نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. زيارة الرئيس بوش – امريكا والشرعية الدولية

تاريخ النشر : 3 يناير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت امريكا تاخذ دورا اكبر في العلاقات الدولية ودخلت في صراع مع المعسكر الشرقي من اجل، كما كان يشاع، قيم الديموقراطية والحرية والتقدم الانساني. وتكاتفت الدول الاسلامية مع جهود امريكا في هذا الصراع الى ان استطاعت ان تفوز في الجولة الاخيرة واصبح العالم بقطب واحد. وبعد ان تربعت امريكا على حكم العالم انقلبت الى وحش كاسر تنكرت للقيم التي حاربت من اجلها وشاركتها الدول الاسلامية. 

على خلفية ذلك وعلى خلفية الحرب على الارهاب تأتي زيارة الرئيس بوش الى المنطقة في ظل توترات في معظم مناطق العالم العربي والشرق الاوسط بشكل خاص نتيجة الوضع العالمي الذي بالرغم من كونه عالم صغير متشابك مازال يتعامل مع القضايا الكبرى بمنطق العصور الوسطى وما قبل العولمة. وينسى او يتناسى الرئيس الامريكن انه وبفعل الثورة في الاتصالات والمواصلات اصبح العالم قرية صغيرة تحاول دولة عظمى واحدة ان تحكمه وتتصرف في مصائر الدول باسلوبين. اسلوب القانون والشرعية الدولية في بعض القضايا، ومنطق القوة والمصالح القطرية في قضايا اخرى.

اذا نظرنا الى الصراعات في العالم منذ بداية التاريخ نجد انها في الغالب صراعات على المصالح وعلى السيطرة على وسائل الانتاج والموارد والاسواق، اي صراع على السلطة والثروة من اجل البقاء. واستطاعت التجمعات الانسانية (الدول) بعد مشوار طويل مع حكم القوة والمصالح ان توفر الامن والحماية للحقوق بحكم القانون. اما عالم اليوم، الذي تفرضه العولمة، فقد اصبح قرية صغيرة تحكمه قوة واحدة (امريكا). فعليها ان تقرر هل تريد ان تتصرف وفق قوة القانون الذي يسري على الجميع كدولة متحضرة وديموقراطية، ام بمنطق القرون الوسطى وبقوة المصالح والقوة العسكرية المهيمنة على العالم. الخيار الاول (حكم القانون) سوف يؤمن السلام والاستقرار والاحترام لحقوق الجميع، اما الخيار الثاني (القوة والمصالح الوطنية) فنتائجه مزيد من الحروب والدمار بسبب اختلاف المصالح وعدم قبول اي دولة التنازل عن مصالحها مادامت امريكا تحكم وفق هذا المنطق. فلا يمكن لامريكا ان تستخدم الشرعية الدولة متى ما ناسبها ذلك وان ترفضها اذا اختلفت مع مصالحها القومية. عليها ان تقرر هل ستعيش بقيم وسلوك القرن الواحد والعشرين او بقيم القرون الوسطى التي تفرض بالقوة والبطش والتسلط. للاسف الان امريكا تريد ان تصبح اثنين في آن واحد. 

نفهم ان تعمل امريكا على تحقيق مصالحها عن طريق القمع والتعسف والكيل بمكيالين والبطش ومساندة الظلم، لكن لا يمكن ان ينخدع احد بالتباهي بالتمسك بالقيم الديموقراطية والشرعية الدولية والعدالة.، فافعال امريكا تناقض هذه القيم. فمثلا القضية الفلسطينية تعقدت واصبحت من اكبر المشاكل التي تهدد الامن العالمي وجعلت من الشرق الاوسط بؤرة توتر وساهمت في التطرف الديني والايدلوجي، وتشعب التنازع في لبنان والعراق كله بسبب تسلط امريكا وفرضها لرؤيتها على العالم وتجاهل قرارات الامم المتحدة. بينما معالجة هذه القضيايا كان ممكنا لو ان للشرعية الدولية اي قيمة لدى الادارة الامريكة عندما لا تناسب مصالحها.

بالنسبة للقضية الفلسطينية فهناك مرجعيات الامم المتحدة (الشرعية الدولية) وقراراتها التي تشكل ارضية لمعالجة القضية الفلسطينية وفرض الحل الشرعي بقوة القانون. بدلا من ذلك سمحت امريكا لاسرائيل بفرض حقائق على الارض (المستوطنات) وتفرض على الفلسطينين القبول بهذا الواقع المنافي لقرارات الامم المتحدة، كذلك الجدار الفاصل العنصري الذي صدر بشأنه حكم من المحمة الدولية بعدم شرعيته وانه مخالف للقانون الدولي. مالذي يمنع امريكا من اجبار اسرائيل على الانسحاب من الاراضي المحتلة والانصياع للارادة الشرعية. كيف يمكن لامريكا ان تكون دولة ديموقراطية تؤمن بالقيم الانسانية في الحرية وتقرير المصير والعدالة وفي نفس الوقت تساند احتلال دولة ومصادرة ارادة شعب وتطويقه ومحاصرته وتجويعه وتقتيله؟ وهي تدرك ان التفاوض لا يتم الا بين طرفين متكافئين كما قال وزير خارجيتها جورج شولتس.

اذا كان الهدف هو السلم العالمي، كما تدعي امريكا، فيتوجب عليها ان تتعامل مع العالم ليس من منطق مصلحتها التي تفرضها بالقوة بل عليها التعامل بمنطق الواحد والعشرين الذي يفرض المشاركة والقيم الانسانية التي قامت عليها الحضارة الاوروبية والامريكية وجميع الحضارات الاخرى في تنظيم شئون العالم، وهنا لا بد من وجود قانون يحكم العلاقة بين الدول وان نحافظ على الشرعية الدولية دون انتقائية او تفضيل اي دولة على اخرى. المشكلة بين امريكا والعالم العربي ليست ازلية وليست من صنع العرب. المشكلة هي نتيجة لسياسات امريكا في مساندة حق دولة على حق اخر. في هذا الجو لا يمكن ان يسود الامن والاستقرار بالضبط كما كان العالم اثناء القرون الوسطى عندما سادت الحروب بين القبائل بسبب عدم وجود قانون يمكن فرضه على الجميع. 

ياسيادة الرئيس، تاتي لتطرح صيغة للامن الجماعي لدول الخليج وتحثهم على التعاون معك لاحتواء ايران كونها تهديد للامن القومي الخليجي، بينما الواقع هو انك تسعى الى الحصول على مساعدتهم للخروج من ورطة العراق وانصياع للاوامر الاسرائيلية التي تمثل ايران تهديدا لامنها، اما دول الخليج فهي اكثر فطنة من الوقوع في هذا الشرك المنصوب لها. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *