- شهر رمضان وروح التوافق الوطني
تاريخ النشر : الخميس ٩ أغسطس ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الاسبوع – خلال شهر رمضان وبركات الشهر الفضيل كثرت الزيارات بين المواطنين وكثر الحديث عن التوافق والحوار واللحمة الوطنية وكلها تمنيات مخلصة من مجتمع يريد ان يتجاوز ازمته. لكن ما نحن بصدده هو اكبر من زيارات في المجالس واكبر من تمنيات مواطنين مخلصين وقيادات تحاول التقريب. ما نريده هو الجرأة على ايجاد الحل السياسي – هو وحده الذي سيحقق اللحمة الوطنية اذا سمحنا له ان يقوم على اسس وطنية وعلى قاعدة حقوقية تحترم الانسان وكرامته وحقه في خيرات بلاده وحقه في المشاركة. علينا ان ندرك ان البحرين بلد متعدد المذاهب والاديان بالرغم من صغر حجمه وهذا يشكل تحدي علينا التعامل معه . علينا البحث عن العوامل المشتركة باخلاص ورغبة في تعميمها وليس البحث عن اخطاء الاخرين والتغافل عن اخطائنا.
هل يكون شهر رمضان بما فيه من بركات ان يؤثر في ازالة ما بالنفوس من احتقان ويقود إلى مراجعة الذات من قبل الجميع لتجاوز الآلام والاوجاع ورأب الصدع الذي اصاب المجتمع والبحث عن القواسم المشتركة والعمل على تعظيمها؟ هل تستحق البحرين قبول هذا التحدي من الجميع والنظر إلى المستقبل الذي لن يستطيع اي طرف ان يحققه من دون مشاركة الآخرين؟
هناك دعوات من عدة جهات موجهة إلى قيادات الجمعيات السياسية الى العمل على ايجاد مخرج من هذه الأزمة لصالح الوطن والمواطنين جميعا. إلى الان مازال العمل على مستوى الحديث ولم يتحول إلى مستوى العمل. هناك نقاشات تدور على مستوى الافراد وفي المجالس، كل يرى جانبا من الحقيقة ويعتبرها كاملة. كل يرى المشكلة من زاوية ويرفض ان ينزل إلى الزاوية الاخرى ليرى ما يراه غيره. ان المصالح متعددة ومختلفة حتى في الوطن الصغير وهذا امر طبيعي والحل السياسي هو توازن بين هذه المصالح والمخاوف وجهود لبناء الثقة.
كثر الحديث خلال هذه الفترة عن اللحمة الوطنية والدعوة إلى نبذ الطائفية، ولم يقتصر الحديث عن ذلك في البحرين بل في العالم العربي بأسره، الذي يعاني انواعا مختلفة من الصراعات داخل كل مجتمع. الصراعات هذه ليست حكرا على المجتمعات العربية ولكن في كثير من دول العالم، البعض حسم الصراعات من خلال صناديق الاقتراع والحوارات السياسية. بدأ هذا المسار في العالم العربي في كل من تونس ومصر والمغرب والاردن في حلقة جديدة من النهضة العربية.
في البحرين لم تبخل المجالس الرمضانية في المحاولة في تقريب فئات المجتمع. سعت شخصيات من القيادة السياسية والقيادات الاقتصادية والمواطنين الى زيارة المجالس المختلفة وطرح قضايا كثيرة، وقد يكون اهمها ان «قيم العيش المشترك تُعزز اللحمة الوطنية لأبناء الوطن»، وما علينا هنا الا نبحث عن هذه القيم التي تعزز العيش المشترك.
بحثنا عن قيم العيش المشترك ووجدناها متجسدة في عدة افكار طرحت في المجالس نفسها، الفكرة المحورية هنا هي ان اللحمة الوطنية مطلب مهم للتنمية والتقدم والاستقرار وان هناك قيما تعزز هذه اللحمة الوطنية فما هي؟ يرى مُطلِق هذا الرأي ان قيم العيش المشترك تزيد من العطاء والمحبة في وطن يحتضن الجميع، وترجمة هذه في نظرنا هي ان العيش المشترك هو الاشتراك في مغانم ومخاسر الوطن، الاشتراك في الفرص السانحة والفرص الضائعة، الاشتراك في السراء والضراء، هذه هي السلوكات التي تنمي اللحمة الوطنية وتصهر المجتمع في وحدة تتعالى على الانتماءات الوسيطة، وتتجاوز الحاجة الى التكتلات وتختصرها في مصالح طبقية ومهنية وفكرية، وتعالج التناقضات بين هذه الاختلافات من خلال الحوار والوسائل الديمقراطية المعروفة.
الفكرة الثانية التي استوقفتني في المجالس الرمضانية هي الرغبة الجامحة في اثبات ان كل طرف يقبل الطرف الاخر ولا يقبل التهميش او الظلم او التعالي على الآخر وبرز ذلك في العديد من حوارات المجالس. هذه فكرة كذلك جامعة تصب في بوتقة صهر المجتمع في وحدة انتاجية واحدة. من الجميل ان يقف الانسان عند حد معرفة رأي الآخر في قضية ما وتعريفه برأيه من دون ان يحاول اقناعه بالقسر بهذا الرأي او القبول به. هذا معنى القبول وليس المحاولة المستميتة في تخطئته واثبات بطلان معتقداته وقناعاته بالقوة وليس بالحجة والحوار والوقوف عند هذا الحد.
الفكرة الثالثة التي برزت في المجالس هي اهمية التنمية والاقتصاد والانتاج وعلاقته بالاستقرار والعدالة، وهذا يفرضه واقع المنافسة الشرسة بين الشعوب وبين المجتمعات المختلفة لكسب الاسواق وابتكار الجديد والابداع في استغلال الموارد الطبيعية والبشرية والمالية لبناء قيمة ومردود على المجتمع.
واخيرا فان من بركات شهر رمضان هي ان اللغة التي تصدر عن تصريحات المسئولين والقيادات في الجمعيات السياسية تغيرت واصبحت اكثر تقبلا للمشاركة المجتمعية واكثر تقاربا، واصبح الجميع يشعر بقرب امكانية الحل اذا ما تم تناول خطواته بحذر وادراك وجود مخاطر تحيط بكل خيار من الخيارات وكيفية تجنبها وتعظيم فرص التوافق والتقارب، وما نشر حول جلسة الاستماع في الكونجرس الامريكي يدفع في هذا الاتجاه.
رحلة البحث عن الحل الذي ينقل البحرين نحو البناء والتنمية والاستقرار حثيثة وهناك العديد من الفرسان في الساحة جميعهم يقرون بأن طريق التنمية هو الاستقرار وطريق الاستقرار هو العدالة الاجتماعية والمشاركة. فيقول سمو ولي العهد ان الرسالة واضحة هو «ايجاد حل يلتقي فيه الجميع بتوافق للانتقال بالوطن إلى ما يصبو اليه من تعاف من آثار الفترة الماضية وتحقيق المزيد من المكتسبات والتقدم تأسيسا على ما تحقق»، ويقول في مناسبة اخرى انه «لا انفراج مستدام لطرف من دون آخر الا بتغليب المصلحة الجماعية»، ويضيف في مجلس اخر «اننا متفائلون بعودة الامور إلى المسار الصحيح، وان البحرين مرت بالعديد من المنعطفات تخطتها عبر التوافق وايجاد المشتركات والنهج الوسطي للحفاظ على النسيج الاجتماعي».
هذا التفاؤل اجد ما يبرره في خطاب العديد من الجمعيات السياسية الذي نلمس فيه تغيرا نحو التوافق.
يأخذ تجمع الوحدة الوطنية هذا التفاؤل إلى مرتبة متقدمة ويقدم مشروعا يقوم على هذه النظرة الايجابية لعملية بناء الامة وبناء توازن بين مصالح المجتمع. ويحدد دور الحكومة في ثلاثة جوانب: الاول: التنمية البشرية المستدامة للمجتمع والفرد معا وتقديم فرص متساوية وعادلة للمواطن لتحقيق ذاته وابراز قدراته وجعلها تضيف إلى جهود التنمية، والدور الثاني: هو تقديم خدمات تتناسب مع موارد الدولة التي حافظت عليها من خلال الدور الاول وهو التنمية، والدور الثالث: هو توفير الامن والاستقرار المطلوبين لتحقيق التنمية يقومان على العدالة والحرية والمساواة. وسوف نتطرق إلى تفصيل ذلك في مقالات اخر.