نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

رؤية حــكـــومــية لـمـستقـبـل الاقتصاد في المنتدى الاقتصادي

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء 4 سبتبر  ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع – قدمت الحكومة رؤية للاصلاح الوضع لكنها لم يكن فيها مستجدات فهي استمرار لنفس النهج والفكر الذي استمر اكثر من ثلاثة عقود وهو الاعتماد على القطاع الخاص ومهمة الحكومة فقط تسيير الامور وتيسيرها مع مشاريع بنى تحتية سبق او اعلن عنها والاعتماد على المؤسسات القائمة. لا يوجد توجه جديد نحو اقتصاد انتاجي تقوده الحكومة وهذا مخيب للامال.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1181443

تطرقنا في مقالات سابقة إلى أوراق كل من مجلس الشورى ومجلس النواب وغرفة التجارة، وفي هذا المقال نتناول ورقة الحكومة التي شاركت بها في المنتدى الاقتصادي الذي أقامه مجلس النواب في شهر ابريل الماضي. طرحت الورقة برنامجا تحت عنوان «المواطن محور التنمية»، يتكون من مسارين المسار الأول خلق فرص عمل نوعية للمواطنين والمسار الثاني تجويد التعليم لتحفيز الابتكار لدى المواطن، معتمدين في ذلك على أربع ركائز هي مشاريع التنمية ذات الأولوية، تيسير البدء بالأعمال، دعم الأفراد والمؤسسات، القطاعات ذات الأولوية. والنتيجة المتوخاة من هذا البرنامج هو رفع متوسط الأجر الشهري. تبرز الورقة ما تحقق من ارتفاع في الأجور منذ 2008 الى 2018 مقارنة مع غير البحريني. ففي عام 2008 كان متوسط اجر البحريني الشهري في القطاع الخاص 517 دينارا، وصل الى 723 في 2018 بزيادة سنوية قدرها 3.1%. وهذه الزيادة في الواقع لا تختلف عن زيادة ارتفاع مستوى المعيشة التي يتقاضاها الموطف والمتقاعد. 

تبدأ الورقة بعرض الركيزة الأولى من المسار الأول وهي «مشاريع التنمية ذات الأولوية» الذي يشمل ثلاث مبادرات هي برنامج التنمية الخليجي وهذا يشمل المليارات العشرة التي منحتها دول الخليج للبحرين، ونشاط الشركات الحكومية القابضة وتأثيرها على التنمية وتعتمد على استثمارات القطاع الخاص. لا يشير ذلك الى نوعية التوجه ومتى سيحقق نتائجه وما هي النتائج التي ستتحقق، بل تشير فقط الى حجم الاستثمارات وهي 32 مليار دولار. هذا الرقم ورد في تصريحات الحكومة منذ 2015 وهو كلفة مشاريع بنى تحتية ومنها توسعة المطار. من الواضح ان مثل هذه المشاريع تضيف الى خلق بيئة استثمارية ونحن في انتظار نتائجها. 

الركيزة الثانية هي «تيسير البدء بالأعمال»، تسعى الحكومة من خلالها الى تطوير أنظمة سوق العمل وتبسيط الإجراءات الحكومية لخلق بيئة عمل ملائمة لتشجع المستثمرين. تشمل خطة الحكومة مبادرة لدعم الأفراد والمؤسسات من خلال توفير برامج دعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن طريق (تمكين) وبنك التنمية وصندوق الصناديق ومركز صادرات البحرين. تهدف هذه المبادرة الى تحفيز النمو الاقتصادي المحلي على مستوى الشركات الصغيرة والمتوسطة. بعض هذه المؤسسات بدأت عملها منذ بضع سنوات، وكان الأحرى أن تشمل الورقة تفاصيل عن النتائج المتوقعة، وما هي المشاكل التي تعاني منها الشركات الصغيرة والمتوسطة القائمة اليوم والتي بدأ البعض منها في إغلاق محلاته. تطوير بيئة العمل بحاجة الى عمل يتجاوز تطوير سوق العمل وتبسيط الإجراءات. 

كما أن بدء المشاريع الصغيرة والمتوسطة قد لا يكون هو المشكلة. فقد تكمن المشكلة في نوعية الشركات الصغيرة التي تفتح وما هي فرص العمل التي توفرها، ومدى مساهمتها في التصدير الى الخارج، ومدى قدرتها على الاستمرار، وما فرصها في النمو ومدى توافر رأس المال لها وبأي شروط. ما طرحته الورقة يحتاج الى تعزيز من خلال دراسة واسعة تضع كل هذه الاعتبارات في الحسبان، وتبحث في قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تحويل الاقتصاد الى معرفي إنتاجي؟ أما طرح الموضوع بهذا الإيجاز فإنه قد لا يتيح المجال للتعلم من التجارب وبالتالي قد يؤثر على مستوى الاستثمارات المستقبلية.

الركيزة الثالثة هي المؤسسات الداعمة لرجال الاعمال والشركات مثل صندوق العمل (تمكين) وبنك البحرين للتنمية وصندوق الصناديق (100 مليون) ومركز صادرات البحرين. هذه المؤسسات لها مساهمة في التنمية لكنها ليست حديثة، فهل الإشارة إليها في الورقة هي من باب الشرح ام انها من منطلق خطة مستقبلية لم يتم شرحها بعد، وهل سيكون لهذه المؤسسات ادوار اضافية وفق الرؤية الجديدة؟ 

الركيزة الرابعة وهي مبادرة تتعلق بالقطاعات ذات الاولوية وهي القطاعات الست التي حددتها الدولة وتشمل الصناعة، النقل والخدمات اللوجستية، تقنية المعلومات، الخدمات المالية، السياحة، النفط والغاز. هذه القطاعات سبق ان حددتها البحرين في استراتيجتها 2014-2018. وفق هذه الخطة ترى الحكومة ان الطريق هو البناء على نقاط القوة في القطاعات واجتذاب الاستثمارات الاجنبية اليها. وبما ان هذه الخطة بدأت في 2014 كان بودنا لو ان الدولة اصدرت تقريرا يبين وضع كل قطاع في بداية 2014 وكيف تطور وما وصل اليه اليوم، وما هي الانجازات التي تحققت ومدى تأثيرها على الاقتصاد. نتوقع إصدار تقرير يبين ما هي الاستثمارات التي تم استقطابها في كل قطاع، وماذا كانت نتائجها، وهل تطوير القطاع تم وفق التطلعات؟ 

المسار الثاني ويتعلق بتجويد التعليم، حيث جاء في الورقة ضرورة تمكين المواطن من خلال رفع مستوى التعليم ليتمكن من تحفيز الابتكار والابداع. تضع الحكومة اربعة اهداف هي رفع جودة ونوعية التعليم، تواؤم المخرجات مع متطلبات سوق العمل، تعزيز مهارات وفكر ريادة الاعمال، وتحفيز الابداع والابتكار. غير ان تقدم التعليم، وفق تقارير هيئة الجودة، لا توحي بان هناك تطورا بما يكفي لتحفيز الابتكار. فهل هناك تصور لتغيير منظومة التعليم الى تعليم متقدم يواكب تطلعات المجتمع في التحول نحو اقتصاد معرفي إنتاجي؟ 

الخلاصة هي ان هناك مسارين للاقتصاد من وجهة نظر الحكومة، الأول هو الاعتماد على المؤسسات الحالية في خلق البيئة الاستثمارية المناسبة مثل تمكين وصندوق العمل والمسار الثاني هو من خلال تجويد التعليم. بالنسبة إلى خلق بيئة استثمارية فإن المؤسسات الموجودة قامت بالكثير من المساهمات لكن مع الوقت اتضح انها غير كافية لإحداث التغيير المطلوب. فقد مر على إنشائها بضع سنوات ولم نر ما يكفي من التغيير والتحرك نحو اقتصاد منتج متكامل. اما بالنسبة للتعليم فان هناك حديثا عن تحسين مستوى التعليم لرفع القدرة الابتكارية والريادية. لكن كيف سيتم ذلك؟ فهل تتغير برامج التعليم وفق هذه الخطة؟ في الواقع بعد التقاعد الاختياري هناك من يطرح احتمالية تدني المستوى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الابتكار والإبداع يحتاج إلى مناهج وأسلوب تعليم مواكب، كما يحتاج الى نوعية متطورة من المدرسين وإدارات مدرسية وتعليمية مدركة أهمية هذا التحول. 

mkuwaiti@batelcoc.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *