نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بيان مفرط في التفاؤل وتدعي بوجود منهجية واضحة واسس متينة تحمي امتنا من الاخطار. أي اخطار اكثر مما نحن فيه؟

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1119764

إذا أخذنا توقعات الشعوب العربية على أنها معيار نجاح القمة فإن القمة قد نجحت لأن الشعوب لم تكن تتوقع أي قرارات مؤثرة وفاعلة تعالج الكم الهائل من الإخفاقات والمشاكل التي تعاني منها الأمة العربية. ومع ذلك نقول إن هذه القمة نجحت في إيراد بعض المعالجات، وسوف نبرز أهمها من خلال قراءة بعض الفقرات المحورية.

تؤكد الافتتاحية على «أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي امننا من الأخطار المحدقة بها وتصون الأمن والاستقرار، وتؤمّن مستقبلا مشرقا واحدا يحمل الأمل والرخاء للأجيال القادمة، وتسهم في إعادة الأمل لشعوبنا العربية التي عانت ويلات الربيع العربي وما تبعه من أحداث وتحولات كان لها الأثر البالغ في إنهاك جسد الأمة الضعيف ونأت بها عن التطلع لمستقبل مشرق».

هذه المقدمة مفرطة في التفاؤل وتنطوي على الكثير من القضايا والاحباطات حتى في الصياغة وفي الافتراضات التي بنت عليها. فمثلا أول هذه القضايا هي «تعزيز العمل المشترك». تعزيز يعني ان هناك عملا مشتركا وهذه القمة تؤكد على هذا العمل. لكن الواقع ان الشعوب تقول إنه لا يوجد أصلا عمل مشترك يمكن تعزيزه. ما تراه الشعوب هو ان الدول العربية في تناحر بعضها مع البعض على قضايا هامشية تخص الأنظمة أكثر مما تخص الشعوب والدول..

القضية الثانية التي تثيرها المقدمة المتفائلة تقول إن العمل المشترك هذا يقوم على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي امتنا من الأخطار وتصون الأمن والاستقرار وتؤمن مستقبلا مشرقا واحدا يحمل الأمل والرخاء للأجيال القادمة. أين هي المنهجية الواضحة لحماية امتنا؟ ما تراه الشعوب ان كثيرا من الدول العربية تنهار وتتشظى، ودخلت في حروب أهلية مستمرة لأكثر من سبع سنوات. وقبل هذه الحروب كانت الشعوب ترزح تحت أنظمة متسلطة دفعت بالشعوب إلى حافة الهاوية، ما اضطرها إلى الخروج بالملايين مطالبة بالعيش والعدالة والكرامة الإنسانية. فأي منهجية هذه وأي مستقبل واستقرار تتحدث عنه قمة العرب؟

القضية الثالثة التي تثيرها هذه المقدمة هي ان تفترض ان الدول العربية أنهكتها الأحداث منذ الربيع العربي. السؤال: هل كانت الدول العربية قبل الربيع العربي في عز أوجها ورخائها واستقرارها؟ هل كانت الدول العربية قبل الربيع العربي دولا متقدمة ينعم فيها المواطن بالرخاء؟ وهل كان الشباب يحصل على العمل والتعليم والفرص المتكافئة في الوظائف والعيش الكريم؟ ما أنهك الأمة هو سوء إدارة الدول العربية لثرواتها وإمكانياتها وقتل روح الإبداع والابتكار في شبابها. وهذه ليست مصادفة ظرفية كما تقول الفقرة التي تليها بل إنها نتيجة لتغييب رأي الشعب وتهميشه والاستحواذ على الثروات ورفض مشاركة الشعوب في القرار وفي صنع مستقبله. ان تحميل كل هذه الأخطاء على المخططات التي تحاك ضد الأمة هو تملص من المسؤولية. من الذي يحيك المؤامرات؟ إذا كان الغرب فجميع الدول العربية تتسابق لنيل رضاه وتخطب وده. كيف للشعوب ان تفسر هذه العبارات المتضاربة في البيان؟

أما الإشكالية الكبرى في البيان وفي معظم البيانات السابقة هي الموقف من القضية الفلسطينية التي أصبحت «كليشيه» ثابتا في جميع البيانات.

كون القضية هي قضية مركزية فهذا لا شك فيه، والتأكيد على السلام الشامل لا يغير من الواقع شيئا والعدو الصهيوني أصبح يدرك ما تعنيه هذه العبارة، وهو ان الدول العربية مازالت تفقد الإرادة للتحرك نحو حل حقيقي وعادل ينصف الفلسطينيين ويعيد للأمة كرامتها.

أما فيما يتعلق بالتدخلات الخارجية في الدول العربية فهذا بطبيعة الحال مرفوض وقد أكد البيان على ذلك ولكن هل هذا يكفي؟ التدخلات في شؤون الدول بشكل عام هو نتيجة إخفاقات في التعامل مع الشعوب وترك ثغرات يدخل منها المغرضون. يجب على الدول العربية ان تعالج ذلك بعمق أكثر من مجرد الرفض، يحتاج إلى إغلاق جميع الثغرات الممكن الدخول منها. وهذا يتطلب تحولا في إدارة الشأن الداخلي ومعالجة التحديات الداخلية التي تواجه المجتمعات بمختلف فئاتها العمرية والعقائدية والاثنية وتركيباتها السياسية والاقتصادية.

من إيجابيات البيان ما ورد من معالجة في الفقرة (16) التي تخص العراق حيث قال البيان، «نؤكد على إعادة الأمن والأمان إلى العراق وتحقيق المصالحة الوطنية عبر تفعيل عملية سياسية تفضي إلى العدل والمساواة وصولا إلى عراق آمن ومستقر». هذه الفقرة ينبغي الا تقتصر على العراق بل أن تشمل كثيرا من الدول التي تعاني من أحداث الربيع العربي ونتائجه على المجتمعات. في هذه الفقرة يكمن جوهر الإصلاح، فهي تشترط تحقيق المصالحة الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار، وترى الفقرة ان ذلك يحتاج إلى عملية سياسية تحقق العدل والمساواة. هذا ما طالبت به شعوب عربية ومازالت تطالب به وتكمن فيه معالجة حتى التدخلات الخارجية التي تتعرض لها دولنا العربية. السؤال الآن كيف يمكن تفعيل هذه العملية السياسية وما هو مضمون هذه العملية وعلى ماذا ترتكز؟

تواجه الدول العربية تحديات أخرى وهذا البيان لا يكفي لمعالجتها. مطلوب خطوات عملية تخرج الأمة من كبوتها. التحدي الكبير الذي تواجهه دولنا هو ما ورد في الفقرة 18 فيما يتعلق بالشأن الليبي وهو الإرهاب. غير ان الإرهاب لا يقتصر على ليبيا بل تتعرض له دول عربية كثيرة ودول إسلامية ووصل إلى مختلف أرجاء العالم. وقد وُصمت دول عربية بشكل خاص باحتضان الإرهاب وأخرى بتغذيته ودعمه فكريا. صحيح ان البيان اقر بأن للإرهاب أسبابا وهذا صحيح ولكن التصدي له ودحره ليس عملية عسكرية ولا سياسية بحتة فقط بل إنها كذلك عملية ثقافية ودينية وتنموية. ومعالجتها تحتاج إلى معالجة شاملة تطول جميع هذه الجوانب بنفس القدر من الاهتمام. نتمنى ان يلتفت القادة العرب إلى عملية إصلاحية تحقق دلالات ما ورد في الفقرة (16) والفقرة (18) ووضع منهجية وبرنامج عمل للسير فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *