نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

١٦ مارس ٢٠٢٢ 

مقال الاسبوع – تمر الامة العربية والاسلامية بحالة من الصراعات المسلحة ونزاعات مزقت الامة ومازالت وان المتطرفين اختطفوا الاسلام وانتجوا حالة التخلف الفكري والعلمي افقدت الامة حيويتها. ويرى سمو الامير ان الحل في العودة الى الاسلام الحقيقي الذي يسمح بالاختلاف ويخلق البيئة للسلم والتقدم والتكامل العربي الاسلامي.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1288672

مرت المنطقة العربية بمحطات مهمة في مسيرة التنمية. ارتفعت الامال والتوقعات في الاربعينات والخميسينات بتأسيس الجامعة العربية ومنطقة التجارة العربية الكبرى، وفي الثمانينات تاسس مجلس التعاون والخليج وعقدت تكتلات اقليمية مثل اغادير بين المشرق والمغرب العربي والاتحاد المغاربي. نجاح هذه التكتلات في الخروج بالامة العربية من قبضة التخلف المعرفي والعلمي والتقني كان محدودا جدا. يرى تقرير الامم المتحدة (الاسكوا 2014) حول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ان هناك حاجة الى قاطرة تُخرج المنطقة من عنق الزجاحة. وعقد الامل على اربع دول كبرى في المنطقة. نحن في الامة العربية نعقد الامل على دور ريادي وقيادي تتولاه مصر والسعودية. وينبغي ان ننظر الى ما يحدث في هذين البلدين على انه تكامليا يعطي دافع للخروج من عنق الزجاجة اذا ما اتفقنا على انه ناتج من الحاجة لاصلاح فكري يتزامن مع التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بل يسبقها في كثير من الاحيان.

في هذا السياق نحاول قراءة مقابلة الامير محمد بن سلمان الاخيرة في جريدة اتلانتك الامريكية وما ورد فيها من تطلعات تعطي ملامح لمسيرة قد تكون هي المنتظرة اذا ما تظافرت مع التطور في مصر. تناولت المقابلة عددا من المحاور شملت الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الداخلي والخارجي. وكان التركيز كبيرا على دور حركات الاسلام السياسي والحاجة لمواجهتها فكريا. ينطلق سموه من الاجابة على الاسئلة التي اعتبرها اسئلة تواجه كل دولة ، “كيف يمكنني دفع عجلة اقتصاد دولتي؟ وكيف يمكنني تعزيز أمنها؟ وكيف يمكنني تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية؟

ارتكز الحوار على عدد من المبادئ شملت احترام مصالح كل دولة وحقها في المحافظة عليها؛ الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل؛ عدم التدخل في الشئون الداخلية لاي دولة واحترام خصوصيتها؛ عدم احتكار الحقيقة من اي طرف؛ وحسم الاختلافات من منطلق المصلحة العامة. ضمن هذه المبادئ دار الحوار حول متطلبات نجاح الرؤية 2030 وتحقيق اهدافها من خلال ثلاث محاور رئيسية هي التغيير الفكري، التنمية الاقتصادية، والسياسة الخارجية.

نستشف من المقابلة ان هناك هم مشترك بين مصر والسعودية في الاصلاح الفكري باعتباره أساس للتنمية المستدامة الشاملة. فقد اكد الرئيس عبدالفتاح السيسي في اكثر من مناسبة على ضرورة التغيير الفكري وتجديد الخطاب الديني واحياء الفكر النقدي ودعى الازهر الشريف ليكون المحرك لهذا الاصلاح وتكريس ثقافة الحوار واعمال العقل وقبول الاختلاف. كذلك اكد سمو الامير محمد بن سلمان في مناسبات سابقة على هذا التوجه واكد نفس الفكرة في هذه المقابلة. يقول سموه ان ما يقوم به نابع من حاجة سعودية خليجية عربية ووفقا “لمقوماتنا الاقتصادية والثقافية ومتماشيا مع تاريخنا”. هذا التوجه يعالج قضيتين رئيستين، الاولى انه مطلوب للانطلاق التنموي وانعاش الابداع الفكري الذي يؤدي الى الابتكار العلمي والثقافي والثانية معالجة التوترات والخلافات العربية والاسلامية الناتجة من التعصب والاصرار على الفهم الاحادي للدين. ولاهمية هذه الفكرة فقد كرس لها سموه جزءا كبيرا من المقابلة وشرح تفاصيلها وحدد مخرجاتها.

انطوى السؤال الاول على تلميح عن التخلف الذي تشهده المنطقة العربية وفي نفس الوقت يقر السائل بان التغير السعودي فعلا بدأ وينطلق من قناعة باهميته. التغيير يتبنى مشاريع سعودية الطابع فريدة من نوعها واستثمارات تعتمد على الابداع المحلي. وفي هذا الصدد تناولت القضية الاولى اهمية العقيدة في الدولة والقيم والتقاليد التي تشكل الاطار المؤسسي والقاعدة الفكرية وهي الاساس الذي ينطلق منها الاصلاح بابعاده المختلفة اذا ما اريد له النجاح. وقد ادركت القيادة السعودية (والمصرية) ذلك وبدأت فعلا بالاصلاح الفكري وبناء البيئة المؤسسية.

من هذا المنطلق يرى سموه ان التغيير ينطلق من قناعة باهمية العقيدة في الدولة والقيم والتقاليد والقاعدة الفكرية في توحيد الشعب وفي تكشيل ارضية التطور. تقوم السعودية (ومعظم المنطقة العربية) على الاسلام وعلى الثقافة القبلية وثقافة المنطقة والثقافة العربية والثقافة السعودية. تمثل هذه الثقافات روح المملكة والتخلي عنها يعني الانهيار. و”السؤال الذي نواجهه هو كيف نضع السعودية في المسار الصحيح؟”. ويرى سموه ان “المتطرفين اختطفوا الاسلام وحرفوه بحسب مصالحهم”، واجبار الناس على رؤية الاسلام وفق طريقتهم. و “لعدم وجود من يحاربهم ويجادلهم بجدية”، تغولوا على الامة و “نشروا الاراء المتطرفة المؤدية الى تشكيل اكثر جماعات الارهاب تطرفا في العالمين السني والشيعي”. ويضيف بان الاسلام به مذاهب ومدارس متعددة ولا يمكن لشخص الترويج لإحد هذه المذاهب “ليجعله الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية”. ويرى اهمية التصدي لاستغلال مصطلح “الاسلام المعتدل” من قبل التطرف الذي يحاول اظهار التغيير الذي تسعى اليه السعودية وكانه تغيير الاسلام الى شيء جديد، في حين ان ما “نسعى اليه هو العودة الى تعاليم الاسلام الحقيقي المنفتح والمسالم والمتعايش مع مختلف الاديان والثقافات”. اي انه يقود السعودية الى جذور الاسلام والنور الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين. وتصحيح المسار الذي قاد الى صدامات وحروب ونزاعات عربية اسلامية.

هذا تفكير سيخلق ثورة فكرية فعلا في العالم الاسلامي تدفع نحو استعمال العقل وتحكيمه ورفع شأن التدبر والبحث العلمي والرؤية العلمية للامور واستعادة امجاد ضاعت في متاهات الانحطاط الفكري الذي ساد الامة منذ القرن الرابع الهجري. وكما يبدو فان السعودية ماضية في بناء الاسس التي ستتولى العودة الى الجذور الفكرية الصحيحة لتعزز الانطلاقة التنموية. وان العمل جار لاخراج نتاجها خلال عامين كما قال سموه.

القضية الثانية التي تحدث عنها باسهاب هي التنمية، فالتقدم فيها يحتاج الى مفاهيم والى موارد مادية والى مهارات توظف لخدمة المصلحة العامة. تجمع بين هذه العوامل المعرفة التي تدخل في بناء المفاهيم وتطويع الموارد المادية وتحصيل المهارة الفكرية والعلمية والتكنولوجية. لذا يرى سموه ان الانطلاقة الاقتصادية ترتكز على عناصر اهمها بناء الانسان من خلال التنوير الفكري والمعرفي، واستغلال الموارد المادية المتاحة في السعودية. سوف تعتمد السعودية في المرحلة الاولى على امكاناتها المادية. كذلك سوف تعتمد بشكل كبير على السياحة والاستثمار والمشاريع الضخمة التي تزخر بها رؤية 2030. وهذه مسيرة تتطلب جهدا منظما وحوكمة ادارية متقدمة وتفهم داخلي من قبل تيارات الممانعة الاصولية، وهذا موضوع اخر.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *