نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. سقوط الاستجواب.. والحاجة إلى إرادة لمكافحة الفساد

  تاريخ النشر :١٤ مايو ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- ليس المهم سقوط الاستجواب المهم انه يؤشر على عدم وجود إرادة سياسية لمكافحة الفساد ولا منظومة متكاملة للسيطرة عليه.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13565/article/22276.html

 فشل النواب هذا الأسبوع في استجواب وزير الصحة. بغض النظر عن الموقف من هذا الاستجواب فإن الفشل هذا ليس الأول ولن يكون الأخير. يقال إن الفشل في السابق كان بسبب الصراع الطائفي في المجلس وتسييس الاستجوابات. اليوم هو يقال إنه نتيجة مباشرة لتنازل مجلس النواب عن سلطته وصلاحياته في الاستجواب بشكل جعل المجلس عاجزا عن المساءلة. تنوعت القضايا التي فشل فيها الاستجواب منها قضايا تتعلق بالفساد وبعضها يتعلق بقضية إدارة أو سوء إدارة الموارد أو بسبب سياسات خاطئة كما في بعض الوزارات التي لم تطولها الاستجوابات. الخلاصة هي ان المساءلة في قضايا الفساد ستكون أصعب بكثير ولن يحصل المجلس حتى على 23 صوتا. الأصوات التي وقفت بجانب الاستجواب هي اغلبية يمكنها تمرير قوانين خطيرة ومؤثرة في المجتمع مثل تمرير ميزانية الدولة وقوانين الإرهاب وقانون الصحافة (مثلا عندما يكتب له ان يطرح). لكنها لم تتمكن من تمرير استجواب!

 هذا يقودنا إلى الحديث عن تقارير ديوان الرقابة المالية، ونتساءل كيف سيتعامل النواب معها في المستقبل؟ وهل إحالة بعض القضايا إلى النيابة سوف تعالج القضية؟ وهل النيابة ستتعامل معها بهذه الطريقة من الإحالة أم أن الأمر يتطلب معالجات أكثر عمقا وشمولا؟

 التعامل مع تقارير ديوان الرقابة لا ينفصل عن التعامل مع الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمالية مثل إدارة المال العام والتصرف في أملاك الدولة وتطبيق القوانين وإدارة التنمية المستدامة وغيرها من قضايا المجتمع. جميع هذه القضايا سوف تحتاج إلى تشريع وقرارات من المجلس وإلى الآن لم يثبت المجلس قدرة على التعامل مع القضايا الكبيرة التي تحدد مسار المجتمع والدولة وحياة الفرد. بعض النواب مشغول بالمطالبة بتوزيع بيوت الإسكان في دائرته أو توظيف قريب له، ولا يتعامل مع الأصول والاسس والمحددات التي تمهد له القدرة على الخوض في اللعبة السياسية الحقيقية.

 مرت ثلاث عشرة سنة على المجلس ولا يزال يكافح من اجل تحقيق حد ادنى من القدرة على مكافحة الفساد والحد من تكرار المخالفات. جزء من المشكلة القيود والتحديدات التي تفرضها اللائحة الداخلية. الجزء الآخر هو ان المجلس يتعامل مع حالات الفساد بشكل تجزيئي وانتقائي بما يتوافق مع علاقته بالسلطة والحكومة. فهو يختار حالات منفردة مثل استجواب وزير أو تقديم سؤال.

 التعامل مع الفساد ينبغي ان يكون جزءا من عملية أكبر تنطلق من ايمان السلطة التنفيذية قبل التشريعية بمتطلبات التنمية المستدامة الحقيقية. هذه فرصة للحكومة ومجلس النواب لتدبر ما دار من نقاشات في ردهات مؤتمر التنمية المستدامة لمعرفة متطلبات التنمية التي تحتاجها البحرين والتي من خلالها يمكن ان نبدأ في محاربة الفساد والمخالفات والهدر وسوء الادارة.

 لذلك فإنه ليس من الانصاف تحميل مجلس النواب المسئولية الكاملة عن استمرار الفساد وتكرار المخالفات. فحتى لو حاول المجلس إيجاد المؤسسات المطلوبة وتصليح وضعه الداخلي فإنه لن يتمكن من إحداث تحسن يذكر ما لم تتوافر الإرادة السياسية في الدولة لمعالجة المشكلة التي بدأت تنخر في المجتمع وخصوصا في التقشف المحتمل بسبب تدني أسعار النفط وعدم وجود البدائل. الدول التي نجحت في التغلب على آفة الفساد تمتعت بإرادة سياسية لدحره ومنها سنغافورة وهونج كونج والدول الاسكندنافية وغيرها.

 هذه الدول التي توفرت لديها الإرادة السياسة، تعاملت مع الفساد بوضع منظومة متكاملة على مستوى الدولة تجعل حدوثه صعبا والعلم به أسهل والمحاسبة عليه مضمونة النتائج وتمنح المجتمع القدرة على جمع الأدلة ضده من خلال مؤسسات مجتمعية قادرة على العمل مع المؤسسات الرسمية للحد من الفساد والمخالفات وإهدار المال العام وأوجدت علاقة متوازنة بين السلطات لا تطغى إحداها على الاخرى. 

 متى ما توفرت الإرادة السياسية فإن المجتمع يمكن ان يستفيد من انشاء مؤسسات مستقلة منفصلة عن السلطة التنفيذية لتكون قادرة على المحاسبة كما فعلت الدول الاخرى. 

 أول هذه المؤسسات وجود هيئة لمكافحة الفساد تابعة لمجلس النواب وتتمتع بسلطات واسعة تشمل القدرة على التحري والاستقصاء وجمع الأدلة وحق الإحالة إلى النيابة والمطالبة بالتحقيق ومتابعة نتائجه والعمل على سد الثغرات بصفة مستمرة. تم تقديم هذا المقترح سابقا لكن المجلس فشل في تمريره. 

 المؤسسة الثانية التي يحتاجها المجلس لمساعدته في التصدي هي الصحافة الحرة المستقلة القادرة على المساهمة في التحري والاستقصاء وطرح الأسئلة التي تخلق الشك كما في الأردن سابقا. المؤسسة الثالثة هي تقوية منظمات المجتمع المدني المختصة مثل جمعيات الشفافية وحقوق الانسان والسلطة الدينية مثل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. في الوقت الحالي هذه المؤسسات ضعيفة لا تستطيع جمع المعلومات أو التصدي للقضايا لعدم وجود التشريعات الداعمة لها. من المهم ان تعمل هذه الجهات بمهنية بعيدة عن التسييس والانخراط في العمل السياسي لتتمكن من تعزيز مصداقيتها. الأداة الرابعة هي قانون تجريم المال السياسي وهذا يشمل جميع أنواع العطايا والهبات المادية والعينية وإغراء النواب وغيرهم بالمناصب والإصرار على تطبيق أوسع لقانون الذمة المالية. المؤسسة الخامسة هي مراجعة العلاقة بين القضاء والسلطات التنفيذية والتشريعية وتأكيد الفصل بين السلطات لإعطاء القضاء استقلالية أكثر بما في ذلك أجهزة النيابة. 

 إيجاد مثل هذه المؤسسات هو بمثابة تسوية الساحة السياسية ووضع الأسس التي تمكن اللاعبين من التنافس. في الوقت الحالي فإن الأرض التي يلعب عليها مجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع ليست مستوية وتميل بشدة إلى صالح السلطة التنفيذية مما يجعل المساءلة صعبة.

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *