بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠٣ اغسطس ٢٠٢٢
مقال الاسبوع – الشراكة بين مصر والارد والامارات والبحرين خطوة مهمة لتحسين التكامل بين الدول العربية لكنها غير كافية. هناك شح معلومات تعيق الدراسات الحصيفة والقرارات السليمة وهناك صعوبة مواصلات برية ترفع كلفة التبادل وهناك هيمنة نفطية على الاقتصاد، وغياب المجتمعات عن القرار.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1304233
شهدت العاصمة المصرية في 25 يوليو 2022 الاجتماع الثاني للجنة العليا للشراكة الصناعية التكاملية بين كل من مصر والاردن والامارات. وفي لقاء برعاية وزير الصناعة وحضور رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين قدم الوكيل المساعد لتنمية الصناعة ايجازا حول مبادرة انضمام البحرين لهذه الشراكة الجديدة لتمكين القطاعات الصناعية في الدول الاربع. تم تشكيل لجنة عليا من الدول الاربع لدراسة 87 مشروعا، تم اعتماد 12 منها لمرحلة دراسة الجدوى تركزت في الزراعة والاغذية والادوية، باستثمار مبدئي 3.4 مليار دولار. واعلن وزير الصناعة الاماراتي التزام الامارات باستثمار 10 مليار دولار من خلال الصندوق الاستثماري الذي تديره شركة “القابضة ADQ ” للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة. على المستوى الاستراتيجية، تسعى الشراكة الى «تطوير القطاع الصناعي في الدول المشاركة ليؤدي إلى تمكين التنمية الصناعية، وتنويع الاقتصاد، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي.
استهدفت الشراكة خمس مجالات واعدة تشمل الزراعة والاغذية والاسمدة، الادوية، المنسوجات، المعادن، والبتروكيماويات. ومع ان بعض التصريحات ربطت بين هذه الشراكة وبين جائحة كورونا وحرب اوكرانيا، الا ان الارجح ان الإعداد لهذه الشراكة لا بد وان يكون سابقا لذلك، وهذه الاحداث قد سرعت في الاعلان. تدعو الدول الاربع القطاع الخاص للمشاركة والاندماج في هذا التكامل وتشجيع نمو القطاع الصناعي. ووفق وزير الصناعة الاماراتي فان العمل جار على تشكيل لجان التنفيذ.
تسعى الشراكة الرباعية الى تعزيز التكامل الصناعي مع الدول العربية وبناء قاعدة اقتصادية تقوم على الصناعة، في إطار منظومة صناعية تكاملية توفر فرصاً واعدة للأجيال القادمة، وترفع مستوى الصادرات الصناعية كعنصر في تنويع الاقتصاد، وتطوير قطاعات صناعية قادرة على المنافسة. وترمي الى تحقيق 5 اهداف تتمثل في: تطوير صناعات تنافسية ذات مستوى عالمي؛ تحقيق سلاسل توريد آمنة ومرنة؛ تحفيز النمو القائم على الاستدامة؛ دعم نمو وتكامل سلاسل القيمة والتجارة بين الدول الاربع؛ وتعزيز قطاعات التصنيع ذات القيمة المضافة.
تبرز اهمية هذا التكامل اذا علمنا ان التبادل التجاري العربي متدني ويتركز في الصادرات النفطية. فمثلا في الفترة (2015-2021) كان متوسط الصادرات العربية 5.2% من الصادرات العالمية، في حين سنغافورا لوحدها تمثل 2%. وان 78% من صادرات دول مجلس التعاون و50% من صادرات الدول العربية نفطية. هذا يستدعي تعزيز الاتفاقية باستراتيجية لتنويع الاقتصاد وما يتطلبه من تنمية بشرية وعلمية وفكرية ومؤسسية مستفيدة من توسيع السوق العربية وفتح مجالات اوسع للتبادل التجاري.
هذا الشراكة نحو توطين الصناعة، وان كانت متاخرا بعض الشيء، يمثل خطوة تستحق الاهتمام كركيزة لتحقيق التكامل الصناعي الذي تنتظره الشعوب العربية بكل حماس لخلق فرص عمل، وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي العربي وازالة العقبات بين الدول المشاركة ورفع مستوى التنويع الاقتصادي والمشاركة في تصنيع بعض الاجزاء المستخدمة في هذه الصناعات مما يرفع فرص الشراكة والاندماج على مستوى القطاع الخاص. كذلك لهذه الشراكة اهمية في خلق بيئة اكثر تعاونا وتوافقا واستفادة من تجارب البعض ومن العمالة المتوفرة في الدول العربية. كما تتطلع الشعوب لان يكون لمثل هذا التقارب تأثيرا ايجابيا على الامن الاقليمي والتقارب بين الدول العربية وتعزيز الثقة فيما بينها لما يعود بالرفاهية على شعوبها.
بالاضافة الى التنويع الاقتصادي هناك قضايا اخرى تؤثر في نجاح هذه المبادرة وتطوير التكامل بين الدول العربية بشكل عام. ففي دراســة استقصائية صــادرة عن مؤسسة “آي دي سـي” للأبحاث اتضح ان احدى معوقات التكامل شح البيانات والمعلومات، وترى الدراسة ان ذلك يشكل عقبة في اجراء الدراسات والتخطيط في المنطقة ووضوح الرؤية واعاقة القدرة على الاستجابة للفرص والتحديات الناشئة من السوق. فمثلا في احصائيات منظمة التجارة الدولية لم نجد بيانات للتبادل التجاري بين عدد من الدول العربية، سواء صادرات او واردات. كذلك وفق مؤسسة الابحاث، اتضح ان هناك شح في المهارات الرقمية والبحث العلمي في المنطقة تتطلب معالجة من خلال منظومات التعليم والتدريب والبحث العلمي.
قضية اخرى تحتاج الى معالجة جذرية هي المواصلات البرية بين العواصم الاربع بصفة خاصة وبين الدول العربية بشكل عام. تشدد خطابات الدول الاربع على تطوير سلاسل التوريد كخطوة في انجاح المبادرة، وهذا سوف يعتمد على وجود مواصلات برية كفوءة. شكلت المواصلات، الى حد الان، احد العوائق في تنمية التجارة البينية العربية، فمثلا، وفق منظمة التجارة الدولية، فان مجلس التعاون مسئول عن 80% من التبادل التجاري العربي. هذا يعود الى امرين الاول صعوبة المواصلات بين الدول العربية، وثانيا تشابه الاقتصادات العربية في منتجاتها مما يقلل التبادل التجاري بينها. وما لم تسارع الدول الاربع في ربط العواصم العربية بوسائل مواصلات تنافسية وتنويع اقتصادياتها فان نمو التجارة البينية سيواجه تحديات كبيرة.
وفق رئيس وزراء مصر فان الجائحة وحرب اوكرانيا يجعلان التكامل ضرورة بين الدول العربية. هذا يعني ان التكامل سوف يتطلب اعادة النظر في كثير من المكملات لانجاحه. نامل ان تتجاوز الشراكة هذه التحديات وغيرها وتعمل على توفير المعلومات لمنح فرص لدراسة التجارب والمشاريع التي ستُقبل عليها وتتيح الفرص للمجتمع للادلاء بدلوه في انجاح التكامل بينها، خصوصا ان المنطقة تشهد توسعا في نمو فئة الشباب التي تطالب بالانفتاح والمشاركة ومزيد من الخدمات الرقمية.