عيد العمال والتنمية المستدامة
تاريخ النشر :٧ مايو ٢٠١٤
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الأسبوع – هدية العمال في عيدهم يجب ان تكون خلق فرص عمل إنتاجية تمنحهم فرص إضافية وترفع مساهمتهم في الاقتصاد الوطني.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13193/article/21043.html
احتفل العالم بيوم العمال وأخذ الاحتفال أشكالا مختلفة ساد الطابع الاحتفاليعلى بعضها، بينما اتسم البعض الآخر بالعنف والشغب كما في تركيا وكمبودياأو احتجاجات على فرض ضرائب كما في ماليزيا، أو المطالبة بزيادة الرواتبكما في اندونيسيا وتايوان وكوريا وسنغافورة. أما في روسيا فأخذ الاحتفالتوجها آخر لكونه الأول منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وأخذ شكل التضامن معالسلطة في القضية الاوكرانية. هذا يظهر ان قضايا العمال لها آثار كبيرةوخطيرة على الأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم وهذا ما يَستلزم الاهتمامبها.
في البحرين احتفل العمال بعيدهم في الأول من مايو تحت رعاية جلالة الملكوكان لي شرف الحضور في احتفال بسيط شمل كلمة لوزير العمل وتكريمالعمال المتميزين في عدد من الشركات تجاوز عدد المكرمين مائتي عامل فيمختلف المجالات. ولكن الملاحظ ان المكرمين من القطاع الإنتاجي لم يتجاوز30%، وبإضافة الخدمات الصناعية تصبح النسبة 37% فقط. في حين بلغتنسبة المكرمين من موظفي الخدمات الإدارية والمالية 73%. كم كان بودنا انتكون نسبة العمال في القطاع الإنتاجي أكبر، غير ان ذلك يعكس هيكلةالاقتصاد البحريني الذي يعتمد على الإنشاء والخدمات الإدارية والتجاريةوالمالية.
القطاع الإنتاجي في البحرين سواء كان إنتاجا سلعيا أو معرفيا له أهميةكبيرة في تحقيق عنصر التنمية المستدامة من خلال إيجاد فرص عمل مجزيةصالحة لمجتمع متعلم نسبيا، واعتمد على الدولة في توفير العمل ضمن اقتصادريعي اتخذت الدولة من التوظيف وسيلة لتوزيع جزء من الريع وليس لزيادةالإنتاج. بالإضافة إلى زيادة التنمية فإن توفير فرص عمل مجزية يدعمالاستقرار والامن المجتمعي، وبالضرورة يؤدي إلى اللحمة الوطنية. لذلك نرىان وزارة العمل ومجلس التنمية الاقتصادية والحكومة بشكل عام مطالبونبالنظر إلى هذه القضية على انها من متطلبات الامن القومي والسلمالاجتماعي. وعليها مراجعة سياسة التنمية وسياستها العمالية لتصب في هذاالتوجه ومن ضمنها قانون العمل.
في زيارة سمو ولي العهد لمدينة سلمان الصناعية قبل شهر تقريبا قال سموهإن «الدولة تُعَول على إسهامات القطاع الصناعي في إيجاد فرص عملوالتحول إلى اقتصاد منتج مستدام قادر على المنافسة». وتحدث عن خطةلتأهيل البحرينيين لمختلف الوظائف، واستقطاب الشركات الخليجية والدوليةللاستثمار في البحرين. وأشار إلى ان البحرين مقبلة على حزمة من المشاريعالتنموية في شتى القطاعات. كما أكد سموه ذلك في اجتماع مجلس التنميةالجديد بعد تشكيله الأخير. والسؤال وبعد مضي أكثر من خمس سنوات علىالرؤية الاقتصادية نتساءل ما هو المطلوب لجعل قطاع الإنتاج المحرك الفعليللاقتصاد والمصدر الرئيس للتوظيف؟ وكم من الوقت نحتاج لتحقيق تطور واضحفي هذا المجال؟ هذا سؤال نطرحه ونتمنى الإجابة عنه في الاستراتيجيةالجديدة لمجلس التنمية الاقتصادية. كما نطرح السؤال: متى سيكون البحرينيمفضلا لدى الشركات ومختلف الجهات التي مازالت تعطي الأولوية للاجنبي؟
في حديث لوزير العمل في شهر يوليو من العام الماضي كشف عن نظام بحرنةجديد «يعتمد البحرنة النوعية وليست العددية». فماذا يعني ذلك للمواطنالباحث عن عمل والذي تخرج من الجامعات والمعاهد والمدارس البحرينية؟ وهليصنف خريج الجامعة او المعهد على انه عامل نوعي بهذه المؤهلات؟ ومن هوالعامل النوعي؟ وكيف يتم تدريبه؟ كما كشف الوزير عن استراتيجية تهدف إلىاستيعاب الخريجين وترى انها استطاعت ان تحافظ على مستويات البطالة فيوضعها الآمن. ونسأل سعادة الوزير ما ذا يعني ذلك بالنسبة إلى الشباب؟وخصوصا ان الوزير لم يوضح لماذا تصر الوزارة على عدم إعلان معدلاتالبطالة بين الشباب؟ أشار الوزير كذلك إلى مشروع تحسين أجور العمالةالوطنية ضمن استراتيجية الوزارة، لكن هل يمكن لاقتصاد يعتمد على الخدماتوعلى العمالة الرخيصة ان يقدم رواتب مجزية تلبي طموح البحريني المقبل علىالزواج وفتح بيت؟ بحسب الأمين العام لاتحاد نقابات العمال فإن الحد الأدنىللرواتب يجب ألا يقل عن 600 دينار، فهل يمكن لاقتصادنا الحالي تلبية مثلهذا المطلب؟
مشكلة الرواتب في البحرين تمثل أزمة حقيقية تؤثر على الأمن القومي والسلمالأهلي، فالراتب الذي يقل عن 600 يجعل العائلة البحرينية في صراع مرير معالحياة، فما بالك إذا كانت شريحة تفوق نصف المجتمع تعيش على اقل من400 دينار. يجب ان تدرك الوزارة والدولة أن ذلك يدق ناقوس خطر على الأمنالاجتماعي والوطني وألا يُنظَر إلى الأمر على انه مجرد خيارات مستثمرين. فمثلا يقول وكيل وزارة العمل حول نقص الوظائف المناسبة للخريجين الجامعيين«ان سوق العمل هو المسئول وهو يعتمد على خطط المستثمرين»، ويطالبالمواطن بالمنافسة على الوظيفة التي ينتجها الاقتصاد». لكنه لم يجب علىالسؤال المطروح: لماذا الاقتصاد يفرز فرصا لا تناسب البحريني؟ ومن المسئول؟أليست الهيكلة هي أهم الأسباب؟
تدني الرواتب وقلة فرص العمل يمثلان خطرا على الأمن الاجتماعيوالاستقرار، ولا شك ان وزارة العمل تقوم بجهد في مجال تدريب الباحثين عنعمل وإعادة تأهيلهم ولكن هذا الجهد ليس كافيا لمعالجة قضية البطالة بينالشباب، وعلاجها ليس بمقدور وزارة العمل ولا ضمن مسئوليتها. من هنا تأتيأهمية قيام الدولة بالاستثمار الصناعي والانتاجي وخصوصا في مجال الإنتاجالمعرفي والتصنيع النوعي ولا تعتمد على خيارات المستثمر الأجنبي ولا حتىالمحلي فأولوياته تختلف.