية الاخلاقية عن معاناة المتضررين من الجاوزات على الاراضي لا تنتهي ولا تفرق بين ماقبل 2002 ومابعدها. 

ان انسب تلخيص لما يعنيه هذا التقرير ورد بعضه على لسان احد النواب في ست نقاط اولا، ان التقرير يوضح بان عقلية رئيس الشركة تغلبت على عقلية مسئول الدولة. ان مسئول الدولة يرى ان الاراضي والمبالغ تمثل مساكن للمواطنين ومدارس ومستشفيات وفرص عمل وتمويل مشاريع انمائية بدلا من استجداء الخارج لجذب رؤوس اموال. اما رئيس الشركة فانه يرى في هذه الاراضي فرص استثمارية شخصية. ثانيا يمثل التقرير فشلا حكوميا في المحافظة على المال العام والثروات الوطنية مما يثير تساؤلا حول مصداقية البرامج التنموية. ثالثا يشير التقرير الى قضية مدى تسلط النفوذ على القانون وما يمثله ذلك من تطاول على الفصل السادس من الميثاق الوطني والمادة 11 من الدستور. رابعا يوضح التقرير ان مفهوم دولة المؤسسات والقانون مهدد وان المجلس كان يتعامل طوال السنوات الثماني السابقة مع قضيا ثانوية وهامشية واغفل القضايا الهامة والجوهرية التي تساهم في تحسين معيشة المواطن. خامسا يوضح التقرير من دون ادني شك ان الحديث عن محدودية الارض وقلة الموارد فقد مصداقيته ولم يعد يقنع المواطن. سادسا يبين التقرير بان الجدل الايديولوجي والسياسي الذي تتعامل به الجمعيات السياسية هو جدل عقيم والاولى لها ان تتبنى ما ورد في التقرير وان تتكاتف في جعل المجتمع يدرك فداحة الاضرار التي تقع عليه من جراء هذه التجاوزات واعادة ثقة المواطن في مقولة من جد وجد ومن زرع حصد.

كما يمثل التقرير تحديا لمجلس النواب والقضاء والصحافة الذين يمثلون السلطات الاخرى لاثبات ان المجتمع مازالت لديه القوة للمحافظة على ثروته واسترجاع ما فقد منها لصالح المواطن الذي ضاقت به الدنيا. وهنا نذكر على وجه الخصوص وضع ديوان الرقابة الادارية الذي يجب بعد هذا التقرير ان يصر المجلس على ان يكون ملحقا به وليس بالحكومة اسوة بالدول المتقدمة ليتيح له متابعة تفعيل توصياته. كما ان التقرير يفرض اعادة النظر في مفهومنا للدولة والمجتمع والمواطن والعلاقة بينهم وهذا سيكون موضوع مقال اخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *