نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الخميس 10 نوفمبر 2022 

مقال الاسبوع – البطالة بين الشباب هي القضية الاولى في هذه الانتخابات وعلينا ايجاد معالجات لها. تجارب كثيرة تعاملت معها ونجحت في تدريب الشباب واعدادهم. في البحرين يحتاج الامر الى قرارات سياسية تتعامل مع كثرة العمالة الوافدة ومعالجة لاثارها على مستوى المعيشة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1315474

البطالة واعادة تأهيل العمالة

برزت في هذه الحملات الانتخابية عدد من القضايا هيمنت على برامج المترشحين، منها البطالة وخلق فرص عمل، جودة التعليم ومواءمته مع سوق العمل، تاثير الاجانب على السوق، الضمان الاجتماعي وقانون التقاعد وتنمية الصناديق التقاعدية، بالاضافة الى تقوية المجلس النيابي ليساهم في تطوير التجربة الديمقراطية. تناولنا في الاسبوع الماضي (اخبار الخليج 2 نوفمبر 2022) قضية تطوير التجربة الديمقراطية، ونتناول في هذا المقال قضية سوق العمل ومواءمة التعليم لخلق وظائف.

من اهم القضايا التي تشغل المجتمعات العربية بشكل عام والبحريني بشكل خاص قضية البطالة ومواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل وقدرته في خلق فرص عمل مجزية للشباب الذي فقد بعضهم الامل في حياة عائلية ومستقبل افضل مع ما يصاحب ذلك من تداعيات سلبية على حياة الشباب (ذكور واناث) والمجتمع والاستقرار الاجتماعي والسياسي. لهذه الاسباب تولي الدول العربية اهتماما بهذه القضية وتبذل محاولات لمعالجتها.

في مقال نُشر في موقع الاخبار العربية يتحدث عن ثورة في اعادة تأهيل الشباب لتمكينهم من المهارات المستقبلية ووضعهم في طريق الانتاجية. يقول المقال ان نسبة العمالة الماهرة في الدول العربية، في الوقت الحاضر، لا تتعدى 21% من مجمل سوق العمل. بالنسبة لكثير من الدول العربية هذا يعني نقص كبير في المهارات المهيئة للاستفادة من الفرص المستقبلية التي تتطلب مستوى عال من المهارات، يشير المستقبل الى تحولات متعددة تطال جميع القطاعات، فمثلا ما بين 41-52% من جميع الاعمال سوف تتحول نحو الاتمته. لذلك اصبح من الضروري وجود برامج موازية وسباقة في اعادة التأهيل لتمكين الشباب من الاستفادة واقتناص الفرص المجزية التي ستوفرها هذه التحولات. وهذا ما اشار له مؤتمر العمل العربي 48 الذي انعقد في سبتمبر الماضي.

تتمتع المنطقة العربية بميزة تنافسية كبيرة في حجم فئة الشباب (او مايسمى الميزة الديمغرافية) التي تمثل تقريبا نصف السكان. الفرصة متاحة لمثل هذه الحجم الكبير من العمالة ان تلعب دورا في الازدهار الاقتصادي في المنطقة اذا ما امتلكت المهارات المناسبة ومنحت الفرصة. يقول تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي نشر حديثا انه في حالة تسليح طلبة الابتدائية والثانوية بمهارات القرن الواحد والعشرين يمكن للشرق الاوسط ان يحقق قيمة مضافة تقارب 266 مليون دولار. تتوفر الان فرصة للدول العربية للاسراع في التعافي بعد الجائحة من خلال تحديث منظومة التعليم والتدريب المهني وقيم ومفاهيم التعلم مدى الحياة. تحقيق ذلك يحتاج الى دعم اكثر من جهة بما فيه الحكومات، والمربين والمؤسسات الربحية.

كذلك يحتاج الامر الى وسائل مبتكرة لاعادة تأهيل العمالة الوطنية الحالية بمعرفة خاصة ومهارات مطلوبة في القطاعات الاستراتيجية كالابتكار والابداع والثقافة الرقمية والتفكير النقدي والذكاء العاطفي والتعلم مدى الحياة وحل المشكلال المعقدة والتعاون. يحتاج هذا الاطار المهاري الى دمج في المنظومة التعليمية وفي الشركات لخلق مزيد من المواهب المطلوبة في سوق العمل.

من تحليل بيانات سوق العمل يمكن تحديد الكفاءات والمهارات بشكل ادق وتصميم استراتيجية اعادة التأهيل وفق متطلبات القطاع العام والخاص. مثال على ذلك ما قامت به ولاية انديانا الامريكية في نشر المهارات المطلوبة في سوق العمل وعدلت وطورت من نظام التعليم ليواكب هذه المتطلبات. يعمل التلاميذ على اكتساب هذه المهارات من الحضانة الى الثانوية العامة، تشمل هذه المهارات بالاضافة الى ما تقدم اهمية قيم المثابرة والنزاهة والتعاون.

في تجربة للحكومة السنغافورية تقوم بموجبها الشركات العاملة في قطاعات استراتيجية بتحديث البيانات حول مستجدات المهارات المطلوبة في القوى العاملة خلال السنوات الثلاث او الخمس القادمة، وبناء على ذلك تقوم الحكومة بتحديث خارطة التحولات الصناعية (والاقتصادية) والعمل على تصميم برامج التدريب لتوفير المهارات المطلوبة. يمكن للشركات والعمالة والتلاميذ الاعتماد على هذه الخرائط لاتخاذ قراراتهم في اختيار التخصصات والبرامج التعليمية والتدريبية لتوفير تخصصات المستقبل. مبادرة اخرى سنغافورية تستحق الاهتمام تسمى “التحويل الوظيفي”. حيث تتعاون الحكومة والقطاع الخاص لاعادة بناء مهارات جديدة للعمالة في منتصف حياتهم المهنية لجعلهم قابلين لاعادة التوظيف في وظائف جديدة.

في كثير من الدول تقوم شركات خاصة بتقديم مثل هذه البرامج المخصصة لسوق العمل والمصممة وفق متطلبات القطاعات المختلفة، وتقوم الحكومات بالرقابة على مستويات وجودة التدريب. يوفر نظام التدريب العملي في الشركات (ابرنتس- كما كان في بابكو في الخمسينات والستينات) فرص تدريب للطلبة وادماجهم في بييئة العمل في سن مبكرة تصقل مواهبهم وتكسبهم مهارات عالية الجودة.

تمكنت كثير من الحكومات دمج برامج الابرنتس في نظامهم التعليمي. تقدم سويسرى نموذجا على ذلك حيث ينخرط 70% من الشباب في برامج الابرنتس يختارون مهارات من بين 230 تخصص. يلتحق الطالب في سن 15-16 ببرامج مزدوجة بين التعليم المهني والتدريب العملي على رأس العمل (الابرنتس). يستمر البرنامج من ثلاث الى اربع سنوات يتخرج الطالب بدبلوم معترف به على مستوى الدولة. نجاح هذا المزج (بين التدريب والتعليم) يعتمد على تعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص. وضعت الحكومة السنغافورية برنامج مماثل تحت مسمى “مهارات المستقبل” يمنح الطلبة فرصة اكتساب مهارات واتقانها تمكنهم من الحصول على فرصة عمل مناسبة.

كيف يمكن الاستفادة من هذه التجارب في اعادة التدريب والتاهيل والتدريب العملي المبكر في الحالة البحرينية والخليجية والعربية؟ بالنسبة لدول الخليج، فان وجود نسبة كبيرة من العمالة الوافدة التي يمكن احلال العمالة الوطنية محلها بقليل من التدريب والتاهيل جعل المعالجة اكثر يسرا. غير ان المشكلة في الخليج لا تنحصر في التدريب والتأهيل بل هي مشكلة الحوافز التي تجعل صاحب العمل يفضل الاجنبي، والسياسات الحكومية التي تيسر جلب العمالة الاجنبية. ومن ناحية اخرى هناك مشكلة التعامل مع ارتفاع كلفة المعيشة في حالة الاستغناء عن العمالة الاجنبية الماهرة. لذلك لا بد ان تدمج المعالجة بين التعليم والتدريب واعادة التاهيل من جهة، واجراء دراسة لتحديد تاثير ذلك على مستوى المعيشة، وتصميم نظام ضمان اجتماعي يحمي الطبقة الفقيرة والمتوسطة من آثار هذه السياسات في حالة ارتفاع كلفة المعيشة.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *