- قمة شرم الشيخ .. اتساقها مع جهود التنمية
تاريخ النشر :28 يناير 2011
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
انعقدت القمة العربية الاقتصادية الثانية في مصر هذا الشهر وسط احداث تونس واثرت في جدول اعمالها ولكن هل اثرت في تفكير او في وجدان المجتمعين الذين “ربما” تناقشوا في كيفية وأدها وعدم تكرارها في مملكاتهم؟ في ختام هذه القمة اصدر القادة بيانهم بافتتاحية تقول “نحن قادة الدول العربية نجدد التزامنا الكامل بالاستراتيجيات التنموية والفكر الاقتصادي المتطور الذي تم إقراره في قمة الكويت 2009”. ويواصل القادة حديثهم عن حرصهم على “الارتقاء بمستوى معيشة المواطن العربي ومستقبله وأهمية تفعيل تطوير التعليم والبحث العلمي والتقني والابتكار والحد من الفقر ومكافحة البطالة”. هذا يطرح السؤال كيف يمكن تطوير التعليم والبحث العلمي والابتكار دون ان يكون الانسان حرا فيما يفكر وفيما ينشر من نتاج فكره؟ وكيف يمكن خلق تنمية بشرية في ظل الاستبداد والقمع ورفض المشاركة في الثروة؟
بدأ مسلسل فشل الانظمة العربية منذ عام 1950 حين تم اقرار اتفاقية الدفاع المشترك بجناحيه العسكري والاقتصادي وتدرج في الانحدار والسقوط الى ان وصل الى قمة الاردن عام 1980 وصولا الى قمة الكويت التي اقرت عدد من المبادئ دون ان تتحقق اي منها، وهاهم القادة يجتمعون اليوم ليقفوا على نتائج فشلهم في تحقيق اهداف التنمية، وانتهت قمة شرم الشيخ الاقتصادية بقرارات سوف تضاف الى سابقتها في ادراج التاريخ وتَفاقم القلق الشعبي حول مستقبل الامة.
نتيجة هذا الفشل تتجلى في تبعية القرار العربي لقوى اجنبية كما يظهر في الوضع السياسي الذي تخلف عن الركب العالمي وخسر اهم قضاياه. فمازال البعض يعيش حكم الحزب الواحد، والقبيلة الواحدة والرجل الواحد، والفكر الواحد مع تزايد حالات القمع والتعذيب، في حين أن التعدد والديمقراطية هي سمة العصر، وهي التي مكنت دولا كثيرة من تحقيق قفزات تنموية كبيرة مثل تركيا ودول شرق اسيا وامريكا الجنوبية.
يعبر نائب رئيس الوزراء الكويتي عن هذا القلق بوضوح في كلمته الافتتاحية ان «العالم العربي يشهد اليوم حراكاً سياسياً، فهناك دول تتفكك ودول تشهد انتفاضات ما يدعو إلى التساؤل هل يستطيع النظام العربي أن يواكب هذه التحركات وأن يواكب المعاناة بما يضمن للمواطن العربي أن يعيش بكرامة إنسانية؟». وذهب السيد عمر مؤسى الى ابعد من ذلك في وصف مظاهر الفشل والانحدار في الوضع العربي فيقول ان “النفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة والفساد والتراجع العام للمؤشرات الحقيقية للتنمية بالاضافة الى المشاكل الاقتصادية التي لم نستطع حلها”. مشيرا الى ان “الاغلبية تطحنها عجلات الفقر والبطالة والتهميش”. وهذا التهميش هو مظهر ومؤشر من مؤشرات الاستبداد الذي لم يعترف بوجوده الحكام. لذلك، ندعو الى وضع مؤشرات تسهل لهم المهمة مستمدة من كتاب عبدالرحمن الكواكبي.
يُعرٍّف عبدالرحمن الكواكبي الاستبداد على انه وجود حكومة ” لا يوجد بينها وبين الامة رابطة قانونية معلومة متفق عليها ومصانه بقانون نافذ على الجميع”. ويطرح الكواكبي عدد من الاسئلة يضع من خلالها مؤشرات الاستبداد، اولها الى اي حد “تخصص الحكومة بنفسها لنفسها ما تشاء من مراتب العظمة والمال وتُحابي من تشاء بما تشاء من حقوق الامة واموالها؟”
المؤشر الثاني هو ان “الحكومة الاصلح هي المَلَكية المقيدة والخاضعة لشروط الكفاءة والمراقبة، وتقوم بوظيفة ادارة شئون الامة مقيدة بقانون موافق لرغائب الامة” والمؤشر الثالث هو “هل إعداد القوة بالتجنيد والتسليح مفوضا لارادة الحكومة أم خاضع لرأي الامة وتحت امرها لتكون القوة مُنَفًّذة لارادة الامة؟ لا رغبة الحكومة”. ويستمر في طرح الاسئلة ووضع المؤشرات الى ان يقول “هل العدل هو ماتراه الحكومة ام مايراه القضاة المستقلين من كل ضغط؟”. ولا يفوت الكواكبي النظر الى الحالة الاقتصادية في مؤشراته من خلال مؤشر التوسع في الصناعة والزراعة والتجارة ويتساءل هل يترك ذلك لنشاط الامة ام تلتزم الحكومة بالاجتهاد في تسهيل مضاهاة الامم السائرة كي لا تهلك الامة بالحاجة لغيرها او تضعف بالفقر؟
وفي جهد حديث قام به مركز دراسات الوحدة العربية في 2009 ونُشر في كتاب بعنوان “مؤشرات قياس الديموقراطية في البلدان العربية”، يلخص فيه ماتوصل له مرصد الاصلاح العربي في خمس مؤشرات للديموقراطية في العالم العربي شمل مؤشر الاصلاح الدستوري ومؤشر اصلاح المؤسسات التشريعية ومؤشر اصلاح الهيئات القضائية ومؤشر المشاركة السياسية والمؤشر الخامس يتعلق بالحقوق والحريات العامة وتداول المعلومات.
والان نعود الى القمم الاقتصادية العربية، فقبل قمة الكويت تم طرح السؤال الكبير هو إلى متى يستمر العرب في تكرار أخطاءهم التاريخية؟ (اخبار الخليج- 29-1-2009) وبعد قمة شرم الشيخ نقول الي متى تستمر الانظمة في عدم تحمل مسئولية الفشل؟ فحالات الاستبداد والتسلط والفساد وغيرها من القضايا التي تعيق التنمية في الدول العربية وتعيق تنفيذ توصيات المؤتمرات والقمم يجب ان تتحمل مسئليتها الانظمة التي اوصلت الامة الى هذه الحالة من الفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. بعد االثورة التونسية عبرت العديد من قيادات الدول العربية عن حق الشعب التونسي في اختيار قيادته، فماذا عن حق شعوبهم؟ ان اصرارهم على التمسك بالسلطة يجعل مصير الامة العربية رهنا بقرارات القوى الاجنبية التي تستغل ضعف الانظمة وخلافها مع شعوبها واعتمادها على الاستبداد فيتم ابتزازهم واخضاعهم لارادة ومصالح هذه القوى الاجنبية على حساب قضايا الامة وتنميتها وتقدمها.