نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. صراع الميزانية بين الحكومة والنواب والشورى

تاريخ النشر : 6 مارس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

قدمت الحكومة مشروع الميزانية الى البرلمان في نوفمبر وشملت مفاهيم واهداف كبيرة منها تنويع مصادر الدخل والانتقال الى اقتصاد قائم على الانتاج وقادر على المنافسة العالمية يتم بتعاون القطاع العام والخاص للمساهمة في تحقيق الرؤية الاقتصادية لعام 2030. تكونت الميزانية من ايرادات بلغت 1.8 في السنة الاولى و1.9 مليار في السنة الثانية بينما كانت الممصروفات في السنة الاولى 2 مليار والسنة الثانثة 2.1 مليار تقريبا وبلغ العجز في الميزانية 190 مليون في السنة الاولى و239 مليون في السنة الثانية. 

تقول المعلومات الاولية المرسلة من وزير المالية الى البرلمان ان أولويات الميزانية ترتبط باولويات الاستراتيجية الوطنية. وان اهم محاور الميزانية هي دعم خدمات الاسكان، وتطوير قطاعي التعليم والصحة وزيادة التمويل لهما للوصول الى المستويات العالمية، والاهتمام بالخدمات الاجتماعية ومساعدة الفئات المحتاجة. والمحور الثاني يتعلق بتقليص المصروفات المتكررة وجعلها متماشية مع الدول الاخرى، اي تصغير حجم الحكومة من خلال خصخصة خدماتها. وفي محورها الثالت تتناول الاقتصاد وتنمية البنية الاساسية التي خصصت لها 300 مليون دينار وتهيئة البيئة الملائمة لتشجيع الاستثمارات والتركيز على التدريب والتأهيل. هذه هي التمنيات التي برزت في الميزانية فماهو الواقع؟

حاولت اللجنة المالية الوقوف على جيمع ايرادات الميزانية واصدمت مع الحكومة في أكثر من جانب. اولا ان المجلس غير مقتنع بان جميع المعلومات متوفرة لديه ويشك في ان هناك ايرادات اخرى غير مدرجه في الميزانية، ويستدل بذلك على وجود مخصصات لميزانيات اخرى ويتساءل من اين اتت الايرادات لهذه المخصصات. وبالتالي فان اي تخصيص من هذه الميزانية هو موضع شك. ثانيا تطرق العديد من النواب الى النقص في مخصصات الصحة والتعليم والاسكان. فيوضح احدهم بان هناك نقص في التمريض وفي المراكز الصحية وعدد الاسرة و الطوارئ وخدمات الانعاش. كما ان التعليم لم يحصل على سوى 10% فقط من حاجاته. بلغ مجمل المصروفات على الصحة والتعليم معا 19% من المصروفات بينما تزداد ميزانية الدفاع والامن عن 25%. هل هذا يعني اننا نحتاج الى رؤية مختلفة لتحقيق الامن كما يقول الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبة الجمعة: “بدون العدل تهتز أركان الدول ويهوي بنيانها وتقسو الحياة فيها”  (اخبار الخليج 28-2-2009)

ان مطالبة البرلمان بزيادة مخصصات التعليم والصحة لا يتعارض مع توجهات واهداف الحكومة المنشورة والمصاحبة للميزانية ولكنه يصطدم بفرضية تستند عليها الحكومة وهي انها هي المسئولة عن الاقتصاد وبالتالي فان اي تغيير في الميزانية سوف يربك الخطة التي وضعتها لتنمية الاقتصاد. غير ان المجلس يرى ان هناك جهات اخرى تدفع لاقرار الميزانية كما هي دون تغيير. وان الحكومة لم تعد تمتلك الصلاحيات التي تمكنها من تحقيق اهداف الميزانية ولا تمتلك الحرية في التجاوب مع البرلمان. 

هذه الازدواجية في القيادة ورغبة الدولة في تسيير الامور حسب ما تراه ووفق اولويات محدده ادت الى ازمة ثقة بين الحكومة والبرلمان والشعب، كما انها قد تؤدي في المستقبل الى ازمة في المساءلة. فالبرلمان لا يفهم كيف تبخل الحكومة بمبالغ بسيطة لزيادة التعليم والصحة وعلاوة غلاء المعيشة في الوقت الذي يتم توزيع الاراضي على المقتدرين بملايين الدنانير. يقول النائب عبد الحكيم مراد بان ارض واحدة فقط اعطيت لشخص قيمتها 100 مليون دينار، تكفي لعلاوة الغلاء لمدة سنتين. فاين المصلحة الوطنية في ذلك؟ واذا اضفنا الى ذلك الدفان واعفاء الجمارك الذي ياخذ من الفقراء ويعطي الاغنياء، يتضح ان هناك امكانيات كبيرة لتحسين الوضع وتفعيل الرؤية الاقتصادية وتمويل التنمية الانتاجية وغيرها لتحفيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل. 

ونتساءل هل الفشل في تنويع مصادر الدخل هو احد مظاهر الازدواجية في القرار وتعدد القيادات في الدولة؟ ففي 2004 كانت الايرادات غير النفطية تمثل 26% انخفضت الى 18% في عام 2007. هذا إضافة إلى تدني إيرادات قطاعات الانتاج الرئيسية المتمثلة في الصناعة والتجارة والزراعة والصيد. بينما الاعتماد على النفط اصبح 80% بينما كان 72% في عام 2004.

كان بودنا ان يقدم المجلس ميزانية تنموية بديلة حتى وان اعتمدت على الضرائب والفائض من اموال السنوات الماضية. فهل المانع بسبب عزوفه عن تحمل مسئولة المشاركة في الحكم، ام بسبب نقص الملعومات، ام نقص في القدرات؟. على ما يبدوا ان السبب هو ماقله النائب ابراهيم بوصندل وهي احساس النواب بان الحكومة لا تعامل المجلس على انه شريك في صنع القرار وانما هو عقبة في طريق العمل وشر لا بد منه.

التعليم والصحة والاسكان والخدمات الاجتماعية والبحث والتطوير وتنويع مصادر الدخل كلها اهداف تنموية لم تعالجها هذه الميزانية. واذا كانت هذه الميزانية تمثل جهد سنتين، فمتى يبدأ العمل في تحقيق الرؤية الوطنية 2030؟ لذا فاننا نناشد مجلس الشورى ان يكون اكثر حرصا على تفسير ما يدور في الساحة ويضع الامور في نصابها وان يجيب على التساؤلات المطروحة حول المصروفات ومدى دقتها والتعليق على صحة ما يدور في الساحة من تجاوز واخفاء للمعلومات وازدواجية المسئولية. وان لا يخضع لضغوط الامر الواقع ويمرر ميزانية صورية بينما تدار الاموال العامة وفق قواعد اخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *