- رؤية في القمة الخليجية بالدوحة
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تاريخ النشر 11 ديسمبر 2007 م
تم تشكيل مجلس التعاون قبل 26 عاما لتحقيق اهداف محددة منها: تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع المجالات وصولا الى الوحدة الخليجية، وتطوير القوى العاملة وتحسين مستوى المعيشة وتنويع الاقتصاديات وتوسعة دور القطاع الخاص في الدول الاعضاء وتقليل الاعتماد على البترول كمصدر أساسي للدخل القومي. وبعد مرور هذه الفترة ماذا تحقق من أهداف؟ لا يمكن القول إن المجلس لم يحقق شيئا، فهذا قد يكون غير دقيق ولكن هل ما تحقق يتناسب مع الاهداف وموارد الدول وتطلعات الشعوب وضخامة المسئوليات؟ ان
تحقيق ما يتطلع إليه المواطن الخليجي من تحسين المستوى المعيشي وتنويع الاقتصاديات يعتمد على قضايا سياسية وامنية على مستوى الخليج وعلى مستوى الوطن العربي والعالمي وعلى رؤية سياسية استراتيجية. من ذلك نرى ان ما ميز هذه القمة (الدوحة 2007) هو البعد الاقليمي والعالمي الذي اضفاه حضور الرئيس الايراني ومخاطبة الحكام والشعوب مباشرة في ظل ما تتعرض له المنطقة من تهديد بحرب اخرى مدمرة. والحدث الآخر المهم هو اعلان السوق الخليجية المشتركة وما سيتيح من فرص تنموية اذا ما احسنا استغلالها، وثالثا هو ما ورد في خطاب سمو امير قطر من أهمية البحث العلمي والتقني في تقدم وازدهار المنطقة، ورابعا ما ورد في مقابلة لرئيس الوزراء القطري حول أهمية العمل وفق مصالح المنطقة وعدم الانجرار خلف استراتيجية دول غربية لا نعرف اهدافها، في اشارة الى أمريكا.
فكيف سوف نتعامل ونستفيد مع هذه المستجدات في تعزيز أمننا القومي وتنمية اقتصادنا؟ بالنسبة إلى حضور الرئيس الايراني فان أهم ما قاله هو إنشاء منظومة للتعاون الأمني والاقتصادي الذي رحب به القادة ووعدوا بدراسته. نرى ان تتم هذه الدراسة بجدية مع اخذ المعطيات التي مرت بها المنطقة من حروب ونزاعات وتأثيرها السلبي في الاقتصاد والتنمية. فالسوق الكبيرة التي تمثلها ايران والخليج يمكن ان تسند تنمية اقتصادية كبيرة، وإذا ما أضيف الى ذلك السوق العربية فان المجال سيكون غيرمحدود. أضف الى ذلك ما ورد في الكلمة الافتتاحية لسمو الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر التي بين فيها أهمية البحث العلمي والتقني في تنمية اقتصاديات الخليج وأثره الكبير والجوهري ليس فقط في التنمية الاقتصادية بل لما سيوفره من استقلالية سياسية وبناء قدرات عسكرية تصب في توفير التوازن الامني في المنطقة وقد تعني خفض الانفاق العسكري.
ندرك ان هناك قضايا حساسة ومهمة تعوق التقدم في التقارب الخليجي الايراني وهي قضية الجزر الثلاث والتدخل الايراني في الشئون الداخلية في العراق ودول الخليج. ويقابل ذلك تدخل أمريكي في الخليج وفي العراق وفي كل دول المنطقة. ويجب ان نتعامل مع الخطرين وادارتهما بموضوعية ووعي مراعين مصالحنا الوطنية وأمن واستقرار المنطقة. بالنسبة إلى قضية الجزر فان السيطرة عليها تمت خلال حكم الشاه بترتيب مع المستعمر السابق، وهذا لا يعطي ايران حق الاحتفاظ بها. لكن علينا اتخاذ قرار هنا حول مدى تاثر سياساتنا الاخرى بهذه القضية. هل نوقف جميع المصالح الاخرى ام نستغل الوضع الحالي ونستمر في المطالبة باسترداد هذه الجزر المهمة؟ وألا نجعل هذه القضية تحدد مستقبل التقارب الاقتصادي الخليجي الايراني الذي ان قدر له النجاح فقد يساهم في حل هذه القضية حلا يرضي الأطراف المعنية. اما بالنسبة إلى التدخل الايراني في الشئون الداخلية فهي مسألة سيادية وحساسة ونرفض اي تدخل من اي جانب، غير ان الرفض لا يكفي لمنع هذا التدخل. فالسياسة مثل الماء والهواء لا يمكن منعها إلا من خلال تقوية الوضع الداخلي لرفض التدخل والتعامل معه من واقع مصلحة وطنية.
أما اذا وجدت ثغرات داخلية في أي جسم فان الاختراق والتدخل سوف يأتيان اذا لم يكن من هذا الجانب فانهما سيأتيان من جانب آخر. ولا يمكن ان نلوم الجهة لتدخلها اذا جاء نتيجة تصرفاتنا وتقاعسنا وافساحنا المجال للتدخلات الاجنبية. بطبيعة الحال لا ترحب امريكا بمثل هذا التقارب فهي تنظر الى الخليج على انه مصدر للنفط، وبالتالي فان أمنه مسألة تخصها هي وحدها وتديره بالكيفية التي تحقق لها ثلاثة أهداف: أولا: استمرار هيمنتها على النفط وأسعاره، وثانيا: استمرار بيع الاسلحة بالمليارات على دول الخليج واستنزاف ثرواتها، وثالثا: حماية امن اسرائيل. وبالتالي لابد ان يكون أمن الخليج مسئوليتنا بالدرجة الاولى، وبناء قوة عسكرية مستقلة قادرة على الدفاع عن أمنها وبناء اقتصاد معرفي انتاجي هي أمانة في أعناق القادة وما لم يتحقق ذلك فإن أمن الخليج سيكون مهددا والتدخلات في الشأن الداخلي ستستمر.