نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. عودة مجلس النواب والوحدة الوطنية

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٦ أكتوبر ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- هلي يكون مجلس النواب داعية للإصلاح ولم الشمل وإصلاح ذات البين وأن يحاول إشراك مختلف فئات وخبرات وكفاءات المجتمع معه في هذا الجهد. 
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14096/article/45902.html


بعد فصلين مضيا على هذا المجلس كسب خلالها سمعة يشوبها الاتهام بالتخلي عن بعض حقوق المواطنين وتفويت فرص أثناء مناقشة خطة الحكومة في الحصول على إيضاحات أكثر حول الوعود والإنجازات المطروحة، وعدم التمسك بأرقام ومحددات أكثر وضوحا وأسهل قياسا للقيام بالمساءلة.
كذلك فإن تعامل المجلس مع الميزانية السابقة لم يحظ هو الآخر برضا قطاع كبير من المجتمع. اليوم في هذه الدورة ربط بعض النواب مصيره بالميزانية «الميزانية قدرنا وشغلنا الشاغل»، في حين أن آخرين يرون ان المجلس سوف يمرر الميزانية كما تقدمها الحكومة بسبب الأوضاع، مع تأكيدهم على عدم المساس «بالمكتسبات التي حصل عليها المواطنون». كما يرى آخرون أهمية ترتيب الأولويات للإسكان والصحة والتعليم وعلاوة الغلاء ومزايا المتقاعدين، وأن «يتحمل العبء من هو قادر عليه».
لكن سيجد المجلس نفسه في إشكالية كبيرة، فهو لا يستطيع ان يضغط على الحكومة في تحقيق أي امتيازات مالية للشعب كما ان مشاريع البنى التحتية يجري عليها مراجعات بسبب الميزانية وقد يتأخر بعضها.
النواب يعدون المجتمع بأنهم سيحاولون البحث عن المال في الميزانيات التي لا تدخل في الميزانية العامة لمعالجة قضايا المعيشة والبنى التحتية والاستثمار في خلق فرص عمل. ويعدون بأن الميزانية لن تعود من دون تغييرات «تحمل بصمات النواب وتطلعات المواطنين!». البعض الآخر ينادي بالواقعية والعقلانية في مناقشة الميزانية وفي نفس الوقت يطرح تخوف المجلس من الدين العام والعجز في الميزانية، ويطالبون بتنويع مصادر الدخل ووقف الاقتراض الحكومي، ويحذرون من كثرة الضغط على الشركات لكي لا تهرب الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية، من دون ان يبينوا كيف؟
إجراءات تقشفية عميقة قد تكون في الأفق أو سن مشاريع ضريبية على قطاعات واسعة.
الواقعية والعقلانية تتطلب مواجهة مثل هذه الإجراءات، وأول متطلبات ذلك هو ان يكون المجتمع متماسكا ومنسجما ومتمسكا بوحدته الوطنية، أن يكون مجتمعا قادرا على بناء البيئة المشجعة على التنمية والحاضنة لها. أهم عمل يمكن للمجلس القيام به هو طرح هذه القضية للنقاش العام إن هو أراد الخروج من الأزمة المالية التي تلم بنا.
على النواب مهمة كبيرة في تهيئة المجتمع لما بعد النفط ومرحلة الضرائب ومساهمة المواطن في تكاليف إدارة الدولة. هذا يحتاج إلى: أولا بذل الجهد للم الشمل والعمل على وضع البلاد على سلم إكمال مسيرة الإصلاح وخلق البيئة المناسبة التي تتيح لجميع القدرات في المجتمع المساهمة في طرح ومناقشة الحلول والبدائل. هذا الجو يحتاج إلى الكثير من الشفافية والتقبل والإنصات للصغير والمختلف قبل الكبير والمتماهي.
الأمر الآخر الذي يحتاج إلى نقاش هو قضية الضرائب، فهل ضريبة القيمة المضافة كافية أم أن هناك ضرائب أخرى تحت الدراسة؟ وهل مؤسسات الدولة قادرة على إدارة مثل هذه الضرائب؟ وما هي التغييرات الإدارية والاجتماعية والسياسية التي تحتمها فرض وجبي وإدارة الضرائب ومستوى المساءلة والشفافية اللازمين وما يتطلبه ذلك من تغييرات في المنظومة الإدارية والسياسية؟ على المجلس التفكير في مثل هذه القضايا وطرحها للنقاش.
هذه أسئلة مصيرية ينبغي على مجلس النواب ان يتطرق إليها بعمق وليس من خلال الجلسات التي تغلب عليها الإثارة وجلب الانتباه أو تسجيل نقاط. فكيفية تعامل المجلس مع هذه القضايا سوف تحدد مدى فعاليته في معالجة تداعيات تدني أسعار النفط والخيارات المتاحة للمجتمع.
نجاح جهودنا يعتمد على مدى تماسك ووحدة المجتمع وتعاونه، لذا فإن الأهم من هاتين القضيتين هو معالجة الخلاف في المجتمع وطرحه للنقاش العقلاني على أكثر من محور، محور ديني، ومحور حقوقي سياسي، ومحور إقليمي، والتعمق في أسبابه وما يتعلق به من أيديولوجيات دينية أو سياسية. في مقالنا السابق تحدثنا عن الوحدة الوطنية على مستوى العالم العربي وطرحنا سؤالين. الأول حول ضرورة علاج الخلافات وأهمية كشف الجرح ومداواته ليكون البناء على قاعدة صلبة وتشخيص سليم، وتساءلنا عمن سيقوم بإطلاق هذا المسار المجتمعي، وأتمنى ان يتصدى مجلس النواب في دورته هذه لهذه الناحية ويطلق حوارا حول معالجة ذلك.
تحقيق التماسك والتعاون المثمر في المجتمع لا يأتي بمجرد التمني والندوات أو من خلال إسداء النصح، بل كما بينا في المقال السابق يحتاج إلى تعديلات قانونية ومؤسسات دستورية تعزز المساواة في المجتمع وتضاعف الجهود نحو العدالة الاجتماعية وتقدير الكفاءات وتوليها المناصب بناء على قدراتهم. ما سوف يخرج من النقاش الاجتماعي لا بد انه يتطلب تشريعات وإيجاد مؤسسات وتعديل في بعض القوانين التي تعزز المساواة في الحقوق والواجبات في المجتمع.
من شأن هذه الإجراءات والتعديلات ان تبدأ مرحلة جديدة من التعاون في المجتمع، نحن الآن في أمس الحاجة إليها. لا يمكن لأي مجتمع ان يتقدم وهو يفتقد التعاون بين مختلف مكوناته. هذا التعاون ضرورة ملحة في مسار التنمية والتقدم فما بال اليوم في ظروف لم تعتدها البلاد. فالصراع الدائر في المنطقة له تأثير مباشر على الوضع الداخلي بالإضافة إلى المتغيرات في سياسات الدول الكبرى وإعادة تموضع مبني على هذه المستجدات، بالإضافة إلى سوق النفط المضطرب وأسعاره المتدنية.
لكل ذلك نأمل من المجلس عدم الانسياق في المزايدات والمساهمة في مزيد من التخندق، بل نتمنى ان يكون داعية للإصلاح ولم الشمل وإصلاح ذات البين وأن يحاول إشراك مختلف فئات وخبرات وكفاءات المجتمع معه في هذا الجهد. 
mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *