نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ازمة ضعف الدول العربية هي الصراع السياسي الداخلي على السلطة والثروة وازمة الصراع المذهبي ومعالجة ذلك يحتاج الى البحث في تاريخها وتراثها الفكري والديني وتنقيحه من التاثير السياسي المدمر والخروج بمرجعية ثقافية مؤصلة نظريا وفلسفيا.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1104727

يحل على الأمة العربية عام جديد قد لا يختلف كثيرا عن الأعوام التي سبقت من حيث علاقة دولنا مع العالم الخارجي وعلاقتها مع شعوبها وعلاقتها مع الموارد والثروات الوطنية. فقد سادت انماط من العلاقات حددت مكانة أوطاننا في العالم وللأسف هذه المكانة تعاني الكثير من التدني والتهميش حتى في مناقشة القضايا المصيرية وفي اتخاذ قرارات تخصها وتؤثر على امنها ومستقبلها، وليس اقتصار الحوار حول مستقبل سوريا بين دول غير عربية، وقرار الرئيس ترامب نقل السفارة إلى القدس سوى نماذج من هذه القرارات التي تجسد الضعف العربي. سؤال يطرحه الكثيرون: ماذا جرى لنا في الوطن العربي، ولماذا تتجرأ الدول علينا؟

لبدء النقاش نطرح تساؤلا: هل فعلا هناك تآمر على دولنا أم أن التآمر هو وهم خلقناه لتبرير فشلنا؟ وهل تأخرنا هو بسبب التآمر أم أن التآمر هو نتيجة ضعف وفشل الدولة العربية الوطنية واعتلال علاقتها بالمجتمع؟ وهل ما يحدث هو نتاج العقود القليلة الماضية منذ ظهور النفط أم ان المشكلة تتجاوز هذه الفترة؟ ولماذا تنجح المؤامرات في دولنا وتفشل مثلا في دول اخرى؟

يضع البعض بداية التآمر والضعف منذ غزو الكويت، وآخر يعتبر البداية غزو العراق الذي اطلق الصراع الطائفي، وآخرون يعتبرون الربيع العربي هو بداية تدمير الدولة القومية العربية. لكن هل فعلا ان الصراع الطائفي بدأ بغزو العراق أم ان الصراع له اساس تاريخي في تراثنا العربي الإسلامي؟ وهل الربيع العربي هو نتاج مؤامرة أم ان البذور كانت موجودة تختمر في مجتمعاتنا إلى ان انفجرت في 2011؟

يعزو البعض سبب الضعف العربي إلى عدم وجود استراتيجية عربية واضحة لما تريد تحقيقه في المنطقة العربية، أو حتى غياب رؤى قطرية تضع المصالح القطرية والعربية في مقدمة اهتماماتها. هذا في حد ذاته يطرح سؤالا حول ما هي المصالح العربية التي تسعى لها الدول العربية أو مصالح كل قطر على حدة؟ وهل هذه المصالح متوافقة بين الدول العربية، وهل هي متوافقة مع مصالح الشعوب أم متعارضة معها؟ والى اي حد تتأثر هذه المصالح بآيديولوجيات النخب الحاكمة؟

هذا الرأي يرى ان عدم وجود استراتيجية هو بسبب ضعف الدولة الوطنية وغياب القيادة العربية المؤهلة والمتماسكة لقيادة الامة سواء كانت شخصا أو مؤسسة أو دولة! أولا ان وجود استراتيجية يحتاج إلى توجه وغاية ومنهجية لتحديدها. فما هي الغاية التي تسعى اليها الدولة الوطنية، ومن يحددها؟ وهل القيادة تأتي قبل تبلور الغايات والتوجهات أم انها نتيجة لوجود توجه مجتمعي يخلق القيادات؟ ثانيا ما هي اسباب ضعف الدولة الوطنية؟ هل هو بسبب قلة الموارد، أم التفريط فيها، أم ضعف الارادة السياسية للدولة الواحدة؟ أم ضعف الارادة الجماعية العربية؟ ثالثا في وقت سابق كانت هناك قيادات سرعان ما تفتتت، فما هو الضمان لعدم التفتت في المستقبل؟ وهل الدول الاخرى ستقبل بقيادة من قبل دول معينة دون ان يكون هناك غاية عليا تؤطر الاهداف والرؤى والاستراتيجية التي تجمع عليها الدول العربية أو على الاقل يتبناها الغالبية منهم؟

على مدى قرنين من الزمن حاولت الدول العربية ان تخرج من حالة التخلف. تاريخ النهضة العربية منذ نهايات القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين إلى اليوم لم ينتج عنه ما يؤسس لنهضة عربية أو نهضة قطرية. وبدأت مرحلة اخرى من الانحطاط مع بداية التحرر من الاستعمار وصعود انظمة عسكرية دكتاتورية وكأن الوطن العربي عصي على التطور الديمقراطي. الثورات العربية في الربيع العربي هي نتاج هذه الدكتاتوريات والانظمة المتسلطة. لا تنفرد الدول العربية بهذا الضعف ولكن ما نراه اليوم في إيران هو شبيه بأزمة الدول العربية في رفض مشاركة الشعوب في القرار السياسي والمشاركة في ادارة الثروة الوطنية ورفض تبديدها على مغامرات خارجية أو شراء ولاءات داخلية وخارجية.

فلو نظرنا إلى المجتمعات الأوروبية أو الاسيوية ومجتمعات اخرى استطاعت ان تعالج التخلف والعجز نجد ان العامل المشترك بينها هي تحقيق ثلاثة امور: بناء دولة قوية تستطيع ان تفرض القانون على الجميع بما فيهم القيادة السياسية، وثانيا حكم القانون الذي يمثل الشعوب من خلال برلمانات فاعلة، وثالثا سلطات تنفيذية خاضعة للمساءلة السياسية من قبل المؤسسات المجتمعية متمثلة في مجالس تشريعية فاعلة وصحافة حرة ومجتمع حيوي منظم.

ان تقوية الدولة العربية يحتاج إلى تقوية المجتمعات العربية، فهل الانظمة على استعداد لتقديم تنازلات لتقوية المجتمعات؟ وهل المجتمعات منظمة (او يسمح لها بالتنظيم) بما يكفي للدفاع عن مصالحها؟ وهل هناك اجماع على اهمية العروبة بين قيادات الدول العربية؟ باختصار نحن امام صراعات داخلية في دولنا العربية تحتاج إلى معالجة قد لا تتمكن تحالفات عربية من حلها. اما الانقسام في المجتمعات وهو ما يضعفها فهو نتيجة لفشل الدولة وإدارتها في تكريس  العدالة بين مكوناتها.

هناك قضيتان تلخصان الازمة العربية. القضية الاولى هي الصراع السياسي على السلطة والثروة، والقضية الثانية هي الصراع الطائفي المذهبي، والقضيتان يشتركان في اصولهما الثقافية. فالصراع السياسي يستغل ويغذي الخلافات المذهبية، والصراع المذهبي يؤجج الصراع السياسي. هذا الصراع يُدخل الامة في دائرة مغلقة يصعب كسرها كون المستفيدين من استمراره هم القوى المسيطرة على المجتمعات.

لذلك فإن مناقشة معضلة ضعف الدولة العربية تتطلب البحث ليس فقط في حاضرها ولكن في تاريخها وتاريخ تكوينها وفي تراثها الفكري والديني وتأثير هذا التاريخ والتراث في تكوين الدولة العربية المعاصرة وأنظمتها السياسية وعلاقاتها مع شعوبها ومع الخارج وكيف تتعامل مع الحداثة ومع التنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *