نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. زيارة الرئيس بوش المقبلة – ماذا وراءها؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 28 ديسمبر 2007

تمر المنطقة بتطورات متسارعة في طريق يراه الكثيرون على انه الاتجاه الصحيح، تتلخص هذه التطورات في حضور الرئيس الايراني قمة دول مجلس التعاون وحضوره قمة اوبك الثالثة المنعقدة في الرياض وزيارة البحرين في طريقه الى حضور القمة والتي تؤكد اوجه التعاون والتنسيق، ودعوة الرئيس لاداء فريضة الحج، واتفاق البحرين مع ايران على تزويد الغاز واتفاقية التعاون في مجال الثروة السمكية وزيادة حجم التبادل التجاري ومقترح تشكيل منطقة حرة خليجية ايرانية. كل هذه التطورات تنظر اليها شعوب المنطقة على انها تقارب قد يؤدي في النهاية الى تشكيل تكتل اقتصادي يساعد على ايجاد توازن قوى في المنطقة وقد يؤدي الى حل المشاكل السياسية العالقة مثل الجزر الاماراتية والتدخل في الشئون الداخلية.

وفي ظل هذا التقارب سوف يقوم الرئيس الامريكي جورج بوش في شهر يناير بزيارة للبحرين ضمن زيارة للمنطقة يقوم بها على اعقاب الاحداث التي تمر بها المنطقة وفي اعقاب الاستخبارات الجديدة التي تفيد بان ايران اوقفت برنامجها العسكري في عام 2003 وفي اعقاب التقارب الذي يحدث في المنطقة ومدلولاته من تعاون لإقرار الامن والاستقرار. فما هو الهدف من هذه الزيارة؟

ان التقارب الذي يحدث في المنطقة بين دول مجلس التعاون وبين ايران لا يروق للمستعمر الجديد ولا يخدم مصالحة في ضمان تدفق النفط والهيمنه على اسعاره. ولا يخدم مصالح اسرائيل في عزل ايران واضعاف المقاومة الفلسطينية وتيار الممانعة العربية، وقد تكون هذه الزيارة تسعى الى دق اسفين بين العلاقة الوليدة التي تسعى الدول الخليجية الى تعزيزها ايمانا منها بان اي توتر في المنطقة لا يخدم مصالحها.

والسؤال المطروح الان هو كيف نواجه هذا التدخل الامريكي في قراراتنا وتشكيل جبهة خليجية تؤمن مصالح دولنا وترعى امننا واستمرار نهضتنا؟

ان التصدي للقرار والتدخل الامريكي بجعل الخليج منطقة توتر بدأ فعلا في حوار المنامة. فقد تصدى سمو ولي العهد لادعاءات وزير الدفاع الامريكي روبرت قيتس بان اسرائيل اقل خطرا على المنطقة من إيران، وان ايران هي مصدر التهديد. كما تصدى لذلك رئيس الوزراء القطري ووزير العمل البحريني. لكن هل هذا يكفي لثني الرئيس الامريكي والصهاينة باستمرار محاولاتهم في تأزيم الموقف مستخدمين وسائل الضغط والترهيب؟ هذا ما اتي لتجربته وأملنا ان يصمد الحكام في وجه هذا التهور وان يستمروا في العلاج العقلاني والمنطقي لامن المنطقة واقناعه بافساح المجال لهذا الاسلوب وجعله يدرك بان النتيجة الحتمية للحرب الامريكية هي اولا احباط جهودنا في التنمية المستدامة وعزوف المستثمرين التي عملنا طويلا على تأسيسها، ثانيا استنزاف القدارت المالية لدول المنطقة للانفاق على الحرب المشتعلة وعلى شراء منظومات سلاح جديدة، وثالثا توقف حركة الموانئ في حين ان الخليج يعتمد في غذائه على الواردات، ورابعا والاهم تلوث مياه الخليج التي نستخدمها لانظمة التحلية.

من ناحيتنا فان التقارب مع ايران له مدلول اقتصادي هام، غير ان ذلك لن يتحقق ما لم يصاحبه توازن قوى في المنطقة. وهذا التوازن يجب ان يستند الى قوة خليجية اقتصادية وعسكرية وسياسية واجتماعية. ويعتمد ذلك على إعادة تعريف مفهوم الامن القومي الشامل للمنطقة معتمدا على كون دول مجلس التعاون كتلة واحدة تتعاون مع وحدة اقتصادية وسياسية اخرى في المنطقة وهي ايران. ثانيا يعتمد على توازن اقتصادي يعتمد على قدرة صناعية خليجية تستغل السوق الكبيرة المتاحة وقدرة بحثية وتطوير منتجات تستغل الثروة النفطية لخلق اقتصاد معرفي مستدام لخدمة الاجيال القادمة قادر على المنافسة الدولية والمحافظة على مصالحنا وتحقيق استقلال سياسي واستعادة الارادة الوطنية. 

ان ما يعكر صفو هذه الرؤية هي استمرار كل دولة خليجية بالتسلح المنفرد بمليارات الدولارات، فقد بلغ الانفاق العسكري في المنطقة  في عام 2005 50 مليار دولار تقريبا واصبحت منطقة الخليج من اهم اسواق السلاح بالنسبة لامريكا التي توفر مايزد على 47% من اجمالي التسليح. وفي بعض التقديرات الاقتصادية فان الانفاق العسكري في الخليج اكبر من ما ينفق على الخدمات الاجتماعية. ويتساءل الكثيرون عن الجدوى من تكديس هذه الاسلحة التي اثبتت التجارب انها لم تستخدم بشكل فعال حتى في احلك الايام والتي لا تخدم سوى الصناعة العسكرية الامريكية وليس ادل على ذلك من اقتراح روبرت قيتس بنشر صواريخ دفاعية في المنطقة، بطبيعة الحال، تدفع دول الخليج قيمتها. والمنطق الاقتصادي والتجاري يقول بانه من الاولى ان يستخدم جزء من هذه الاموال في خلق ثورة صناعية وبحثية حقيقية تنتج ما نحتاجه من سلع واسلحة معتمدة على عمالة وطنية بدلا من الاستمرار في الاعتماد على التسليح الاجنبي المشروط بسلب الارادة الوطنية.

التصدي بالتصريحات فقط غير كاف لردع أمريكا وثنيها عن نيتها في تحويل المنطقة الى بؤرة صراع وساحة حرب مرة اخرى خدمة لاهدافها. نحتاج الى وقفة صارمة وواضحة من قادتنا في هذه الفرصة القادمة واثناء زيارة الرئيس الامريكي لجعله يدرك بانه ليس من مصلحتنا الانجرار خلفه في صراع في المنطقة وان يدرك بان المنطقة لا تثق بتحليلاته التي ارجعت العراق الى القرون الوسطى وجعلت منه ساحة للتناحر الطائفي والارهاب. وان لا نكتفي بذلك بل نعمل مع القوى العربية والعالمية لتشكيل جبهة رفض لاي حرب تخطط لها الامبريالية الجديدة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *