نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. دلالة خطاب جلالة الملك والافراج عن المتهمين

تاريخ النشر : 16 اكتوبر  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

حدثين هامين في الاسبوع الماضي الاول خطاب جلالة الملك في افتتاح دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الثاني للمجلس الوطني والاخر الافراج عن متهمي كرزكان. تكمن أهمية الحدثين في كونهما يَعِدان بأن يكونا نقطة تحول في الحياة السياسية في البحرين اذا ما تم التعلم منهما والاستفادة من الدروس الكامنه بهما.

بالنسبة للخطاب السامي لجلالة الملك فقد تضمن مصطلحات هامة لتنمية الديموقراطية. فقد أكد جلالته ان المجلس حقق “مجموعة من الانجازات الوطنية ليس أقلها مواصلة المسيرة الديمقراطية المتجددة من خلال نظامنا التشريعي المتوازن”. وهذا يعني ان الوسيلة لبلوغ أمن المجتمع واستقراره يعتمد على الديموقراطية ونظام تشريعي متوازن يمثل بحق جميع القوى المجتمعية لتساهم بقدر يتناسب مع ثقلها السياسي في العملية التشريعية. ويواصل جلالته ان “المسيرة الديموقراطية تمثل صمام الامان للحفاظ على المكاسب الوطنية”. كما يحدد جلالته ان الغاية من النهج الديموقراطي هو “البناء الوطني في حقول التنمية والحريات والقوانين المنظمة للحقوق والواجبات”.

أي أن الديموقراطية هي الوسيلة للتنمية وانها آلية لصناعة قوانين تهدف الى “حفظ الحقوق والواجبات”. وقد لخص جلالته الانجازات والتطلعا في ثلاثة عناوين: اولا النجاح في “تحقيق النمو الاقتصادي المتصاعد والمستمر”. هذا يعزز اتفاق المجتمع والقيادة على أن التنمية هي الغاية الاعلى للعمل السياسي. لذلك فانه على المستوى الاستراتيجي الوطني فان متطلبات التنمية يجب ان تمنح اولوية على اي اعتبارات اخرى او على اي مصالح فئوية اخرى. ثانيا: وضع جلالته استحقاقات للتنمية وشروط لتحقيق السلم الاهلي والوحدة الوطنية حين يقول “حفاظنا على الاستقرار الاجتماعي ادى الى تعزيز السلم الاهلي واسهم في توطيد دعائم الدولة الدستورية المدنية المتقدمة في اطار الدستور وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان وحريته في التعبير”. فيختصر جلالته شروط الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الدولة الدستورية المدنية وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير. فالى اي حد تمكنا من المضي في هذه الشروط وماذا تحقق منها؟ ومن هي الجهة التي قصرت مما ادى الى بروز مانرى من مظاهر احتجاج وعنف ادى الى ازهاق ارواح؟ كما يطرح خطاب جلالته سؤال حول هل يمكن للحقوق ان تمنح دون تضحيات؟ وماهي حرية التعبير التي يرى جلالته انها ضرورية لتحقيق السلم الاهلي وضمان استمرار التنمية؟ ثالثا: يرى جلالته أن مسيرة التنمية في أي مجتمع تصطدم بمعوقات وتحديات يجب التغلب عليها ومعالجة اضرارها ويلخصها جلالته في ” الابتعاد عن القرارات الفردية والاتجاه الى القرار الجماعي ومعالجة الفساد الاداري”. بالاضافة الى ذلك فان يرى ان التنمية تقوم على ركائز أهمها “تطوير التعليم … وتحسين الخدمات الصحية والتقدم في معالجة مشكلة الاسكان”. ويحدد جلالتة المسيرة هذه في “الحراك السياسى الواعي”، اي تنظيم قوى المجتمع للمطالبة بالحقوق ورفض ممارسات الاستحواذ والسيطرة على الثروات والانفراد بالقرار.

اما الحدث الثاني فهو الافراج عن متهمي كرزكان التي رأت المحكمة عدم كفاية الادلة للادانة في تهمة قتل الشرطي ماجد أصغر وهذا يعزز خطاب جلالته بان الأسس الديموقراطية مثل فصل السلطات واستقلالية القضاء وغيرها هي ركيزة هامة للتنمية. رأى البعض بان القرار كان سياسيا بينما حيثيات الحكم تدل على ان القضاء استند الى رفض الاعترافات التي شابها الاكراه. كما لم يعثر على اداة الجريمة في الموقع وبالتالي فان طرح السؤال من القاتل اذا؟ هو سؤال مسيس. اما السؤال المنطقي في هذه الحالة هو كيف حدثت الوفاة؟ وقد أجاب القضاء انه نتيجة سقوطه على الارض. وبغض النظر عن قناعة البعض بتسييس الحكم فان خلاصة ذلك هو ان هناك دم هدر وشباب دخل السجن ومجتمع انقسم على نفسه ومازال، وجهدا ضائعا وفرصا تنموية مفقودة مما يطرح بشدة السؤال كيف نتجنب تكرار ماحدث ونصحح الاوضاع التي ادت وقد تؤدي في المستقبل الى مثل هذه الاحداث المؤسفة. 

هذا يتطلب تقوية الادوات الديموقراطية التي بينها جلالة الملك في خطابه وتنميتها لتكون فاعلة في معالجة القضايا الخلافية وادارة الحوار حولها وخصوصا فيما يتعلق بتوزيع الثروة التي نرى انها العنصر الاهم في تفاقم الخلافات. هناك الكثير من المواطنين يعانون من الحيف الذي يلحق بهم نتيجة توزيع الثروة على الاثرياء والاقارب وتحويل املاك الدولة الى املاك خاصة وتجريف البحار. ولكنهم غير قادرين على تنظيم انفسهم للمطالبة بحقوقهم التي اقرها جلالة الملك في خطابه. على المجتمع بجميع طوائفه ان يدرك بان المطالبة بالحقوق او التنازل عنها هي خيار شخصي. ومن يختار المطالبة يجب ان يتبع الوسائل السلمية والعمل المنظم وعلى المتنازل عن حقوقة ان لا يعتبر المطالبة منافية للمواطنة.

ان التنمية التي حدد تحدياتها جلالته في خطابه لن تاتي على طبق من ذهب بل تحتاج الى جهد وتضحيات والى اصرار على بلوغ غاياتها. وهذا واجب قيادات المجتمع المتمثلة في المجلس النيابي والشورى والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لكي تنهظ بدورها وتركز على هذه الحقوق والاصرار على إعادة التفكير في توزيع الثروة ووضع التشريعات المناسبة لمنع ما حدث من استغلال للمال العام لمصالح غير وطنية. 

ان وجود آلية يقرها الجميع لمعالجة مثل هذه القضية الخلافية هي صمام الامان للحيلولة دون تكرار المآسي التي حدثت في الماضي والتي شكلت مقتل الشرطي احد اسوأ محطاتها وقد حددها جلالته في الديموقراطية فالنطورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *