نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. رسالة الى المتحاورين .. يجب ان ينجح الحوار

تاريخ النشر :27 يونيو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يتطلع المجتمع البحريني الى حوار التوافق الوطني ويعلق عليه آمالا كبيرة لتحقيق الحياة الحرة الكريمة للمواطن واشاعة العدالة والمساواة واعادة اللحمة الوطنية التي تضررت وتصدعت خلال الفترة الماضية. ان تأمين عوامل نجاح الحوار قضية يتحمل مسئوليتها جميع اطراف الحوار وعلى رأسها السلطات الرسمية كونها تقود المجتمع وتدير شئونه. واول هذه العوامل هي وضوح الاهداف من الحوار وتحديد النتائج التي يتوقعها المجتمع. 

بالنظر الى ما تعرضت له البحرين لا نملك الا ان ننجح في هذا الحوار. والجميع يدرك ذلك، فقد قال سمو رئيس الوزراء “باننا لا نريد ان نفشل في الحوار”، ويقول سمو ولي العهد “نأمل أن ينجح لأن نجاحه لكل البحرين وليس لفئة دون أخرى”. 

هذا يعني ان هناك استحقاقات لنجاح الحوار يتوجب علينا توفيرها واولها هو تحديد ماذا يعني النجاح بالنسبة للمواطن والمجتمع؟ هذا التساؤل يفرض على المشاركين جملة من التحديات منها ان يكونوا واضحين في تشخيص المشاكل التي يعاني منها المواطن والمجتمع والتي ساهمت في ايجاد هذه الحالة، وواضحين في النتائج التي يريدون تحقيقها للمجتمع. وخلال هذا المخاض متوقع من كل واحد من المشاركين ان يكون مستقلا في تحليلاته وفي خياراته وان لا يكون اداة في يد أحد. 

ان أفضل ما يمكن ان نُذُكر به المتحاورون في هذا المقام هو ماقاله جلالة الملك في خطابه الاخير من ضرورة “تأسيس حكومة اكثر فعالية وسلطة تشريعية اكثر تحقيقا لطموحات الشعب وتعزيز الشفافية وضبط جميع الاموال واحترام سيادة القانون في ظل الوحدة الوطنية ومبادئ حقوق الانسان وقيم العدالة والمساواة وتحقق الحياة الكريمة للمواطنين”. بالنظر الى الجهات المشاركة في الحوار وعدد المتحاورين هناك خطر حقيقي وهو ان يتحول الحوار الى مناكفة يحاول كل طرف منع الآخر من تحقيق اي مكاسب بدلا من محاولته لتعظيم مكاسب المجتمع. ان واجب كل محاور هو ان يُحوِّل هموم المواطن الى آليات وادوات دستورية تمكن المجتمع من تحقيق طموحاته وليس اختزالها في زيادة الرواتب او توزيع مساكن سرعان ما تعيدنا الى المربع الاول.

وبناء على ذلك نقول لكل مشارك في الحوار ان يدرك ان ما يطالب به الكثير من المواطنين مثل قضايا تحسين المستوى المعيشي ورفع الاجور وتوفير فرص عمل وتوفير السكن واصلاح التعليم والارتقاء بالخدمات الصحية والاجتماعية جميعها لها جذور دستورية وسياسية وتنموية وحقوقية. وانه لا يمكن تحقيق مكاسب في هذه القضايا المعيشية دون معالجة جذورها العميقة المترابطة. فمثلا زيادة الاجور تحتاج الى معالجة الهدر في المال العام ومحاربة الفساد وتفعيل دور الرقابة المالية والادارية، وهذا يتطلب تعديلات دستورية ترفع مستوى المساءلة والمحاسبة وتقوي صلاحيات مجلس النواب وتعزز استقلالية القضاء. كذلك يتطلب الأمر رفع الانتاجية في المؤسسات الخاصة والعامة، والاستثمار في العنصر البشري وفي المكون العلمي والمعرفي في الانتاج. هذا يعني تدخل من الدولة بشكل مباشر في وضع الرؤى والاستراتيجيات وتوجيه الاموال في هذا الاتجاه. وهذا يستوجب المشاركة في القرار بحيث تعطى اولوية للانفاق الانتاجي الذي يستفيد منه المجتمع ووقف توزيع الثروة بشكل هبات وعطايا تساهم في افساده.

ان ترجمة ذلك الى واقع يعني وضع تشريع يطالب الحكومة بتقديم خطة عمل باهداف تجسد التنمية البشرية المستدامة يمكن متابعتها وتقييمها. ويعني كذلك ان يتحمل الجميع المسئولية ويشارك فيها من خلال المؤسسات الدستورية الفاعلة وكاملة الصلاحية، ومجتمع حر يستطيع ان يسائل ويحاسب، ومن خلال صحافة حرة تتوفر لها المعلومات الموثوقة لمتابعة التطورات والانجازات والتعلم من الاخفاقات، وقانون ينظم التصرف في الاموال والموادر العامة. وبدون هذه التعديلات الدستورية والسياسية فان تحسين الاوضاع المعيشية لا يمكن ان يتحقق. لذلك نرى ان النتائج التي يتوقعها المجتمع من هذا الحوار والتي من شأنها ان تعالج مشاكله تشمل التالي:

  1. ان يؤمن الجميع بمفهوم ان المجتمع هو الاهم وان اجهزة الدولة هي في خدمة المجتمع وان وظيفة الحكومة هي ادارة هذه الاجهزة بالنيابة عنه وبالتالي يجب ان تكون الحكومة مساءلة ومحاسبة من قبل المجتمع واجهزته الدستورية وصحافته الحرة وقضائه المستقل لتحقيق نتائج وفق برنامج تقدمه الحكومة في بداية تشكيلها.
  2. تعريف واضح لاملاك الدولة وايجاد قانون ينظم التصرف فيها.
  3. تعزيز أليات محاربة الفساد والمحسوبية مثل تقوية مجلس النواب واقرار حق الحصول على المعلومات الموثوقة. 
  4. وجود اعلام يخدم المجتمع ككل ويوفر له وجهات نظر مختلفة تمكنه من تكوين رأي متوازن تغنيه عن اللجوء للاعلام الخارجي.

ان تحقيق هذه النتائج يتطلب ان يكون الهدف الاساسي لكل مشارك هو وضع المجتمع على طريق الاصلاح والتننمية وحل المشاكل التي يعاني منها المواطن بمنحه الحرية والكرامة التي يستحق وان لا يكون الهدف من الحوار هو الخروج باقل الخسائر او اقل التنازلات الممكنة. فالمواطن ينتظر الكثير من هذا الحوار وخطر الفشل موجود مما يوجب على المشارك فيه ان يدرك بانه يمثل المجتمع وعليهم مسئولية وضع علاج لمشاكله. كما عليه ان يدرك بان التوافق لا يعني التوصل الى حلول تَرْضِية للاطراف او للسلطة أو أي جهة بل التوافق على أهمية معالجة المشاكل والوصول الى جذورها وان نمضي قدما بالمشروع الاصلاحي ونبني على ما تحقق من مكتسبات لترسيخ اسس الدولة المدنية الحديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *