نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. )دور المواطن لانجاح التجربة النيابية القادمة

تاريخ النشر : 10 يوليو 2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تحدثنا في المقال السابق (اخبار الخليج 3 يوليو 2010) عن ندوة في مجلس الدوي حول متطلبات انجاح التجربة البرلمانية القادمة. بينا ان قوة الدولة وقدرتها على تحقيق متطلبات المواطن تكمن في قوة مكوناتها الاربع: الحكومة والبرلمان والمجتمع والمواطن. وان المحرك الرئيسي لهذه المكونات هو المجتمع بمؤسساته وبتصرفاته الايجابية. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن العلاقة بين قوة هذه المكونات ودور المواطن فيها.

يرى المحاضر ان جهود التنمية لازدهار ورخاء المجتمع وتحقيق احتياجات المواطن تحتاج الى اولا: دولة قوية بمكوناتها قادرة باجهزتها، وحاضنة للمجتمع تساعده في تحقيق تنميته ورخائه وتقدمه وسعادته. وليست دولة قوية تهيمن على المجتمع وتعيق طموحاته وتقمع حرياته وتصادر مشاركته ، ثانيا: حكومة قوية بانجازاتها وبادائها وقدرتها على حسن استخدام الموارد المتاحة لتلبية متطلبات جميع المواطنين وتحقيق امنهم. ثالثا: برلمان قوي في تشريعاته وفي رقابته على عمل الحكومة من خلال المساءلة والمحاسبة والعقاب والثواب وليس برلمان يكرس الطائفية. رابعا يحتاج الى مجتمع قوي بافراده وبجمعياته وباحزابه وبحسن اختيار سياسييه ونوابه لادارة اجهزة الدولة ومتابعتهم ومحاسبتهم ورفض فسادهم ومفسديهم. وان يكون مستعدا لمساندتهم باستخدام ادواته الدستورية من حرية الصحافة وحرية التعبير والاحتجاج والتظاهر والاعتصام والدفاع عن هذه الحقوق والادوات التي تقوي الجميع حكومة وبرلمانا ومجتمعا. وتكون مؤسسات المجتمع قوية عندما يكون المواطنون (اعضاؤها) قادرين على تنظيم انفسهم وواضحين في فهم مصالحهم ومدركين انهم يملكون هذه الدولة، وان يتحلوا بعقلية المالك وليس عقلية المستاجر الذي يقبل الصدقة والمكرمات. واي ضعف في اي من مكونات الدولة سيؤثر سلبا على جهود التنمية.

يجمع الساسة والاجتماعيون على ان قوة المجتمع تكمن في قوة الطبقة الوسطى. فهي القادرة على العمل وتوجيه المجتمع من خلال مؤسساته المدنية نحو حسن اختيار الحكومة والبرلمان وهي القادرة على الرقابة والنقد والابداع والانتاج واضعاف هذه الطبقة يعني استقالة المواطن وضعف المجتمع وضعف البرلمان وضعف الحكومة وضعف الدولة. نيتجة لذلك يستقوي الجميع بانتمائاته الفئوية وتسود المصالح الجزئية كالطائفية والقبلية والعائلية والعشائرية.

وللاستئثار بالاميتازات الفئوية يعمد الطرف الاقوى الى مصادرة الحريات وتكميم الافواه للحفاظ على مصالحه وامتيازاته المختلفة . وتبرز نتيجة ذلك مظاهر ضعف عديدة في المجتمع واول ضحايا استقالة المواطن وضعف المجتمع هي غياب حرية الصحافة القادرة على التحليل والنقد والتصحيح. فالعبث بحرية الصحافة هو بمثابة اطفاء الانوار الكاشفة. فيعم الظلام ويستشري الفساد المال والاداري والسياسي والمعرفي. وتتفاقم الصراعات الجانبية ويشيع عدم الاستقرار.

وثاني مظاهر ضعف المجتمع ادعاء البعض بامتلاك الحقيقة. فهم فقط على حق والاخرون على باطل وضلالة. وثالث مظاهر ضعف المجتمع ازدياد هيمنة الحكومة على اجهزة الدولة وفقدان البوصلة الوطنية. ورابعها خلط المواطن بين الدولة وضرورة الولاء لها، وبين ادارة الدولة (الحكومة). وبسبب التماهي بين الدولة والحكومة يعتبر البعض ان انتقاد الحكومة لتصحيح مسارها ومحاسبتها هو انتقاص من الولاء للوطن.

ركزت مداخلات الحضور على طرح عدد من التساؤلات اولها يتعلق بنوعية الديمقراطية والانتخابات التي لدينا وهل هي قادرة على تهيئة البيئة المناسبة للتنمية؟ فهل صلاحيات البرلمان كافية؟ وهل يستطيع المرشح خوض انتخابات متكافئة؟ وماذا عن سيطرة الكتل النيابية التي حولت البرلمان الى كانتونات طائفية؟ ثانيا : الى اي مدى ساهمت الجمعيات السياسية الديمقراطية في احباط المواطن وعدم تحركه للدفاع عن حقوقه المشروعة؟ ثالثا الى اي مدى تسبب نقص الصلاحيات البرلمانية في تخلي كفاءات قديرة عن التقدم للترشيح؟ وهل اضعاف البرلمان مقصود بالرغم من ان ذلك يؤدي الى اضعاف الحكومة والدولة ويعيق جهود التنمية؟ وهل هذا الصعف ادى الى التوجه الطائفي والانشغال بالخدمات بدلا من التشريع والرقابة الفعالة؟ رابعا ماذا تعني المادة 11 من الدستور والتي تقول ان “الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة، وتقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات امن الدولة واقتصادها الوطني. لماذا تم التصرف في هذه الثروات وفق مصالح اقل ما يقال عنها انها غير وطنية ؟ اليس ذلك اكبر تعبيرا عن ضعف المجتمع؟ التنافسية العالمية لا تقف في انتظارنا الى ان نعالج كل هذه المشاكل والنتيجة الحتمية للصراعات الجانبية هو انشغال الدولة والحكومة بفرض سلطتها وانشغال المجتمع بالدفاع عن حقوقه على حساب جهود التنمية التي تتراجع اولوياتها. عالج الغرب هذه الاوضاع باعتماد الديمقراطية التي تخلق التوازن بين مكونات الدولة لكي لا يطغى طرف على اخر. فلا الحكومة تهيمن على المجتمع ولا البرلمان يطغى على الحكومة ولا الفرد يستبد بالاخرين، والمفتاح في خلق هذا التوازن هو المواطن.

فسلوك المواطن ووعية وكيفية تعامله مع الصراعات التي تدور في المجتمع واستعداده للمشاركة الفاعلة النشطة هي صمام الامان لحفظ توازن القوى في الدولة والمجتمع. ليس فقط في القضايا الداخلية بل كذلك في العلاقات الخارجية لنصرة القضايا القومية. لذلك فان قيام المواطن بحسن اختيار المرشح ومتابعة ادائه ومساءلته هي نقطة البداية فقط في تعزيز الدميقراطية. يليها في الاهمية وجود علاقة تبادلية بين النائب والمواطن الناخب. يستخدم النائب قوة المواطن، ويستفيد المواطن من صلاحيات النائب في تغيير قواعد التشريع والرقابة والمساءلة لتحقيق اكبر قدر من مصالح المجتمع . وهذا يدعونا الى التفاؤل بحراك الجمعيات الديمقراطية والقومية والليبرالية في توحيد صفوفهم لتقوية المجتمع الذي اتضح انه الحلقة الاضعف في منظومة الدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *