نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. سعيد الحمد … الليبرالية والاسلاميون

تاريخ النشر : 12 يونيو 2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الليبرالية هي تحرير الانسان من القيود التي يفرضها عليه الاخر، ولا تعني تحرر الانسان من القيم والاخلاق والتزامات المجتمع المدني في دولة مدنية. هذه هي الليبرالية التي تحدث عنها سعيد الحمد في مجلس الدوي في الاسبوع الماضي. يقول ان الليبرالية في حقيقتها عبارة عن فكرة تجمع وتدافع عن حزمة من الحريات المدنية والشخصية والديمقراطية. وهي في المحصلة النهائية قبول الرأي الاخر والفكر الاخر من دون اقصاء او رفض حق الاخر في الاختلاف. وبعيدة كل البعد عن المذهبية والطائفيية والعصبية والقبلية وغيرها من الاصطفافات التي تقسم المجتمع وتضعفه. 

اما وجهة النطر الاخرى فتقول ان التعريف الذي يعتمده الاستاذ سعيد هو تعريف تسطيحي لليبرالي. فالليبرالية هي تحرر الانسان من المنهج الذي رسمه الله له ولا يجوز للمسلم تبنيها لكون اصولها وفلسفتها لا يتفقان مع تعاليم الاسلام التي لا تترك الحرية الكاملة للانسان في اختيار عقائده وعبادته ومعاملاته. وان جميع القيم الفاضلة الموجودة في الليبرالية والعلمانية والديمقراطية هي موجة في الاسلام، ولسنا بحاجة الى استيرادها.

والان لنا ان نتساءل ، لماذا ظهرت الحركات التحررية في العالم الغربي مثل الليبرالية والعلمانية والديمقراطية ولم تظهر في العالم الاسلامي؟ ولماذا لم يطور “الاسلاميون” المبادئ الاسلامية لتكون البديل عن الفكر السياسي “المستورد”؟

ان الفكر الانساني هو فكر خلاق يبحث عن حلول للمشكلات التي تواجهه في حياته العملية. والحركات التحررية في العالم هي ردة فعل لوضع معين فرضه واقع اقتصادي او سياسي او اجتماعي او ديني. ففي الغرب المسيحي الذي ظهرت فيه هذه الحركات كانت هناك ثلاث قوى تتنافس على السيطرة على الحياة وعلى المجتمع. قوة الكنيسة (سلطة دينية) وقوة الملوك (سلطة سياسية) وقوة الاقطاع (سلطة اقتصادية). فرضت الكنيسة على الانسان الغربي وضعا يتناقض مع فطرته وعقله. فرفضت العلم والتفكر في خلق الله واحتكرت تفسير الانجيل. نتج عن ذلك حركة دينية احتجاجية (Protestant) اجتاحت الغرب وقلصت سلطة الكنيسة بمساعدة الملوك. وكانت بداية الفكر الليبرالي والعلماني الذي حرر الانسان من تسلط الكنيسة الفكري، وفصل المؤسسات الدينية عن الدولة، وفجر الطاقات الابداعية العلمية والفكرية.

في المقابل سيطر على الغرب حكام وملوك احتكروا الحياة السياسية وسخروا المواطن لاطماعهم وحروبهم فثار البريطانيون على الملك في حرب اهلية بقيادة كروميل انهت عصر التسلط الملكي. وقويت مؤسسة البرلمان وبزغ فجر الديمقراطية ونشط المجتمع المدني ليوازي سلطة الدولة وسلطة الكنيسة. وما حدث في الغرب هو اضعاف للسلطات الثلاث (الكنيسة والملوك والاقطاع) فلم تستطع اي منها السيطرة الكاملة على المجتمع. فاصبح الوضع مهيئا لتحرك المجتمع نحو الديمقراطية. فنتج عن ذلك منظمات مجتمعية مثل حقوق الانسان والشفافية ومكافحة الفساد والنقابات العمالية والصحافة الحرة وهكذا تحقق لهم التوازن بين القوى الثلاث. وهو الذي ضمن الحقوق وادى الى الابتكار والتطور والتقدم العلمي.

اما الدولة الاسلامية فيقول رجال الدين “الاسلامينون” (وهم محقون) ان الاسلام سبق حركات التحرر هذه في ما اتت به من قيم وتحرير للانسان وان القيم التي نادت بها هذه الحركات موجودة في الاسلام وبالتالي فنحن لسنا بحاجة الى استيرادها. فحرية الفرد مكفولة في الاية الكريمة “لكم دينكم ولي دين” الكافرون 6. والعدالة موجودة، والشفافية موجودة، وحقوق الانسان موجودة. فلا توجد قيمة فاضلة ليست موجودة. ومع ذلك نجد ان حرية الفرد تنتهك، فيسجن الانسان لكلمة يقولها من دون محاكمة وبمباركة من الاسلاميين. والعدالة تهان فلا نرى رفضهم. وحقوق الانسان تطمس على مسمع منهم. والثروات تكدس لدى الحكام على حساب الشعوب من دون اعتراض فعال منهم. والتبذير لهذه الثروات على ملذات وبذخ اسطوري يسهم فيه الكثير من رجال الدين مقابل نصيبهم منه. في الوقت الذي يعاني الفقراء والمحتاجون. 

ونسأل الاسلاميين: طالما هذه القيم موجودة في الاسلام (وهي كذلك) لماذا لا توجد جمعية لحقوق الانسان اسلامية، ولا جمعية شفافية اسلامية؟ ولمذا لا توجد جمعيات لمواجهت الظلم الاجتماعي والفساد؟ ونتساءل كذلك لماذا لم تتطور صحيفة المدينة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تحتوت على مبادئ وقيم هامة مثل الاخاء والتكاف الاجتماعي وغيرهما: لماذا لم يتبناها الاسلاميون لتشكل اساسا ودستورا للحكام في العالم الاسلامي والعربي؟ ولمذا لم تتطور خطبة سيدنا ابي بكر حين قال “وليت عليكم ولست بخيركم”، وطلب مهم تقويمه ان رأوا منه باطلا؟ لو تطورت الصحيفة والخطبة لما احتجنا الى ديمقراطية مستورده، ولاصبح الحكم للاصلح والامر شورى بيننا. اما الان وقد سبقنا الغرب الى تطوير قيم ومبادئ كنا سباقين اليها فهل يجوز ان نقف ضدها؟

يبدو ان السبب في غياب مثل هذا الاهتمام بالقيم الانسانية الاسلامية وسبب خلو المجتمعات الاسلامية من هذه الجمعيات الحقوقية هو التحالف النفعي بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية في التاريخ الاسلامي – مع بعض الاستثناءات غير المؤثرة – يعكس ماحدث في الغرب من تنافس بينهما. فالخلافة الاسلامية لم تكن دينية بل سياسية استطاعت ان تروض السطلة الدينية بقوة البطش والمال والجاه والحظوة فاضعفت المجتمع واستبدت به وقتلت الابداع والفكر. هذا التحالف النفعي بين السلطتين في التاريخ الاسلامي يتجلى في كيفية اضعاف مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورفض وانكار الجهر به بالنسبة الى الحكام واقتصاده على المحرمات مثل الخمر، ففقدنا القدرة على الاصلاح فكيف الخلاص؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *