نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1103826

تعتمد الحركة الاقتصادية في البلد على مؤسسات الدولة وكذلك تعتمد على مؤسسات المجتمع للمساعدة والمراقبة والمساهمة في مدخلاتها. من أهم المؤسسات المدنية التي تعنى بالجانب التنموي والاقتصادي هي غرفة تجارة وصناعة البحرين التي تمثل المجتمع التجاري والصناعي. نشاط هذه المؤسسة ينعكس على الوضع الاقتصادي كما أنها تتأثر به، ومصلحتها مرتبطة بسياسات التنمية ومرتبطة بالتشريعات والأنظمة التي تحكم البيئة الاقتصادية والتجارية في البلد لذلك لا بد من مشاركتها في القرار.

للأسف في الفترة الأخيرة مُني هذا الجسم باختلافات وانقسامات أثرت على أدائه المتواضع أصلا. منها اختلاف حول صلاحيات رئيس مجلس الإدارة وآلية اتخاذ القرار واختلاف على دور المكتب التنفيذي واتهام بالتعدي على صلاحيات المكتب، واختلاف على طبيعة العلاقة مع وزارة التجارة. واختلاف على مسؤولية الرئيس التنفيذي وواجباته وصلاحياته وآلية تنفيذ قرارات المجلس، اختلاف على كيفية وأولويات الإنفاق على المشاريع وتبنيها، اختلاف على كيفية التعامل مع قرارات الحكومة فيما يتعلق بزيادة الرسوم على ممارسة العمل التجاري وتأثيره على صغار التجار. خلّف كل ذلك شعور البعض من مجلس الإدارة بالتقصير في الدفاع عن مصالح القطاع الاقتصادي.

في مقابلته المنشورة في «أخبار الخليج» بَيَّن الرئيس التنفيذي ان على الغرفة ان تكون الصوت الفاعل لمجتمع الأعمال وشريكا في صنع القرار الاقتصادي وأن تكون القوة الدافعة لإسهام القطاع الخاص في التنمية. السؤال: كيف ستترجم الغرفة هذه التطلعات، وما هي أدواتها وآلياتها؟ في ابريل الماضي تم لقاء بين الغرفة ومؤسسات القطاع الخاص، لكن المهم كيف ستتعامل الغرفة مع مخرجات هذا اللقاء؟

قريبا في (مارس 2018) سوف يُجرى انتخاب مجلس إدارة جديد، وعليه ستقع مسؤولية لم شمل هذا الجسم، وكذلك اخذ دور فاعل ومؤثر في القرارات التنموية والاقتصادية. أمام هذه المؤسسة -بعد إعادة تنظيم نفسها وإيجاد أرضية تنطلق منها- أمامها خياران: إما الاستمرار في لعب الدور الاستشاري للحكومة وقت اللزوم كما كانت وتوفير بعض الخدمات للتجار، وهذا دور لم يمنح الغرفة القدرة على لعب دور فاعل في السياسات الاقتصادية، وإما اخذ زمام المبادرة في رسم سياسات التنمية في البلد من خلال المشاركة السياسية في صنع القرار.

هذه المشاركة ليست بالضرورة ان تتم من خلال الغرفة مباشرة، ولكن يمكن ان تتشكل كتلة برلمانية قوية تشارك في المرحلة القادمة. المرحلة القادمة سوف تعتمد بدرجات اقل على النفط وبتزايد في فرض ضرائب ورسوم على المجتمع، أي ان المرحلة القادمة سوف تحتاج إلى برلمانيين لديهم مصلحة في ترشيد وتقنين الإنفاق من جهة وفي فرض الضرائب التي تحمي مصالح صغار التجار وتحقق توازنا بين الجانب الرسمي في البرلمان والجانب الأهلي ممثلا في جمعياته السياسية، في حالة دخلت هذه الجمعيات بثقل.

من أحاديث رجالات الغرفة المنشورة في الصحافة وتجار مستقلين نرى ان هناك توجها إلى إصلاح بيت التجار وجعله أكثر قدرة على خدمة القطاع التجاري وتحقيق طموحاته لكن هذا التوجه يبدو انه يركز على الداخل. المطلوب اليوم هو توسيع نطاق عمل الغرفة بحيث لا تقتصر على الخدمات الإدارية والمعلوماتية والفنية والتسهيلات في الاتصال بالخارج، بل أن تتجاوز ذلك إلى المساهمة (منفردة وبالتعاون مع اتحاد الغرف التجارية الخليجية) في خلق مناخ تنموي واقتصادي واستثماري محلي وخليجي وإقليمي يسهم في تنويع الاقتصاد وتنويع مصادر دخل الدول بعد ان أصبح دخل النفط في تراجع. لا يمكن لغرفة البحرين والغرف الخليجية المساهمة ما لم تنخرط في العمل السياسي من خلال تكوين تكتل فاعل ومؤثر يبدأ من البحرين ولا يقف عندها.

بالإضافة إلى ذلك مطلوب تكثيف دور الغرفة (واتحاد غرف التجارة الخليجية) بإجراء دراسات ميدانية عن الوضع الاقتصادي في البلد وجعل هذه الدراسات في متناول الباحثين وممثلي القطاع الخاص والمجالس النيابية والشورية، ومشاركة منظمات المجتمع المدني في تبني نقاشات مجتمعية استنادا على هذه الدراسات للخروج من عباءة الدولة الريعية وإعطاء القطاع التجاري والمجتمع صوتا اكبر في صنع السياسات الاقتصادية. وكذلك الانفتاح على الصحافة وإشراك مختلف الآراء في تقصي نتائج  سياسات التنمية والتنوع الاقتصادي على مستوى الخليج.

ندرك ان المجتمع التجاري الخليجي يعاني من مشكلة اعتماده المباشر على الإنفاق الحكومي النفطي، هذا الاعتماد أخضعه لسلطة الدولة وجعل مساهمته في صنع القرار محدودة. هذا الوضع لا يمكن ان يتغير من دون جهد من الغرف التجارية ومجتمع التجار في تكوين تكتل سياسي يضع التشريعات التي تخدم مصالح هذا القطاع الحيوي، وينظم العلاقة مع الحكومة على أسس من الشفافية والعدالة في التوزيع لكي يصبح هذا القطاع ذراعا فاعلا في تقوية الدولة. فقوة الدولة تتطلب تعزيز قوة المجتمع وتقوية المجتمع تحتاج إلى أهم قطاع فيه وهم التجار للمشاركة في رسم السياسات المستقبلية.

المرحلة القادمة هي مرحلة العمل في دولة تحاول الخروج من عباءة الريعية وصياغة علاقات جديدة بين مختلف الفئات في المجتمع وبين السلطة والمصالح الأخرى في الدولة. تشكيل تكتلات سياسية تمثل هذه المصالح ضرورة وطنية تضمن تشريعات ضريبية أكثر عدلا من انفراد السلطة بهذه التشريعات وتركيزها على الرسوم والضرائب الاستهلاكية غير المباشرة التي تضر بالمواطن (سواء كان تاجرا أو موظفا أو عاطلا) وتحمله أعباء فشل سياسات تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل. خدمة هذه المرحلة تحتاج إلى بلورة رؤية وطنية من قبل مجتمع التجار يحدد الدور الذي يمكن للغرفة القيام به لدفع عجلة الإصلاح إلى الأمام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *