نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. شجاعة الساسة في تقديم مبادرة

تاريخ النشر :3 اكتوبر  2011 صورة طباعة 13

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ان الوضع الذي نتج في البحرين بعد احداث فبراير ينبئ بكارثة مجتمعية حقيقية ظاهرها هذا الانشطار وباطنها عدم الثقة التي تغلغلت في المجتمع. ويرجع الكثير من المحللين هذا الوضع الى اربعة عوامل هي العامل السياسي ، العامل الاقتصادي، العامل الطائفي المذهبي، العامل الاقليمي. لكن طبيعة الامو وعلم النظم يقولان انه لا بد من نقطة بداية للمشاكل تتعقد بعدها القضية وتتشعب الاسباب والدوافع. وبداية ازمتنا هي البعد السياسي.

نستدل على ذلك من السياق التاريخي للاحداث منذ السبعينيات الى اليوم، وكيف ان التازيم ينحسر ويتلاشى عندما يلوح في الافق حل سياسي كما حدث في السبعينيات عندما كان ينجح مرشح سني في دائرة شيعية والعكس. وكذلك عندما بدأ المشروع الاصلاحي في 2001 فتحول التازيم الى تلاحم بين القيادة والمجتمع.

هذا الوضع الكارثي نجد – وللاسف – من يقتات على استمرار جذوته بل المساهمة في اشعالها، فالصحافة وبعض الصحفيين لا ينفكون ينفخون لاشعال النار لكي يستمر التاجيج وتبادل التهم والصدامات. كما ان بعض السياسيين مازال يرى ان التصعيد في التازيم والمحافظة على الوهج سوف يكسبانه مراده. نقول للاطراف المعنية: ان البحرين لا تستحمل هذا السلوك، وان القاء اللوم على الطرف الاخر لن يؤدي الى ايجاد حل، فالكل يجب ان يقر باخطائه.

ان التقدم بمبادرة لحل الازمة يتطلب ان ياتي من جمعية سياسية تتمتع بعقلية منفتحة تحاول ان تقرب بين مختلف المصالح المادية والمواقف الفكرية وتتعامل مع المخاوف والشكوك والتوجسات التي نشأت، فلا يمكن تجاهل ذلك في الوقت الحاضر، كما عليها ان تلتزم بمبادئ انسانية واسلامية في العدالة والانصاف للخصم قبل النفس ، وان تكون لديها القدرة على التفكير بعقلية الاخر ووضع النفس في موقعه لفهم مواقفه ومخاوفه.

واخيرا عليها النظر بموضوعية الى ما يطرح من حلول وتقييم ومدى الاستفادة منها وطنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومردودها على الحياة المعيشية للفرد والمجتمع من دون تمييز.

ما يحول دون ايجاد الحلول هو ما تعانيه قيادات المجتمع من عدم القدرة على قيادة الشارع البحريني المنقسم والمؤجج عاطفيا، ففي الوقت الذي يتطلب الوضع مواقف قيادية نجد القيادات تنقاد لعواطف الشارع وعدم مصارحة “انصارها” بضرورة البحث عن حل لصالح الجميع. ان من واجب السياسي في مثل هذه الظروف ان يقود المجتمع ويقدم الحلول التي يومن بها، كما ان من واجبه ان يقنع اتباعه بسلامتها وجدواها على المدى البعيد لا ان يستسلم لعواطفهم.

يتطلب الوضع ان تتقدم جمعية سياسية، بمبادرة تستطيع ان تقنع بها اتباعها اولا والشارع ثانيا ليس بدغدغة العواطف بل بتناول الوضع باساليب مختلفة تخاطب به مختلف التوجهات الفكرية والمصالح والمستويات الثقافية. فهناك مدخل سياسي للحل يمكن ان يخاطلب به البعض وهناك مدخل اقتصادي، واخر امني، ورابع ديني قيمي. واي طريق تنتهج سوف يقودها الى الحل السياسي واهميته ومركزيته. 

اما التفاسير المذهبية ومحاولة قراءة النوايا وتاويل كل ما يحدث بمنظار احادي العدسات ومسايرة عواطف الشارع ، فهذه العقلية لا يمكن ان تصل الى حل.

فمثلا لو اقتصرنا المشكلة في المطالبة بتحسين مستوى المعيشة كما يرى البعض، فسرعان ما ندرك ان هذا غير ممكن ما لم نحقق اولا : الامن والاستقرار، وثانيا: المحافظة على المال العام من الفساد، وثالثا: رفع قدرتنا التنافسية وتحسين انتاجيتنا وتعظيم امكاناتنا الابتكارية، والثلاثة الحالات تتطلب اصلاحات سياسية تسمح للمواطن:

اولا : المشاركة في اتخاذ قرار في كيفية توجيه الاستثمار لكي لا يجير لمصلحة فئة او مجموعة. 

ثانيا ان يكون له رأي في كيفية توزيع ثمار التنمية وحصوله على نصيبه من الثروة لكي لا تستاثر بها مجموعات مصالح ، ومن دون اصلاحات سياسية تسمح بالمشاركة في القرار وفي المسئولية سوف تعود حالة عدم الاستقرار، اي اننا رجعنا الى ان المشكلة سياسية بالدرجة الاولى. وسنصل الى هذه النتيجة لو بدأنا بمعالجة الاستقرار او بدأنا بمعالجة الطائفية التي تغلبت عليها مجتمعات كثيرة من خلال المواطنة وسيادة القانون.

اما البعد الاقليمي فان المكاسب التي سيحققها المجتمع البحريني كفيلة بان تضع حدا لتاثير اي تدخلات كما ان التيار التحرري الذي يجتاح المنطقة سوف يصل الى الجانب الشرقي من الخليج عاجلا ام اجلا ويغير الوضع في صالح الديمقراطية.

هذا يقودنا الى الاستنتاج انه لا مناص من تقديم مبادرة سياسية تعطي كل ذي حق حقه وتفسح المجال للمجتمع بان يتعامل مع القضايا المختلفة بكل شفافية ومكاشفة مع وجود ضمانات لاحتواء المخاوف تتمثل في تدرج مجدول يحقق الوصول الى النظام الديمقراطي الذي نرتضيه. وتلخصيا لذلك نقول ان المبادرة يجب ان :

  1. تعالج المشاكل بشكل مباشر (سياسيا) مع طرحها باساليب مختلفة تناسب مختلف التوجهات.
  2. تحقق توازنا بين مختلف المصالح المجتمعية.
  3. تطلب تنازلات من الاطراف المعنية.
  4. خطوات مرحلية تمنح فترة بناء ثقة بين اطياف المجتمع.

وفق كل ذلك لا بد من الاهتمام في كل ما تقدم بحفظ كرامة الانسان وكفالة حقوقه وتطبيق مبدأ العدالة للجميع. والايمان الراسخ بان التقدم والرخاء والاستقرار لن يتحقق من دون تقوية المجتمع بوحدته من خلال اشاعة العدالة، فيا جميعات سياسية مازلنا بانتظار مبادرتكم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *