- شتدي ازمة تنفرجي .. قد آذن ليلك بالبلج
تاريخ النشر :5 ديسمبر 2011 طباعة 19
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
هل هو توارد افكار مع الشيخ صلاح الجودر الذي نشر مقالا بالعنوان نفسه؟ ام انه الهم المشترك الذي اصبح يؤرق كل من يحاول التصدي لمشكلة اصبحت مستعصية ومتجذرة ومعقدة حتى اصبح الخلاص هو ان تشتد الى درجة الغليان وتنفجر لعلها تتمخض عن اوضاع اخرى اقل خطورة؟ ام ان ترك الامور الى ان تصل الى هذا الحد في بلد صغير كالبحرين يهدد بحدوث كارثة مجتمعية واحتراب اهلي ستكون كلفته باهضة ونتائجه وخيمة على المجتمع والمواطن.
اشتداد الازمة هو بمثاربة السفينة التي تحترق، يقفز عنها البحارة. ليس لان البحر يمثل مصيرا افضل، فقد تكون الوفاة هي النتيجة في الحالتين غرقا او حرقا، غير ان القفز يؤجل هذا المصير ويمنح احتمال النجاة مهما يكن ضئيلا. الاصل النظري لذلك هو ان التغيير لايحدث الا اذا شعر الانسان بان الوضع الحالي لا يمكن قبوله او تحمل كلفة استمراره. عندها يبحث الانسان عن البدائل، فاذا توافر البديل ووسيلة الانتقال اليه فان التغيير يصبح ليس فقط ممكنا بل حتميا، وهذا ما يحدث في الوطن العربي من فقدان للامل في الوضع الحالي واخذت الناس تقفز من السفينة التي تحترق على امل النجاة، والى حد الان نجت تونس ونحن في انتظار مصر.
الحمد لله لم يصل وضعنا الى حد السفينة التي تحترق ولم يبلغ الياس بالناس الى درجة القفز الى المجهول. كما ان العاملين على تقريب وجهات لنظر والاهتمام بقضية اللحمة الوطنية وايجاد مخارج هم كثر وتهمهم النتيجة التي تعيد للمجتمع توازنه وفي الوقت نفسه تمنح الامل في مستقبل افضل من خلال اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية. هذه الفئة هي غالبية كبيرة ولكن صوتها الى حد الان غير مسموع بسبب اصرار البعض على التصعيد والتهييج وانتهاز فرص المناسبات.
نقول لكل من امتهن التاجيج والمناكفة والتصعيد: من هو المستفيد لو حدثت حالة وفاة بسبب هذه المصادمات التي تقودها؟ ماذا ستكون النتيجة؟ عندها قد نقول بحق ان السفينة تحترق. نسأل هؤلاء: من المستفيد من استمرار حالة الانقسام والتمترس الطائفي؟ كلما ادركنا ان مستقبلها مشترك وان الحياة الحرة الكريمة هي مطلب لكل انسان ايقنا ان بلوغها ليس بالاحتراب بل بالتكاتف والحفاظ على اللحمة الوطنية.
في مقال سابق بينا اهمية الفرصة التاريخية التي يتيحها التقرير (تقرير بسيوني) لمعالجة الوضع المتازم. لكن انتهاز هذه الفرصة بحاجة الى عقلية مختلفة عن تلك التي اسهمت في الوصول الى هذا الوضع. التقرير يمنح فرصة للحل ولكنه ليس الحل وليس بديلا عن الاصلاح والتغيير حتى لو تم تنفيذ جميع توصياته. الحل يكمن في ادراكنا خطورة الانقسام الطائفي والعمل على تقوية التيار العقلاني . الحل يكمن في الاقرارا بالاخطاء والتراجع عن المواقف المتصلبة. الحل يكمن في البدء من جديد بمسيرة اصلاحية اخرى.
الحل يحتاج الى عقلية تنظر الى الصورة الكلية للبحرين وغاية المجتمع في الحرية والعيش الكريم في دولة مدنية ديمقراطية ووضع التغييرات التي تحقق ذلك. الحل يكمن في الاستعداد لدفع ثمن المصالحة الوطنية والمضي في طريق الاصلاح بجرأة المشروع الاصلاحي الاول نفسها.
لذلك علينا ان نجد ارضية مشتركة في التقرير يمكن التركيز فيها للوصول الى بدايات الحل وتمهيد الارضية المناسبة. قد يكون افضل مكان للبدء هو التوصيات التي وجدنا فيها تأسيسا لمبادئ مهمة لا نجهلها ولكننا لا نعمل بها. نجد مثلا ان التوصية رقم (1717) تؤسس لمبدأ فصل المسئولية التنفيذية عن الراقابية، فتوصي باستقلال جهاز المفتش العام عن وزارة الداخلية، عن هيكل الوزراة لكن ذلك لا يكفي، علينا ان نتساءل بمن سيرتبط هذا الجهاز؟ ومن يحاسب هذا الجهاز فيما لو تقاعس في تادية عمله؟ وما دور المجلس النيابي في هذه المساءلة؟ وتأكيدا على مبدأ الفصل يوصي التقرير (1718) بانشاء كيان مماثل في لجهاز الامن الوطني مع تعديل اختصاصاته لكي لا يكون سلطة رقابية وتنفيذية.
التوصية رقم (1716) تتحدث عن مبدأ المساءلة والمحاسبة من خلال وضع الية مستقلة ومحايدة لمحاسبة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا اعمالا مخالفة للقانون” هذه التوصية تؤكد اهمية المساءلة على جميع المستويات التنفيذية والهيئات المستقلة، ومن دونها من الصعب ان يستقيم الوضع او تسود النزاهة وينحسر الفساد وغيره من الامراض المجتمعية الناتجة عن تدني المشاركة السياسية. فشبكة المساءلة تنتهي بالمسائلة الشعبية في الصحافة والاعلام ومجلس النواب. مع قدرة النائب العام على تحريك قضايا جنائية من قبل نيابة مستقلة كما في التوصية رقم (1719) وقضاء مستقل يكون حماية اخيرة لحقوق الانسان وكرامته.
ونختم بالتوصية رقم (1724) المتعلقة بدور الاعلام في نشر قيم التسامح ورفض التحريض. ونرى الا تقتصر هذه على الاعلام فقط بل يجب ان تشمل جميع المنابر والمؤسسات التي تمارس او تدعو الى الكراهية او التحريض او التمييز باشكاله المختلفة. هذا يحتاج الى تحرير الاعلام وجعله اداة كما يتطلب سن قانون يجرم الدعوة الى الكراهية او التحرض الطائفي وتنفيذ التوصية رقم (1725) التي تدعو الى ضرورة اعداد برنامج المصالحة الوطنية. والاهم من كل ذلك ان نتمسك بروح التقرير التصالحية والمرونة المطلوبة للمشاركة في جهود تنفيذ توصياته والا تتوقف جهود المعتدلين في المجتمع عن محاولة التصدي لدعوات المواجهة والتصعيد.