بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
نشر في نشرة تجمع الوحدة الوطنية العدد 18 اغسطس ٢٠٢٢
سجال الجمعيات والمستقلين في الانتخابات القادمة
مقال الاسبوع – مجلس النواب مؤسسة من اهم مؤسسات المشروع الاصلاحي لجلالة الملك. بعد 20 عاما يحتاج الوضع السياسي في البحرين الى مراجعة وتقييم بما فيه اداء المجلس ، ويحتاج الى تطوير العملية الديمقراطية بما فيه دور اكبر للجمعيات السياسية ومراجعة قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية.
هناك مسئولية على مجلس النواب للتقدم بالتجربة الديمقراطية وللجمعيات السياسية دور كبير في ذلك. فقد دعمت المشروع الاصلاحي المنبثق عن الميثاق والدستور ولعبت دورا اساسيا في الدورات الانتخابية الاولى والثانية والثالثة، وقدمت مقترحات لتطوير التجربة وشاركت في لجان تحقيق كان لها اثر في تطوير بعض المؤسسات. كما كان لها حضور في مناقشات ومتقرحات اثرت في تطوير بعض القوانين. اي انها كانت تمارس دورا اكثر حيوية في المجلس رفع من مستوى المخرجات لصالح المجتمع والدولة والشارع التجاري.
اليوم يدور الحديث في الشارع عن دور الشباب والمرأة والتكنوقراط ونرى ان ذلك لا يمثل مشكلة. المجتمع لا يستغني عن اي من هذه الكفاءات. لكن المطلوب هو المزج بين هذه القدرات وضمان استعداد كل منها للعمل العام وامتلاكها القدرات والوعي السياسي الكافي لتوظيف المهارات والكفاءة لخدمة متطلبات المجتمع واهدافه والغاية من وجود المجلس. لا ننسى اننا امام تجربة وليدة تحتاج إلى مراكمة الخبرات والتجارب من اجل تطوير المجلس. تحقيق ذلك يحتاج الى فتح مجال لهذه الكفاءات بالتدريب على العمل العام والالتصاق بالمجتمع. من المجالات الممكنة لتدريبها ورفع مستوى الوعي العام لديها هو العمل في الساحة المجتمعية. تدريب المرشح على العمل العام، السياسي والاجتماعي والفكري لا يتم في محاضرات تعقد كل اربع سنوات وان كانت مفيدة نظريا فانها لا تكفي عمليا. التدريب يتم من خلال ممارسة العمل العام في المجتمع سواء كان في جمعيات سياسية او عمالية او مهنية وغيرها. هذا الالتصاق بالعمل العام هو الساحة السليمة للتدريب، والقادرة على ايصال نواب على وعي كبير لمتطلبات الناس ووعي بالقضايا الهامة والمعالجات الشاملة والموجهة للصالح العام والدداعمة للحقوق والرقابة على المال العام.
كذلك من الامور التي تساهم في تطوير العملية الديمقراطية هو توفر آليات تُمكن المجتمع من تحديد متطلباته والتعريف بمصالح مختلف شرائحه وابرام المقايضات لتحقيق القدر الممكن منها. وهذا يتم في الدول التي سبقتنا في العملية الديمقراطية من خلال جماعات ضغط تمثل مصالح معينة. فمثلا هناك جماعات ضغط تمثل الشارع التجاري بمختلف تلويناته، وجماعة تمثل حماية البيئة والطفل والمتقاعدين والمرأة، والعمال وجماعات مختلفة اخرى. وكلما تنوعت هذه الجماعات اظهرت حيوية المجتمع وخلقت توازنات في التشريعات التي تسن والمؤسسات التي تُنشأ.
في الاونة الاخيرة بدأ دور الجمعيات يتناقص وغلب على المجلس نواب مستقلون اعطوا طابعا فرديا للمجلس. ومع تقديرنا لجهودهم الا ان التوازن مطلوب في المجلس لتطوير عمله. كذلك يقتضي التقدم بالتجربة تحليل الاداء والوقوف على الجوانب الايجابية والسلبية وتقديم المقترحات لتلافيها. وهذا ما قامت به بعض الجميعات السياسية في عدد من الندوات التي عقدتها مؤخرا وقدمت وجهات نظر ومقترحات. من اهم ما ورد في الندوات الحاجة لتقييم التجربة واجراء مراجعة للوائح الداخلية التي تنظم عمل المجلس ومحاولة تطويرها بما يخدم المرحلة القادمة من رفع مستوى الفاعلية وبما يحقق الرؤية الملكية السامية والرغبة المجتمعية في التطوير.
ترى الجمعيات ان ذلك سوف يتطلب قدرا اكبر من الانفتاح على حرية التعبير واعطاء الصحافة دور اوسع في المناقشة وتبادل الاراء حول التقدم بالتجربة. كذلك يلعب اليوم التواصل الاجتماعي دورا محوريا في النقاش وطرح الاراء والمقترحات لا بد ان تؤخذ في الاعتبار لجعل صوت المواطن مؤثرا في العملية السياسية.
علينا كمجتمع ودولة وقطاع خاص ان ندرك ان المرحلة القادمة تمثل تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة تتطلب مراجعة قوانين ومن ضمنها قانون الجمعيات السياسية التي هي من اهم ثمار المشروع الاصلاحي. على ان تسعى عملية المراجعة الى تذليل الصعوبات في الانخراط في صفوفها وبما يخدم عملية تطوير العمل النيابي. لكي تقوم الجمعيات بهذا الدور الايجابي فانها بحاجة الى دعم مالي ومعنوي من الدولة ومن المسئولين بشكل فردي ومن المجتمع ككل. لذلك لا بد ان تتضمن المراجعة اضافة مادة تختص بتقديم دعم مادي (مخصصات مالية) للجمعيات لا يرتبط بعدد مقاعدها في المجلس وانما كتمويل رسمي يضمن وجودها وبقاءها لتقوم بالدور المناط بها ضمن المشروع الاصلاحي والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية. كذلك تحتاج دعم معنوي يساعدها في الانخراط في المجتمع والتواصل معه، ومناقشة قضاياه بما يعبر عن صوت المجتمع ويحقق التقدم والتنمية في جميع المجالات.
في المقابل تحتاج الجمعيات السياسية ان تقدم رؤية للناخب تجعله يتمسك بالمجلس وتطويره ويستعين بالرؤية في ترشيد قراراته الانتخابية ومواقفه تجاه القضايا التي تثار في المجتمع، وتجعله مدركا للتحديات التي تواجه السلطة التنفيذية والتشريعية. هذا يعني ان تكون اكثر التصاقا بقضايا المجتمع ومناقشتها لتكوين رأي عام حولها. كذلك للصحافة دور في ذلك من خلال تغطية انشطة الجمعيات السياسية لتسهم في تشكيل الرأي العام في القضايا المحورية التي تثار في المجلس النيابي. هذا يتطلب ان تكون الجمعيات على علاقة وطيدة بالمجتمع من خلال منظماته المدنية وانشطته المختلفة. انعزال الجمعيات يضر بالمجتمع والجمعيات ومخرجات العملية الديمقراطية. كذلك على الجمعيات ان تركز على قضايا المجتمع وتبتعد عن الاصوليات الايديولوجية سواء كانت علمانية او اسلام سياسي.
في نهاية المطاف قوة الدولة تعتمد على قوة المجتمع ومؤسساته وكفاءة القطاع الخاص وقدرات المؤسسات الحكومية. هذه القدرات تحتاج الى تطوير مستمر من خلال النقد والاصلاح والحيوية التي تبرز في مجتمع يناقش قضاياه في المجال العام ويقدم المقترحات التي ترشِّد المسار ويستعين بها متخذ القرار.