- دلالات وتداعيات تقرير الرقابة المالية
تاريخ النشر :٢١ نوفمبر ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الاسبوع – تقرير الرقابة المالية والادارية – يؤكد الجميع بان الفساد هو العدو الاول للتنمية ومحاربته شرط للاستقرار السياسي والحكومة مسؤولة عن تفشيه في المجتمع.
اصدر ديوان الرقابة تقريره السنوي وكالعادة صدم به المجتمع من ناحيتين، الأولى ما احتواه من تجاوزات وهدر للمال العام ومن ناحية ثانية ما تجاهله من فساد لم تشمله التقارير. ففي ندوة لجمعية المنبر الإسلامي يقول الدكتور علي احمد بان «التقرير يقتصر على التجاوزات الصغيرة والمتوسطة والمتكررة من الوزارات والهيئات»، اما المخالفات والتجاوزات والهدر الكبير والذي يشل الاقتصاد ويصادر أموالا كبيرة وأراضي فهو خارج نطاق التقرير. وبحسب الصحافة المحلية فإن قيمة التجاوزات الواردة في التقرير تجاوزت 141 مليون دينار. هذا لا يشمل كل حالات الهدر والفساد. لكن اخطر ما ورد في التقرير هو عدم فصل العمليات المالية لشركة نفط البحرين عن وزارة المالية والتي أدت الى ضياع مئات الملايين ولم يجرِ تصحيحه منذ عام .2005
تؤكد العديد من المنظمات المالية والاقتصادية ومنها البنك الدولي والبنك الآسيوي ان العلاقة بين الفساد والأداء الإداري والاقتصادي والاستقرار السياسي علاقة وطيدة وسببية. يؤكد ذلك الدكتور علي احمد في مجلس النائب محمد العمادي اذ قال إن «المخربين يستغلون انتشار الفساد في البلاد للقيام بأعمال تخريبية». كذلك تحذر جميع مؤسسات الاقتصاد والمال العالمية من تفشي الفساد وتعتبره العقبة الأولى في طريق التنمية. وحتى دولة متصلبة سياسيا مثل الصين بدأت تستشعر خطر الفساد مما اجبر رئيس الحزب الجديد (شي جين بينغ) على التحذير بان الفساد هو الآفة الأكبر ضررا على الاقتصاد الصيني واهم أسباب عدم الاستقرار السياسي. كذلك نجد الصراع في الكويت بين البرلمان والحكومة تصل جذوره الى الفساد، وأدى الى تعطل الحركة الاقتصادية والتنموية. يطالب البرلمان الكويتي بتفعيل المساءلة الحقيقية على المال العام وأوجه صرفه في ظل مخاوف من أن يكون النظام السياسي غير قادر على معالجة المشكلة ويحتاج إلى إصلاح. من ذلك نستخلص انه لا يمكن إحداث تقدم اقتصادي حقيقي دون مواجهة الفساد بشجاعة وتجرد وشفافية. فمن هي الجهة المنوط بها التصدي له؟
معظم الجهات التي تناولت الحديث عن التقرير تضع المسئولية على أربع جهات. اولا الحكومة بصفتها السلطة التنفيذية ويجب عليها القيام باكثر من مجرد التوجيه بل يتطلب الأمر عزل او فصل الجهات التي تتكرر فيها التجاوزات. ثانيا مجلس النواب، بالرغم من انه يعتبر ما حدث فضيحة خطيرة لا يمكن السكوت عليها، يرى الكثيرون بان نظام عمله بطيء ولا يمكنه معالجة الأمر. ونتساءل كيف يمكن لمجلس النواب ان يتصدى للمشكلة وهو الذي رفض انشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد. هذا يشير الى أمرين الأول ان المجلس غير مدرك أهمية وجود المنظومة الكاملة لمكافحة الفساد والثاني انه غير قادر على استخدام صلاحياته لمعالجة المشكلة. ثالثا ديوان الرقابة المالية والإدارية نفسه، هناك من يرى ان الديوان لديه من السلطة القانونية ما يكفي للتصدي للفساد ولكنه لا يستخدمها، فالمادة 11 تعطيه صلاحية إحالة القضايا الى النيابة فلماذا لم يفعل؟ وثانيا فان مرجعيته والصلاحيات الممنوحة له لا تمكنه من كشف حالات فساد اكبر. رابعا النيابة العامة التي تملك حق تحريك قضايا متى ما شعرت بوجود شبهة جنائية ومع ذلك فهي لم تفعل.
في السنوات العشر الماضية لم يتحرك إي من هذه الجهات بشكل واضح للتصدي للفساد، لا نعتقد ان هذه الجهات راغبة في استمرار الوضع، فهل تملك الأدوات للتصدي له أم ان النظام بشكل عام يحد من قدرتها وبذلك يهيئ البيئة المناسبة للفساد؟ وبعد كل ذلك يبقى السؤال كيف يمكن محاصرة الفساد والحد منه ومحاسبة المفسدين والفاسدين؟
توعد النائب مراد «ان عدم محاسبة المسئولين عن الفساد والمخالفات الواردة في التقرير يعتبر خيانة للأمانة وتغطية على الفساد». اذاً لا شك بان المجتمع يعتبر ما يحدث حالات فساد في الجهاز التنفيذي ويجب محاسبة المسئولين عنه، كذلك تم طرح العديد من المقترحات على شكل دعوات منفردة ومنفصلة. فمثلا هناك دعوات لإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ودعوات لإنشاء محكمة خاصة للفساد ودعوات لرفع مستوى المساءلة ودعوات لتحريك قضايا من قبل النيابة وديوان الرقابة نفسه، ومطالبة السلطة التنفيذية بمحاسبة المتورطين، واعطاء ديوان الرقابة صلاحيات الضبط القضائي والتوقيف والمحاكمة، كما هو معمول به في بعض الدول. هل هذه المقترحات يمكن ان تعالج التجاوزات والفساد ؟
نرى انه لا يمكن لأي جهة من الجهات المذكورة منفردة إيجاد حل للحد من مشكلة الفساد وان كان لابد فان الحكومة هي الجهة الأكثر قدرة على ذلك. لكن لمعالجة الفساد نرى ان الحل الوحيد هو في ان يدرك المجتمع بأسره ومؤسساته السياسية والمدنية ان الحل يكمن في معالجة سياسية تُقر بضرورة النظرة الشمولية المنظومية للفساد. أي اعتباره مشكلة سياسية تتطلب ايجاد مؤسسات مترابطة بصلاحيات متكاملة تساند كل منها الأخرى. وردت هذه المنظومة في رؤية تجمع الوحدة الوطنية للحل متمثلا في أولا وجود مساءلة على مستوى الحكومة، ثانيا برلمان لديه الصلاحيات الكاملة، وان يرتبط ديوان الرقابة بمجلس النواب لكي يكون له سلطة في توجيه خطة الرقابة. ثالثا وجود قضاء ونيابة عامة مستقلين فنيا وإداريا لكي يتمكنا من تحريك قضايا ومقاضاة المفسدين دون تدخل. رابعا حصر المال العام وتقنين جميع المخصصات والمصروفات والعطايا والهبات من دواوين الدولة بحيث لا يكون هناك أموال خارج المراقبة يمكن ان تصرف في أوجه الإفساد. خامسا ضرورة وجود إعلام مستقل يتمكن من تسليط الأضواء على جميع أوجه الفساد او شبهات الفساد دون خوف من قوانين جنائية. سادسا إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تتبع مجلس النواب بصلاحيات كافية. ومن دون تكامل هذه المنظومة فان محاصرة الفساد سيكون صعبا ان لم يكن مستحيلا.