نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لتجعل من توصيات المجلس فرصة لمعالجة الأزمة

تاريخ النشر :7 أغسطس 2013

بقلم: د.محمد عيسى الكويتي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12920/article/40854.html 

في جلسته الاولى التي اقيمت نهاية الشهر الماضي قدم المجلس الوطني توصيات تهدف إلى اخراج البلد من مرحلة العنف والارهاب والتطرف وجاءت التوصيات على شكل تشديد العقوبات على جرائم تؤدي إلى القتل او الشروع في القتل او التعدي على الممتلكات. هذه الممارسات يجرمها القانون البحريني الحالي حفاظا على الامن والسلم الاهلي. والان فان الوقت قد حان لتغليب صوت العقل والرجوع إلى التفكير البناء الذي يبحث عن حلول.
نعتقد ان المجتمع يطالب الجمعيات السياسية جميعها إلى العمل معا، بشكل جماعي او ثنائي او في اي صورة شاءت، لوضع تصور جدي لحل الازمة بما يؤمن حقوق الشعب وفي نفس الوقت يحفظ كيان الدولة ويؤسس لاعادة بناء ما خسرناه في المجال التنموي والسياسي والاجتماعي ويهيئ لاستعادة اللحمة الوطنية التي اصابها الشحن الطائفي في مقتل. نطالب الجميع بالنظر إلى ما حولنا والاعتبار به. الدول العربية جميعها تعاني من الاقتتال بسبب الاستبداد والتطرف الديني والخلافات المذهبية المدمرة والعنف الذي يؤزم الامور ولا يعالج قضية.
هذا يتطلب من الجمعيات التفكير بجدية في التجرد والتخلي عن نظرتها الضيقة وتجاربها السابقة مهما كانت مريرة والتفكير في مستقبل البلد الذي هو اكبر من الجميع ويحوي الجميع. لقد مرت البحرين بمرحلة عصيبة واليوم امامنا فرصة لوضع حد للتصعيد الامني والعنف الذي وصل إلى حد الارهاب في كثير من الاحيان.
اختلفت قوى المجتمع البحريني في كثير من محطاته التاريخية واستطاع الخروج اقوى مما كان. في جميع تلك الحالات غلبت النظرة البعيدة التي تضع المصلحة الاستراتيجية البعيدة نصب اعينها. اليوم هناك حاجز كبير بين الجمعيات السياسية تسببت فيه اعمال العنف والشحن الطائفي الذي ساهمت فيه جهات كثيرة. غير ان القيادات الوطنية والرجال التاريخيين هم من يستطيعون اقتناص الفرص من الركام والخروج بحلول ابداعية ومشاريع تصالحية شمولية تعالج القضيا الرئيسية على ارضية من المواطنة والمساواة والعدالة. اين هي هذه القيادات المجتمعية التاريخية؟
يقول محمد يتيم في كتابه «في نظريه الاصلاح الثقافي» ان ادوات الحضارة خمس وهي الدولة والامة والوطن واللغة والرسالة. والرسالة هي المشروع الوطني الشامل (السياسي والثقافي) وهذا صناعة ثقيلة تتصدى لها القيادات الاستراتيجية. اين هي هذه القيادات المجتمعية اليوم ولماذا تختفي من المشهد البحريني؟ عليها دور في تقريب وجهات النظر وتجنيب البلد الدخول في نفق امني قد تكون ضحيته حرية التعبير والعدالة.
نوجه خطابنا هذا إلى قيادات الجمعيات السياسية ونذكرهم بان جوهر العمل السياسي هو معالجة قضايا الامة ووضع البرامج والمشاريع الكفيلة باخراجها من ازماتها. العمل السياسي هو الذي يوفر القيادات الرشيدة التي تقبل التنازلات وتجيد المناورات للتوصل إلى حلول تلبي طموح المجتمع. المرحلة لم تعد تتحمل قيادات تقتصر قدراتها القيادية على المناكفات وتصلب المواقف والجمود عند مرحلة زمنية تجاوزتها الاحداث ولم تعد تعبر عن متطلبات المرحلة. يبدو ان الجمعيات السياسية فقدت القدرة على الابتكار واخذت تتمترس في مواقعها ولا احد يجرؤ ان يخطو الخطوة الاولى والكل ينتظر المبادرة من الآخر وتحميل المسؤولية على الغير. في هذه الازمة جميع الاطراف تتحمل مسؤولية ما حدث وبالتالي فان الحلول هي مسؤولية جماعية كذلك.
بالرغم من ان صدور التوصيات هو امر ضروري لمواجهة العنف غير ان هناك مخاوف من ان يمس التطبيق روح الميثاق الوطني وما منحه من حريات تعبير سلمية. الفريق الذي وضع الميثاق ادرك ان بقاء اي نظام يكمن في وجود قنوات اصلاح تبدأ بالنقد وابداء الراي والاحتجاج السلمي. ومصلحتنا في استمرار النظام الحاكم تقتضي ان ندافع عن وجود مثل هذه الضمانات لحرية التعبير. لا يمكن للنظام اصلاح نفسه متى ما فقد القدرة على النقد واظهار ما به من خلل، والطبيعة الكونية وسنن الحياة تقول ان الاصلاح واستمرار التكيف مع مستجدات الواقع هو سر بقاء الانظمة، والنظام الذي لا يستجيب للمتعيرات ولا يقرأ الاحداث والتطور التاريخي لن يبقى. لا يمكن لاي نظام ان يعيش اذا اغفل او عطل هذه القاعدة فالتاريخ غدار(هيجل).
لذلك نرى اولا ان المحافظة على حقوق الانسان في تطبيق هذه التوصيات والمراسيم الصادرة لتنفيذها مسؤولية كبيرة ملقاة ليس فقط على عاتق القضاء بل على المجتمع ككل بمنظماته ومؤسساته الحقوقية والاجتماعية. وعلينا ان ندرك ان هذه التعديلات لا تمثل نهاية المطاف؟ ولا نعتقد ان القيادة لجأت إلى هذا الحل ليكون نهائيا وانما هو لتمهيد الارضية والبيئة المناسبة للخروج من الازمة بحلول عملية مقبولة تتقدم بالبحرين خطوات نحو الديمقراطية، وبما يضمن محاربة الفساد ومحاربة كل ما من شانه ان يعطل المسيرة التنموية والتوزيع العادل للثروة.
ثانيا من المهم جدا الاصرار عمليا على ان هذه الاجراءات ليست موجهة ضد طائفة او ضد فكرة التحول الديمقراطي او ضد فكرة النقد وحرية التعبير والرأي او ضد قيم الاصلاح والوحدة الوطنية. نحن متفائلون ومؤمنون بحكمة الاجهزة ويقضظ المنظمات الحقوقية لكي لا تتحول هذه الاجراءات إلى تقويض ما بنيناه في مسيرتنا الديمقراطية. وثالثا نطالب المجلس الوطني بعقد اجتماع في وقت قريب لمناقشة الازمة باحداثها ووضع المقترحات والحلول العادلة التي تخرج البلد من ازمته وان يؤسس لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *