نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. سوق العمل في يوم العمال

  تاريخ الكتابة :23  يوليو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال لم ينشر

في يوم العمال الذي يفترض ان يكون فرصة احتفالية للعمال، طالعتنا بعض الصحف المحلية بعناوين صادمة مثل خلق الاقتصاد البحريني 25 الف فرصة عمل خلال عام 2015، ذهب 22 الف منها الى الاجانب ونصيب البحرينيين لم يتجاوز 3600. اي ان نصيب البحرينيين كان 14% فقط من مجمل فرص العمل التي خلقها اقتصادنا. ويتوجب علينا طرح السؤال الملح: لماذا لا يستطيع الاقتصاد خلق فرص عمل اكثر للبحرينيين؟ او لماذا لا يُقبل البحرينيين على الفرص المتاحة؟ يحدث ذلك في حين تصل البطالة في البحرين وفق ارقام وزارة العمل 4%، ووفق بعض التقارير تتجاوز هذا الرقم بكثير، بينما البطالة بين الشباب (والتي لا تذكرها وزارة العمل) تصل كمتوسط لدول مجلس التعاون الى 25%. يحدث ذلك بعد جهد كبير ورؤية اقتصادية 2030 تشمل اصلاح سوق العمل، وهيئة تنظيم سوق العمل، ورفع تكلفة العمالة الوافدة، وفرض نسبة بحرنة على المؤسسات. فلماذا لم تجدي هذه السياسات والمؤسسات في معالجة الوضع؟

في تقرير سابق، فان هذا الوضع لا تنفرد به البحرين بل انه يعم دول مجلس التعاون. فمثلا نسبة العمالة الوطنية في الامارات لاتتجاوز 1% والسعودية 18% وباقي الدول تقع بين هذين الحدين، والبحرين 16%. اما مستوى الرواتب في القطاع الخاص فان 64% منها تقل عن 200 دينار. 

في ضوء هذه الارقام يطالعنا وزير العمل بالقول ان الاقتصاد الوطني بقوة ومتانة تمكنه من توليد فرص عمل لائقة للمواطنين. والقيادات والمسئولين لا تفوتهم فرصة الا ويؤكدون ان الاقتصاد بخير وان التنمية في البلاد مستمرة. كيف يمكن ان نصالح بين هذه الارقام والتصريحات. وهل المسئولين لا يدركون مخاطر ما تمر به البحرين والمنطقة من انحسار في ايرادات النفط وتزايد العمالة الاجنبية وارتهان الاقتصاد الى الخدمات البسيطة والنفط. 

اصبحت الحكومة اليوم تتحدث عن خفض مزايا التقاعد بعد ان خفضت الدعم ورفعت اسعار بعض السلع. والحديث عن الضرائب يدور في اروقة وزارات المالية. وبموجب بعض الدراسات فان متوسط زيادة الرواتب في البحرين خلال العشر سنوات الماضية قد تراجعت بالرغم من زيادة تكاليف المعيشة. كل ذلك ستكون له انعكاسات على مستوى معيشة المواطن وبالتالي على الاستقرار والامن.

بعد الازمة الحالية في اسعار النفط يبدو من حديث المختصين انه من غير المحتمل ان تصل الاسعار الى 100 دولار، وقد تنخفض تدريجيا مع انخفاظ كلفة استخراجه في الدول الاخرى نتيجة تطورات تكنولوجيا السيارات الكهربائية. فمثلا هناك توجه نحو السيارات ذات القيادة الذاتية والتي توفر 7% من استهلاك الوقود، وهناك السيارات المختلطة (بترول+ كهرباء) وهذه توفر نسبة تفوق 15% من استهلاك الوقود، واخيرا هناك تزايد في استخدام السيارات الكهربائية بعد ان تعدت قدرتها قطع مسافات تزيد على 300 كيلو متر. في هذه الاحوال ماهي خطط مجلس التعاون لمواجهة هذه التطورات؟

منذ عقدين من الزمن ودول الخليج تتعامل مع القضية على انها اصلاح سوق العمل ونقص في جذب رأس المال الاجنبي وتحسين مخرجات التعليم. نتيجة خطط اصلاح سوق العمل ارتفع عدد العمالة الاجنبية في البلاد من 242 الف في عام 2004 الى ما يزيد على 472 الف في 2015 فقط في القطاع الخاص ناهيك عن القطاع العام وخدم المنازل. اما جذب رأس المال الاجنبي فان كثير من الشركات الاجنبية تخلق فرص عمل للاجانب وتفاقم من مشكلة تحويل الاموال الى الخارج سواء من خلال تحويل ارباحها او تحويلات عمالها. 

المحصلة هي ان تكاثر العمالة الاجنبية في البلد تخلق فرص عمل اضافية لعمالة اجنبية مثلها. فمثلا اقامة شركات اجنبية تجلب عمال اجانب، هؤلاء العمال يحتاجو الى بناء مساكن يسنخدم فيه عمال اجانب، يحتاجون تحويل اموال الى الخارج يعمل فيه اجانب، يحتاجون الى مطاعم يعمل فيها اجانب، يحتاجون الى نقل ومواصلات يعمل فيها اجانب يحتاجون الى عيادات الى اخره. وهذه الزيادة في العمالة الاجنبية تخلق سوق لمزيد من العمالة الاجنبية وهكذا اصبحنا في دائرة حلزونية (Upward spiral) تغذي نفسها لتخدم الاجانب. 

الفئة المستفيد من الدائرة المغلقة هذه هي قطاع العقار. هذه الفئة تتعامل في توفير السكن للاجانب وتؤجر المحلات لخدمتهم وتؤجر الفنادق لضيوفهم واجتماعتهم. اي ان الاقتصاد يقوم بدرجة اولى على سوق العقار. والمستفيد الاول من سوق العقار هم ملاك الاراضي الكبيرة، واغلبهم يحصلون على الاراضي هبات يقسمونها ويبيعونها على عقاريين اصغر منهم. هذه الحركة العقارية توحي بنشاط تجاري واقتصادي ومالي يجعل المسؤولين يكررون القول “ان الاقتصاد مازال بخير”. اي ان مصالح هذه الطبقة محمية من خلال النظام الاقتصادي القائم.

الخطر الذي يمثله هذا الوضع ليس فقط فقدان الامل بالنسبة للبحريني في الحصول على وظيفة، لان سوق العمل مجير لخدمة قطاع الانشاء ويوفر فرص عمل لعمالة غير ماهرة ورخيصة لا يقبل عليها البحريني، وليس تدني انتاجية عوامل الانتاج بنسبة 2.4 في الفترة من 2000-2012 نتيجة استخدام عمالة رخيصة. ان الخطر الاكبر هو تحويل الاموال الى الخارج والذي يعتبر استنزاف لا يمكن استدامته، وخطر يفوق خطر عجز الميزانية.

هذا يؤكد الحاجة الى اعادة هيكلة الاقتصاد وخلق صناعات استراتيجية بمبادرات حكومية وليس القطاع الخاص. تاكيدا لذلك نجد ان الشركات التي توظف بحرينين بنسب كبيرة هي الشركات الكبيرة التي انشأتها الحكومة في السبعينات وحولتها الى قطاع خاص. هذه التجربة تحتاج الى دراسة لاعادة موائمتها مع متطلبات اليوم بعد ان تم تحديد القطاعات الاقتصادية.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *