نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. زيادة رواتب القطاع الخاص .. متى وكيف؟

تاريخ النشر :7 اغسطس  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بعد رفع تقرير حوار التوافق الوطني الى جلالة الملك صدرت بعض التصريحات والمقالات لتبين بان هناك قضايا قد لا يطالها الاصلاح مع كونها هامة وضرورية. وردت هذه في الكثير من المقالات بما في ذلك المعارضة. نذكر منها مقال ابراهيم الشيخ وبيان جمعية المنبر الاسلامي. فحوى هذه المحاولات هي وضع بعض التمنيات لما قد يتم اقراره من توافقات ونتائج تخدم الوحدة الوطنية والسلم الاهلي وتوفر للبحرين بيئة تخدم التنمية الاقتصادية والحياة الحرة الكريمة وتلبية المتطلبات المعيشية. يلخص هذه الجهود الشيخ عبداللطيف آل محمود في لقائه الجماهيري بقوله “واجب علينا ألا ننظر بعين واحدة، لا بعين الرضا وحدها فنغفل عن السلبيات وتودي بنا بعد ذلك إلى المهالك، ولا بعين السخط وحدها فنغفل عن الإيجابيات ونزدري نعمة الله علينا”، فماهي هذه المهالك في نظر المجتمع؟ 

يصف ابراهيم الشيخ في مقاله الحالة بان “الدولة اليوم خرجت من أزمة سياسية كبيرة، وجزء كبير من تلك الأزمة كان متعلّقاً بالجانب المعيشي والإسكاني. ومن المؤثرات على الازمة الحالية هي الأراضي التي تمّ توزيعها في طول البحرين وعرضها كَهِبات من دون تحقيق العدالة الاجتماعية”. هذا من جهة ومن جهة اخرى “فان الحكومة لم تخلوا من النقد في بعض السلوكيات…والتلاعب في المال العام”(اخبار الخليج27 يوليو 2011).

وتطرح جميعة المنبر الاسلامي في بيانها نفس المخاوف بقولها ان النجاح الحقيقي لحوار التوافق الوطني هو أن “يلمس المواطن نتائجه وما تم التوافق بشأنه في جميع مستويات حياته المعيشية” وهذا يشمل جميع المواطنين. كما ركزت في حديثها على مكافحة الفساد حيث تعتبره آفة مجتمعية. كذلك ركزت الجمعية على عدد من القضايا الهامة منها، زيادة الشفافية في التعامل مع أملاك الدولة. وعبرت في نهاية بيانها عن يقينها “بأن استقرار وأمن البحرين ومصالحها العليا لن تتحقق إلا بالتلاقي والحوار بين أبنائها من أجل الوصول إلى صيغة توافقية يرتضيها الجميع، تغلفها الوطنية ولا تتلون بأي أيديولوجية أو طائفية، ولا يعلو فيها صوت سوى صوت الوطن، ليس فيها فائز ومهزوم بل هي عملية يخرج فيها الجميع منتصرون للصالح العام”. 

في ظل هذا النقاش والجدل المحتدم حول مدى نجاح الحوار في معالجة الازمة وفي وضع اسس لمواصلة مسيرة الاصلاح الديمقراطي، تحول تفكير المجتمع الى الزيادة في الرواتب التي اقرها جلالة الملك وخصت القطاع العام والمتقاعدين والعسكريين. هذه الزيادة هي خطوة هامة وضرورية لتخفيف اعباء الحياة على المواطنين وليست علاج لتدني الاداء الاقتصادي. ومع ذلك فان الفرحة لم تكتمل بسبب استثناء شريحة كبيرة من المجتمع من هذه الزيادة. 

يقول البعض بانه بمقدور القطاع الخاص ان يقدم نفس الزيادة الى موظفيهم وهذا القول لا يستند الى ادلة او بيانات موثوقة وانما تمنيات من البعض. ما يحكم القطاع الخاص وسياسته في الرواتب هو عامل الربحية والانتاجية وزيادة الدخل. هذا يعني ان الزيادة الحقيقية في مستوى المعيشة لاي مجتمع هي نتيجة لزيادة ادائه الاقتصادي. فطالما بقي الاقتصاد يعتمد على النفط المتذبذب في اسعاره المتآكل في ايراداته بفعل ضعف الدولار والناضب في استدامته ستبقى المعضلة قائمة. المستوى المعيشي العالمي يرتفع بفعل العلم والمعرفة والابداع والابتكار، وترتفع معه اسعار السلع والخدمات والاغذية. بينما مستوانا المعيشي في تراجع ومعتمد على النفط. في مثل هذه الحالة، وفي ظل عدم قدرتنا على مجارات العالم في تقدمه الانتاجي وارتفاع مستواه المعيشي، لا بديل عن قيام الحكومة بدفع زيادة في العلاوات للقطاع الخاص لتحسين ظروف معيشة المواطن. فلا يجوز استثناؤهم ومطالبة القطاع الخاص تحمل اخطاء الحكومة الاقتصادية. فعلى مدى عقود ظل الاقتصاد البحريني يعاني من كونه اقتصاد ريعي قائم على النفط والتجارة والخدمات المالية.

كيف يمكن للاقتصاد ان يتطور ويتمكن من رفع مستوى المعيشة بشكل حقيقي ومتوازن بين القطاع الخاص والعام ويساير التطور في العالم. وكيف يمكننا مجارات ارتفاع الاسعار العالمية، الجواب على هذا المأزق الاقتصادي يكمن في قضيتين الاولى سياسية وهي ان النتائج الاقتصادية والمعيشية التي تحدث عنها ابراهيم الشيخ وتتمنتها جمعية المنبر ونوه اليها الشيخ عبداللطيف تحتاج الى اصلاحات سياسية كبيرة ومشاركة فاعلة من قوى المجتمع في القرار السياسي والاقتصادي تؤدي الى استقرار سياسي ووحدة وطنية حقيقية. يعبر عن ذلك السيد ماجد الفيحان في مقال في اخبار الخليج فيقول “ان البلاد في حاجة ماسة إلى المخلصين القادرين على تحمل المسئولية، لتحقيق التوافق السياسي والنجاحات المفاجئة وغير المتوقعة بعيدا عن مجريات التصعيد، ولاسيما في ظل التحشيد وانعدام الثقة اللذين قد يسهمان في نقل الوطن الى منزلق طائفي خطر”. 

والقضية الثانية هي ان تحسين الاداء الاقتصادي لا يعتمد فقط على قراراتنا وسياساتنا الاقتصادية، لكن وبالدرجة الاولى يعتمد على وحدة المجتمع وعلى مكافحة الافات التي تنخر في الجسم الاقتصادي مثل الفساد والمحسوبية وتوفير الادوات الدستورية والقانونية له. كما يتطلب زيادة الحريات لتشجيع الابتكار والابداع. اي ان الحلول السياسية هي الاساس في جعل الاصلاحات الاقتصادية والمعيشية مستدامة وتصل فوائدها لجميع المواطنين. ننظر بترقب الى مبادرة كبيرة من جلالة الملك تعطي دفعة جديدة لمسيرة الاصلاح والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *