نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٠ أكتوبر ٢٠٢١

مقال الاسبوع – اكد جلالة الملك على اقيم المحبة والحرية والرخاء فهي قيم مرتبطة مع بعضها، المحبة ترفض الكراهية والحرية ترفض عدم المساواة وترفض التمييز في الحقوق وفي المواطنة والرخاء للجميع هي القيمة التي توحد المجتمع. لا يمكن للمحبة ان تسود في ظل الكراهية ولا حرية وتقدم بدون ديمقراطية وتمثيل حقيقي ولا يجوز الرخاء للبعض؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1271153

تفضل جلالة الملك بالقاء خطابه السامي بمناسبة افتتاح المجلس النيابي في دورته الرابعة من الفصل التشريعي الخامس تناول فيه عدد من القضايا الهامة واكد على القيم التي ينبغي ان تحكم المجتمع ومجلس النواب والجهات الحكومية والمنظمات الاهلية، وتنظم العلاقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع. فقد اكد جلالته على ان العمل العام والخاص يببغي ان يلتزم بقيم “المحبة والحرية والرخاء” في سعيه نحو التنمية وتوفير الضمان الاجتماعي، ووفق مستوى حضاري رفيع في تقديم الخدمات والتعامل مع افراد المجتمع.

ان سيادة المحبة في المجتمع تجعله يرفض البغض والكراهية والتنابز بالالقاب والاتهامات، ويؤمن باحترام حق الاخر في حرية الرأي وحقه في الاختلاف، وتعزز الترابط المجتمعي واللحمة الوطنية. مثل هذا المجتمع يتقبل النقد الذاتي المفضي للاصلاح، ويتقبل التعددية في الرأي والمعتقد ويوفر بذلك البيئة الصالحة للابداع الفكري وتنمية المعارف والقدرات الابتكارية. لا يمكن للمجتمع الذي تسوده المحبة الا ان يكون مجتمع يعظم المساواة بين الناس ويرفض ايثار النفس وتزكيتها، ويدافع عن الضعفاء ويسن التشريعات التي تنصفهم وتوفر لهم الضمان الاجتماعي والفرص للتمتع بالحياة الكريمة وبخيرات البلاد ويعم فيه الرخاء الذي اعتبره جلالته قيمة اساسية ثانية تعبر عن تطلعات متفائلة بنجاح التنمية المستدامة والتحول نحو اقتصاد يقوم على الانسان وقدراته ومهاراته ومعارفه. المجتمع الذي تشيع فيه المحبة يؤمن بالمساواة ويحب الخير للجميع ويرفع من شأن العلم والمعرفة والتنافسية القائمة على المهارة والكفاءة.

القيمة الثالثة التي اكد عليها جلالته هي الحرية وهي مرتبطة بالمستوى الحضاري ومحددة له. الحرية هي قيمة اساسية تميز الانسان عن باقي الخلق، فالحرية هي مناط التكليف، الحرية اعطت الغرب آلية النقد الفكري والذاتي الذي نقلها من التخلف الى قيادة الحضارة الانسانية. الانسان الذي يُقدر حريته يحترم حرية الاخرين. بالحرية تتلاشى الاحتقانات في المجتمع وتُرفض التناقضات والرياء الذي يفسد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. الحرية هي المظهر الحضاري الاهم الذي يميز الامم المنتجة والنامية، بها تبرز افضل الحلول التوافقية الدافعة لعجلة التقدم الحضاري والثقافي والقيمي. بالحرية يعالج المجتمع اختلافاته بالطرق الديمقراطية الحضارية السلمية. بالمحبة والحرية تسود الاخلاق العالية وتتعزز المساواة وتُخلق البيئة الخصبة للتنمية والرخاء والازدهار، وتتعزز الفردانية التي تولد الابتكار والابداع والريادة.

 في ضوء هذه القيم وجه جلالته الخطاب الى خمس جهات هي المجلس النيابي والحكومة وغرفة التجارة وضمنيا مجلس التنمية الاقتصادية بالاضافة الى المجتمع ككل ومنظماته المدنية. التركيز على هذه الجهات اتى في سياق الاداء الاقتصادي. فقد اثنى جلالته على الحكومة في ادارتها لتحقيق التعافي الاقتصادي، ووجه نحو التعامل مع التحولات العالمية المتسارعة لتعزيز التنافسية. يعبر هذا التوجيه عن تناغم بين القيم التي اصل بها جلالته لبيئة منتجة وبين متطلبات التنافسية والانتاجية المعتمدة على الانسان والمعرفة ورأس المال الاجتماعي القائم على الثقة بين فئات المجتمع الذي تكرسه قيم المحبة والحرية. هذا يعني ضمنيا دعوة للحكومة والجهات المعنية الاخرى بوضع سياسات وخطط لخلق رأس المال البشري المناسب من خلال تطوير منظومة التعليم والتدريب والبحث العلمي بشكل خاص واعادة النظر في سياسات سوق العمل لتصحيح التشوهات الناتجة من رخص العمالة الوافدة. ودعا جلالته الحكومة ومجتمع الاعمال الى خلق فرص عمل نوعية تستفيد من مخرجات التعليم ونتائج الابحاث.

كذلك وجه جلالته مجتمع الاعمال بصفة خاصة الى بذل جهد اكبر في المشاركة الفاعلة في مبادرات تنموية شاملة الابعاد مع التركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. خص جلالته الاستثمار الصناعي في خطابه لرجال الاعمال كما بين اهتمام بالتصنيع الحربي كرافد للاقتصاد وكذلك الاهتمام بعلوم المستقبل والتعامل بفاعلية مع التحديات البيئة. وفي ذلك سيحتاج مجتمع الاعمال الى دعم مباشر من قبل الحكومة لانجاح التوجه نحو التصنيع والتحولات البيئة. لكنه بالدرجة الاولى سيحتاج الى تغيير في العقلية التجارية السائدة في مجتمع الاعمال وتحولها نحو عقلية انتاجية، كما يحتاج من الحكومة اخذ زمام المبادرة في هذا التحول.

فماهي مقترحات رجال الاعمال وغرفة التجاة تجاه تنمية الاقتصاد وفق الدعوة الملكية؟ ترى الغرفة اولا اهمية فتح نقاشات بين مختلف الاوساط الصناعية والتجارية للخروج بافكار تسهم في احداث نقلة نوعية للاقتصاد. ثانيا تحتاج الى ورش عمل تناقش كيفية الارتقاء بالوضع الاقتصادي من حيث زيادة الانتاجية وتحسين بيئة الابتكار والريادة. اي الاستثمار في المعدات الرأسمالية التي ترفع انتاجية الفرد بدلا من العمالة الرخيصة. تحويل الاقتصاد الى منتج يحتاج ان يتبنى مجتمع الاعمال مشاريع صناعية، هذا التوجه يفرض دعم حكومي فعال وهذا ما اكد عليه جلالته.

يحتاج مجتمع الاعمال الى بحث قضية الضريبة على ارباح الشركات المحلية والاجنبية وتاثيرها على الاستثمار الاجنبي ودراسة جدوى الاستثمار الاجنبي ومساهمته الحقيقية في الاقتصاد من حيث خلق فرص عمل نوعية للمواطنين، وزيادة الصادرات وان لا يعتبروا ميزة البحرين التنافسية تقتصر على الايدي العاملة الرخيصة وعدم وجود ضرائب، لتكن الميزة التنافسية هي زيادة انتاجية المواطن البحريني وارتفاع مستواه التعليمي وانفتاح البيئة المتسمة بقدر كبير من الحرية المحفزة على الابتكار. اعلن رئيس الغرفة عن بنك افكار تراكم على مدى من الزمن ستطرح ونحن نتطلع الى طرحها للنقاش وبلورة افكار تنموية عملية منها، تضاف الى توصيات الاسرة التجارية التي استخلصت من مؤتمر اللجان الثاني. 

تحقيق مثل هذا التحول يحتاج من جميع الجهات تغيير في المقاربة الادارية الحالية. يحتاج الى بناء قدرات فردية ومؤسسية ومجتمعية تستوعب التغيير وتستجيب له وتتقبل نتائجه. كما يتطلب البدء بوضع رؤية لتعريف القيم التي اكدها جلالته وتاثيرها على العلاقات المجتمعية ووضع استراتيجية مناسبة مع منظومة لتقييم السياسات وقياس النتائج. مطلوب منظومة قياس متعددة الابعاد تشمل الجانب المادي وغير المادي، الالي والانساني، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري. منظومة قياس تجعل المواطن في قلب التنمية كما اراد لها جلالته. النجاح في تحقيق توجيها جلالة الملك وتطلعات المجتمع سوف يقاس وفق رأي المستفيد من الخدمة وليس وفق تقييم مقدمي الخدمة.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *