نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

قانون الصحافة وتطور المشاركة الديمقراطية في المجتمع

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٣٠ أكتوبر ٢٠١٩ – 03:00

مقال الاسبوع- قانون الصحافة هو اكثر القوانين تاثير في تطوير الديمقراطية وفي التنمية. قانون مستنير هو ما وعدنا به جلالة الملك لكن القانون المقترح لا يلبي هذا الطموح وما زال تركيزه على المنع اكثر من السماح. زيادة الغرامات الى هذا الحد مقرونة بمطاطية العبارات تجعل الصحفي عرضة للمساءلة في اي وقت وتحت اي ذريعة. هذا ليس قانون مستنير.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1188535

تحدثنا في مقالٍ سابق «أخبار الخليج» 2 أكتوبر 2019 عن قانون الصحافة في البحرين وبيَّنا الحاجة إلى قانون يليق بتاريخ البحرين يفتخر به الشعب ويحفظ له حقوقه في حرية الكلمة بما يمكنه من الإسهام في تطوير دولة مدنية ديمقراطية تحترم الإنسان وتحافظ على كيانه ويتناسب أولا وأخيرا مع العهد المستنير الذي دشنه جلالة الملك. 

قلنا في المقال السابق بضرورة وجود مبادئ يرتكز عليها قانون الصحافة. منها القدرة على الحصول على معلومات تساعد الباحثين والمهتمين في مناقشة القضايا بموضوعية بعيدا عن التجريح والاتهام والتعرض للأشخاص. وهذا يتطلب وجودَ قانون حق الحصول على المعلومات. ولتكملة القدرة على النقد الموضوعي يحتاج الأمر إلى «قانون الأداء» يلزم كل جهة حكومية بوضع أهداف قابلة للتحقق ومؤشرات تقيِّم أداءها، وتنشر المعلومات بشكل دوري. بالإضافة إلى ذلك فإن وجود عبارات فضفاضة قابلة للتفسير والتأويل لا تخدم حرية الرأي وتجعل الصحفي غير واثق من حدوده القانونية وبالتالي تجبر الصحيفة والصحفي على وضع رقابة ذاتية تفقد الموضوع قيمته وأهميته الإصلاحية. إذا لم تراع هذه القضايا وغيرها فلا يمكن أن يسهم قانون الصحافة في خلق بيئة ومناخ لحرية الكلمة والنقد الموضوعي المبني على معلومات موثوقة. في هذا المقال نورد بعضَ ما دار من نقاش في مجلس د. محمد الكويتي 21 أكتوبر.

عودة إلى نصوص القانون نجد المادة 2 تشير إلى أن حق التعبير مكفول دون المساس بأسس العقيدة الإسلامية والذات الملكية السامية ووحدة الشعب. كما تعطي هذه المادة القرارات الإدارية الصادرة من الوزارة صفة الإلزام. ونفس المادة تحيل إلى التشريعات النافذة في المملكة المتعلقة بنشر الفكر والثقافة والعلوم. أعتقد بأن اقتصار هذه العبارات في حالات خاصة مثل الذات الإلهية والأنبياء والرسول الكريم (عليه الصلاة والسلام) والذات الملكية والأديان والمذاهب. وما عدا ذلك فهي حرية فكرية يمكن الخوض فيها، وللمتضرر سواء كان شخصا أم كيانا اعتباريا أن يلجأ إلى القضاء في حالة التعدي عليه شخصيا. أما وضع المادة بأي صيغة مطاطة فلا يمكن للصحفي أن يفسر بدقة العبارات المكتوبة وأن يكون مطمئنا بأنه لم يتجاوز الحد فيها. بالإضافة إلى إمكانية الانتقائية في تفعيل هذه العبارات أو التجاوز عنها وفق المصلحة والموقف. فهي قد تكون عبارات عامة يمكن أن تسند إلى أي شخص يتحدث مثلا عن الإصلاح الديني أو الديمقراطي أو يحلل الوضع الاقتصادي وأسباب جوانب القصور أو يحمل المسؤولية لجهة معينة بحكم وظيفتها.

المادة 3 من القانون تفيد بأن حق النقد مكفول لكنها تشدد على ضرورة تحري الدقة في عرض المواد الصحفية والإعلامية. هذا بطبيعة الحال بديهي وواجب الصحفي أن يقوم بذلك لكن هذا يستوجب من الجهات الرسمية توفير المعلومات والبيانات ونشر الأرقام ومنح الصحافة حق التحقق من الأرقام وكيف يتم حسابها. إن إعطاء الوزارات حق حجب المعلومات ليس مصلحة عامة دائما، ويعرض الصحافة إما لفقدان مصداقيتها وإما لمساءلة قانونية وفي الحالتين الخاسر هو الشفافية. 

تعد المادة الخامسة من القانون إيجابية إذ إنها تسمح للصحفي بالاحتفاظ بمصادره لكنها في نفس الوقت تضع استثناء عاما مثل «النظام العام أو المصلحة العامة». وجود مثل هذا الشرط قد يكون معقولا في حالة وجود تعريف واضح لهاتين العبارتين، لكنهما واسعتان على نحو يمكن أن يشمل أي شيء وهنا يدور حولهما الاختلاف، وهذا من شأنه أن يجعل الصحفي في تخوف دائم وعدم وثوق من مادته.

تمنح المادة السادسة الصحفي حق الحصول على المعلومات والإحصاءات والأخبار «المباح نشرها طبقا للقانون». لهذا فإن حق الحصول على المعلومات كما بينا في مقدمة المقال يحتاج إلى قانون منفصل ينظم العملية، أما هذه العبارة المطروحة فهي مقيدة وتفترض نظريا أن جميع المعلومات والإحصاءات والأخبار هي محظورة باستثناء المباح نشرها فقط وتمنح الوزارة أو الجهة الحكومية حق تحديد ما هو المباح وما هو غير المباح. وهنا فلتحقيق مصلحة التنمية والنقد الموضوعي يفترض أن تكون القاعدة هي إتاحة المعلومات وأن يتم تحديد غير المتاح بقانون وليس وفق قرار إداري من الوزارة أو الدائرة. لذلك فإن هذه المادة لا تمنح الصحفي حق الحصول على المعلومات بل هي فقط تعطيه حق الحصول على ما هو مباح وبقرار من الوزارة نفسها وليس بقانون. 

تحاول المادة السابعة توضيح ما هو مقصود بقولها «التي لا يشكل نشرها مخالفة للقانون أو إخلالا بمقتضيات النظام العام» فما هي المعلومات التي تشكل إخلالا بالنظام العام؟ وكيف يتم تعريفها؟

من النقاط التي تحتاج مناقشة، إدراج ما يكتب في التواصل الاجتماعي ضمن القانون في حين أن هذه أداة تواصل جماهيرية يحق لمن يتم التعدي عليه شخصيا في هذه الحسابات والمواقع أن يرفع تظلمه إلى أجهزة تطبيق القانون كما لو كان قد تعرض إلى إهانة في الشارع. وأي تقييد للتواصل الاجتماعي قد يعد تضييقا على حرية الرأي لا يتناسب مع روح الميثاق والدستور ولا رغبة القيادة في نشر الحداثة والحرية وطرح المشكلات الاجتماعية.

بعض هذه المواد ينظر إليها البعض على أنها يمكن أن تحد من مناخ حرية الرأي والنقد الفعال، كما أن إمكانية حصول المواطن والصحفي على المعلومات السليمة يتعين أن يكون مكفولا بقوة القانون. ذلك أن توفر المعلومة يسهل البحث والتطوير ويسهم في وضع الحلول لقضايا التنمية المختلفة. من دون قوة القانون لا يمكن للمعلومة أن تصل إلى المواطن ولا يمكن للمعرفة أن تتطور لإصلاح مختلف الأوضاع وتحسين مستوى المعيشة، فحرية الرأي والانفتاح بشكل عام هو محفز للابتكار والإبداع ويجب تشجيعه والسعي إلى فتح المجال له حتى وإن كان قاسيا في بعض الحالات. 

  mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *