نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

قراءة في موجة احتجاجات العراق ولبنان

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٠ نوفمبر ٢٠١٩ – 02:00

مقال الاسبوع – الثورة العراقية واللبنانية هي استكمال لثورات 2011 وتعلم الشعب ان العنف لن يحقق نتائج لوكن الحكومات لم تدرك ان القمع والحلول الامنية ليس طريقا للامن والاستقرار بل هي تستمر في طريق العنف والقمع وتكميم الافواه لكي تستطيع ان تستمر في فسادها واستغلال ثروات البلد لهم ولعائلاتهم واقرابائهم ومن يواليهم.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1190813

انتهت الموجة الأولى من الربيع العربي بمآسٍ وخذلان ، انتهت سوريا إلى دولة فاشلة واليمن إلى حروب أهلية وصراعات. أما مصر فقد إنهاء تجربة قصيرة من حكم « الإخوان»،  وغرقت ليبيا في مطاحنات بين فئات كل منها مدعوم من جهات مختلفة عربية وأجنبية. نجحت تونس في تحقيق قدر من التقدم الديمقراطي وانتخبت مؤخرا رئيسا من نتاج المجتمع وليس الطبقة السياسية التقليدية.

ذهب كثير من المثقفين والكتاب والمحللين السياسيين وأدوات السلطة بتفسير ما حدث على أنه مؤامرة غربية على الأمة العربية والإسلامية لإضعافها ونهب خيراتها، بينما في الواقع أن الشعوب العربية التي ثارت كانت تعيش واقعا مؤلما من المشكلات الاقتصادية وضياع فرص الشباب. فقد كان الوضع الاقتصادي قبيل الثورات ضعيفا جدا؛ إذ بلغت فيه البطالة بين الشباب مستويات عالية تتجاوز الـ30% في بعض الحالات ومعدلات الفساد العربية واضحة في قوائم التقييم. صحيح أن الدول الغربية ومنها أمريكا استغلت هذه الثورات واستفادت منها لكنها لم تكن المحرك لها.

ما يُثبت ذلك هو ما نراه اليوم في العراق ولبنان وقبل ذلك في الجزائر والسودان. عانى السودان من حروب أهلية على مدى ثلاثين سنة بين الشمال والجنوب وحرب دارفور وغيرها من نزاعات لتكريس حكم الفرد أو الحزب الحاكم. وفي الجزائر حكم الأمة الرئيس بوتفليقة من كرسي متحرك في سنواته الأخيرة كغطاء لحكم عسكري. أزيح الاثنان بإصرار من الشعب السوداني والجزائري ونأمل بعد ما حدث  أن تنتهج تلك الدول نهج الديمقراطية والدولة المدنية واحترام المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان وكرامته وحريته التي وهبها الله له.

 أما التجربة التونسية فيختار الشعب رئيسا مناصرا للشباب ومن خارج الطبقة السياسية الفاسدة، نتمنى أن يستطيع أن يقدم نموذجا مختلفا عما اعتادت عليه الشعوب العربية. 

الوضع العربي اليوم لا يبشر بخير؛ إذ نجد جميع المؤشرات حول الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان تقع في أسفل القائمة وكذلك في التعليم والتنمية بالرغم من الثراء الكبير. فمثلا يقول صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن متوسط النمو في هذه الدول لن يتجاوز 0.1% بعد أن كان 1.1% في 2018 مع استمرار في تزايد الدين العام الذي بلغ في لبنان والسودان أكثر من 150% من الناتج المحلي. وفي نظره أن هذا الأداء الاقتصادي وسوء توزيع الثروة والفساد هو الذي أثار الشباب وأخرجهم إلى الشوارع، لن يتمكن هذا النمو الضعيف  من معالجة البطالة المتفشية في الشباب، وهي قنبلة موقوتة لا تعرف الجغرافيا ولا المحسوبيات. 

ثورتا العراق ولبنان تبشران بخير لعدة أسباب أهمها أنهما تثوران على النظام السائد من الطائفية وتضليل الشعوب بتقسيمهم مذهبيا على أسس سياسية تاريخية كانت فاسدة منذ بدايتها في الصراع الأموي- الهاشمي وصيغت من قبل حكام حكموا الأمة الإسلامية في مطلعها بالظلم وبالترهيب والبطش وتزوير التاريخ والتعدي حتى على المقدسات. واستمر الوضع والتزوير والتدليس على الأمة لمصالح  انظمة الحكم والحكومات والإمبراطوريات التي تأسست على حساب شعوبها ووجدت من بعض الفقهاء والمحدثين من يروِّج لها ويحلل لها ما حرم الله. ضحية هذا الصراع السياسي هو الإنسان العربي اليوم، وحقوقه ونظام الشورى الذي جاء به القرآن الكريم. تستدعي بعض النظم هذا النزاع التاريخي لخدمة مصالح ضيقة فردية وحزبية وعرقية.

تحاول الثورة في العراق ولبنان أن تقلب الطاولة على هذه العقلية التقليدية المضللة. فهل تنجح؟! تقول دراسة صدرت مؤخرا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP-2019) إن هذه الثورات تمثل تحديا كبيرا لنموذج التنمية العربي والعقد الاجتماعي السائد من خمسينيات القرن الماضي وهو أن الدولة هي الممول والمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموفر للخدمات الاجتماعية والمنافع المادية وتوفير الوظائف العامة في مقابل محدودية التمثيل السياسي والحريات السياسية والمدنية أو انعدامهما في بعض الدول. حقق هذا النموذج بعض المنافع مثل زيادة الصحة العامة «متوسط العمر وصل 76 سنة في الدول العربية» ولكن على حساب التنمية البشرية التي تراجعت. 

مع انخفاض أسعار الموارد الطبيعية أصبح هذا النموذج غير قابل للاستدامة. ويرى التقرير أن معظم دول المنطقة ليس لديها مواطنة تشاركية، ومؤسسات السلطة غير مساءلة، ومع زيادة معدلات الفساد وزيادة التلاعب في الانتخابات وتوجيهها فقدت معظم المجتمعات العربية الثقة في برلماناتها «المنتخبة» فتدنت نسب المشاركة في الانتخابات، وتُرجم ذلك في تدني الأداء الاقتصادي وارتفاع البطالة وضياع مستقبل الشباب وهجرتهم وتلاشي الأراضي الزراعية في بلدان تنعم بخصوبة الأرض ووفرة المياه.

ما يخلص إليه التقرير هو أن النموذج العربي التنموي هذا لم يعد قادرا على تلبية متطلبات الشباب والمجتمع ولا متطلبات التنمية. فهو يقوم على توفير خدمات اجتماعية ودعم أسعار السلع الأساسية، لذا فهو يحتاج إلى شركات كبيرة وقوية تستطيع أن توفر فرص عمل وتشكل قاعدة ضريبية واسعة ونموا اقتصاديا. وهذا لن يتم في ظل  أوضاع  فيها فساد وتعيينات لا تقوم على الكفاءة بل على المحسوبية والقرابة ومجتمعات ضعيفة غير قادرة على المحاسبة وتمثيل مصالحها والمطالبة بحقوقها.

أفرزت الثورات دروسا وعبرا للأمة العربية. تختلف الدروس التي استفادتها الشعوب عن الدروس التي اختارت السلطات اعتمادها. في الوقت الذي أدركت الشعوب أن العنف يولد الدمار وبالتالي فإن احتجاجات لبنان والعراق تثبت أنها وعت الدرس وأنها لن تنجر إلى العنف وحمل السلاح الذي أُجبر عليه الشعب السوري والليبي «وان كانت  بعض الحكومات تحاول جر المتظاهرين لاستخدام العنف باستخدام مندسين في بعض الحالات لتبرير قمعهم الوحشي». أما استنتاج  بعض الحكومات الاخرى  فهو أن الأمن والاستقرار يتطلب مزيدا من استخدام القمع والكبت ومنع حرية التعبير، ما يزيد من الفساد، بل ويرفض مبدأ الكفاءة في التعيينات.

الثورتان العراقية واللبنانية هما استكمال لما بدأ في 2011 في تونس ونجاحهما يعني استمرار المطالبة بالحرية والعدالة والدولة الديمقراطية المدنية العادلة. لكن نجاح ذلك يحتاج إلى تصفية الأجواء الصراعية والخلافات العقائدية والعداوات التاريخية بين فئات الشعوب العربية. وهذه مسؤولية تقع في جزء منها على رجال الدين والعلماء  المستنيرين في التصدي لمهمة صناعة التاريخ، وتأصيله من جديد على أسس علمية تزيل منه الحشو والدسائس. كذلك يحتاج الأمر إلى تنقيح بعض اوجه التراث وفق معايير خالية من التأثيرات السياسية التي خضعت لها بعض  العلوم الشرعية في فترات تاريخية مضطربة. فهل يرتقي العلماء إلى هذا المستوى من الفهم والحس الإنساني وتوخي المصداقية بعيدا عن نزعات  الآيديولوجيات  العقائدية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *