نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الاسلام والعلمانية في مجلس الدوي

تاريخ النشر : 18 ابريل  2010  

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الرغبة في التقدم والتنمية واللحاق بالركب العالمي تجعل المفكرين العرب يحاولون ايجاد معادلة سياسية واجتماعية واقتصادية تحقق هذه التطلعات. فنجد دعوات كثير من الاسلاميين الذين يرون بان الاسلام هو الحل واخرون من ليبراليين وعلمانيين وديمقراطيين يرون ان الحل هو فصل الدين عن الدولة.

وفي مجلس الدوي في الاسبوع الماضي تصدى الدكتور حسن مدن الى هذه القضية بطرح العلمانية على انها فصل الدين عن الدولة. فالعلمانية كما عرفها المحاضر هي ثورة على التسلط الذي قادته الكنيسة الكاثوليكية في الغرب باسم الدين فصادرت بذلك الحق في التفكير واحتكرت التفسير ونصبت وخلعت الملوك واستعبدت الناس فكانت الثورة التي بدأها مارتن لوثر كنج وانتهت باقامة الدولة القومية العلمانية التي لا تدين بدين معين بل تقر بحق الجميع باتباع الدين الذي يرتضيه.

من مداخلات  الاخوة الاسلاميين ومن كتابات بعضهم نجد ان المقارنة التي يوردونها هي بين واقع مطبق من العلمانية مثل الديمقراطية ودولة المؤسسات وبين مبادئ اسلامية غير مطبقة في الوقت الحالي ولا توجد دولة اسلامية تقوم عليها. فهم يسردون المبادئ الاسلامية والنماذج الرائعة في العدل والمساواة والاخاء والتسامح في عهد النبوة والخلافة الراشدة. هذه النماذج لو قدر لها ان تطبق اليوم لما اختار احد غيرها. لكن هذه النماذج انحسرت وتحولت الى سلطة سياسية استبدادية تحكم باسم الاسلام من دون ان تطبق ايا من مبادئه. فحبست الاسلام في دور العبادة. والغت الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغت الجهاد. وهذا هو الوضع في الدول العربية الى يومنا هذا.

نشأت العلمانية لمعالجة قضية مشابهة للقضية التي نحن بصددها في العالم العربي والاسلامي وهي التسلط والاستبداد والانفراد بالسلطة والاستحواذ على الثروة واستخدامها لتعزيز السلطة السياسية. ويقول الاسلاميون ان الاسلام هو الحل! اي اسلام يرون؟ هل الاسلام الذي تمثله جماعة الاخوان المسلمين ام اسلام الاصوليين ام التكفيريين الذين يقاتلون الجميع ام المذهب الجعفري وتفرعاته ام الصوفية؟ واي دول اسلامية يرون واين النموذج الناجح؟ ان المنادين بالاسلام هو الحل لم يقدموا توضيحا لرؤيتهم ولم يجيبوا عن تساؤلات مثل من سيحكم وكيف سينصب في الحكم ومن يختاره وكيف وماهي مدة حكمه ومن سيعزله؟ وماهي علاقته بالقضاء والتشريع؟ للاسف فشل رجال الدين في اعطاء نموذج عملي عصري.

اتسمت الحضارة الاسلامية بتطور الفقه في جوانب عديدة – كما اتسمت الحضارة اليونانية بتطور الفلسفة. فهناك فقه العبادات وفقه المعاملات وغيرها من علوم الفقه. لكن لم يتطور الفقه السياسي الاسلامي بسبب خشية رجال الدين من بطش الحكام. فيقول الدكتور خالج سليمان الفهداوي في كتابه الفقه السياسي الاسلامي، “ان التصارع السياسي القائم بين النظريات الثلاث الشورى والتعيين والملك ادى الى ان اولي الامر نظروا بريبة الى كل من يريد تاصيل هذا العلم وادى التصارع السياسي الى تغييب المنهجية الحقيقية في التداول السياسي، ويرى ان من كتب في هذا الباب مثل الماوردي وابن تيمية “كانت كتاباتهم توجيهية لاولياء الامور وليست تاصيلية للفقه السياسي. وحتى هذه الجهود والمنظومة الفكرية التي نتجت عنها انهارت مع انهيار الدولة الاسلامية في بغداد عام 656هـ”.

بين النقابي محمد المرباطي في مداخلة ان هناك محاولات من اسلاميين مرموقين للتوفيق بين الافكار الغربية العلمانية والاسلامية من خلال ربط الشورى بالديمقراطية. كما فعل الطهطاوي وغيره من المفكرين ورجال الدين الاسلاميين. ويبين في ورقته “مصارد الفكر العلماني العربي منذ مطلع القرن الثامن عشر “ان رجل الدين العربي عبدالرحمن الكواكبي صاحب كتاب طبائع الاستبداد يقول :ان الحكام والساسة الذين يحاولون الخلط ما بين الدين والسياسية… موقفهم لا اصل له في الاسلام؟ وبناء عليه فان العلمانية كما كانت ضرورة تاريخية للشعوب الاوروبية فقد تكون ضرورة لمعالجة الخلل في المجتمعات العربية من خلال الديمقراطية التي هي تجسيد عملي للنظام السياسي العلماني من دون التعارض مع الاسلام.

لذلك يتحمل رجال الدين مسئولية كبيرة في تعطيل هذا الجانب الفقهي في الاسلام وتخلفه عن المفاهيم والمبادئ الاسلامية التي دافع عنها رجال محتسبون من امثال صائغ مرو  الذي تكفن وواجه الموت في سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين وقف في وجه ابو مسلم الخرساني الذي امر بقتله. وحقق بذلك الحديث “أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر- يقتل عليها”

اما اليوم فلدينا نماذج من رجال الدين في مجلس النواب ممن يراؤون الحكام ويقفون ضد مصلحة الوطن في استرجاع املاك الدولة ووصف كتلة الاصالة والمنبر بالخوارج بسبب وقفتهم مع الوفاق في مصلحة وطنية بالرغم من الحديث “اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *