- لتنمية المستدامة وتكامل الجهود ضد الفقر
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠٧ يونيو ٢٠١٧
مقال الاسبوع- برنامج “تم” يطرح مشكلة الفقر في البحرين ووزير العمل يقول بضرورة محاربته، كيف نحارب شيء نخجل ان نعترف بوجوده ولا نحدد حجمه؟
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1075976
نظمت جمعية البحرين للتوافق الاجتماعي والوطني المؤتمر الخليجي السوداني الثاني للتنمية المستدامة (خليجنا يجمعا) يوم 20 مايو الماضي في جمعية المهندسين حضرها سعادة وزير العمل. في كلمته في المؤتمر اكد الوزير ان مسئولية التنمية المستدامة هي مسئولية الجميع وتتطلب تظافر الجهود الرسمية والاهلية لانجاح ما يوضع من خطط وبرامج. كذلك اكد باهمية وضرورة المشاركة المجتمعية الفاعلة والمؤثرة مع جهود الحكومات والمؤسسات والافراد ومنظمات المجتمع المدني للقضاء على الفقر بجميع اشكاله، كما شدد على أهمية ضمان العمل اللائق للجميع.
تذكرت هذا الحديث وهذا الاصرار من قبل سعادة الوزير على تظافر الجهود للقضاء على الفقر وضمان العمل اللائق للجميع عندما شاهدت حلقة من برنامج تلفزيون البحرين “تم” يوم الخميس السادس من رمضان والذي ظهرت فيه سيدة تنهار بكاءا لرؤيتها الهدايا التي كانت تحلم بها لتقديمها لابنائها واهلها والتي لم تتمكن من تقديم ابسط شيء لهم في ظل وطأة العيش وثقل الديون عليها. ووصلت الى حالة من الانكسار عندما تم اعطاءها مبلغ لسداد الدين الذي ترزح تحته والذي يحتاج الى سنوات لسداده.
هذا المشهد يطرح تساؤل على كل من يشعر بالوطن والمعاناة التي تتعرض لها شريحة كبيرة من المجتمع: كم انسان بحريني يعيش ظروف هذه المرأة؟ اولا نود ان نشيد بالبرنامج على طرح قضية الفقر بشل غير مباشر. البرنامج على مدى الشهر قد يعالج مشاكل 30 شخص. لكن حجم الفقر في البحرين غير معروف ولا يوجد تعريف واضح له ويحتاج الى حلول تتجاوز قدرة البرامج التلفزيونية.
عندما تحدث سعادة الوزير عن الفقر وتظافر الجهود للقضاء عليه هل كانت صورة امثال هذه السيدة ماثلة امامه؟ نحن على يقين بان سعادته يعلم ويتالم من الداخل بوجود الكثير امثال هذه السيدة، كم 30 حالة من هذا النوع في البحرين. وهل يمكن للوزير تقديم العلاج من خلال ميزانية وزارة العمل؟ الامر يتطلب تظافر الجميع ونعني الجميع لوضع مقدرات وخيرات البحرين على طاولة القسمة العادلة وتحت المجهر ووفق ما جاء في الرؤية 2030 من قيم العدالة والتنافسية والاستدامة.
في غياب تعريف واضح للفقر، لا يسعنا الا ان نستشف حجم الفقر بشكل تقريبي من خلال الارقام التي طرحها وزير العمل في مناسبات اخرى. فمثلا يوجد 45 الف بحريني يقل راتبهم عن 300 دينار وان 120 الف بحريني يستلم معونة الشئون الاجتماعية، ثلثي من يستلم المعونة تقريبا يتقاضون رواتب تقل عن 500 دينار. في 2004 وضمن دراسة مكنزي تم الاعلان عن مستوى الفقر في البحرين، وكان 370 دينار شهريا تقريبا لعائلة من اربعة افراد. فهل يجوز اليوم، وبعد مرور اكثر من عقد ان يكون بيننا 45 الف يتقاضى راتب اقل من 300 دينار، فما تصنيف هؤلاء وهل هم في ازدياد ام في انحسار؟
هذا يفرض علينا كمجتمع وكدولة نفطية ان نتحمل مسئولية ذلك ونعمل على وضع الحلول. الحلول المطلوبة ليست حلول فردية انتقائية في برنامج او استجابة من المسئولين لعرض حالة معينة في الصحافة. بالرغم من ان هذا توجه انساني يشكر كل من يقوم به، لكن المطلوب حلول مؤسساتية وتشريعية وتنموية تعتمد على توزيع عادل لايرادات الدولة. لا ينبغي ان يقبل المجتمع والدولة بان يصل حال البحريني الى هذا الحد من العوز والحاجة والاذلال على مرآى الناس ومسامعهم؟
بتاريخ 3 يونيو الحالي تم توقيع اتفاقية بين مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” وبين منسق الامم المتحدة الممثل المقيم لبرنام الامم المتحدة الانمائي، الاتفاقية هي عبارة عن مشروع تعاون مشترك لاعداد تقرير مملكة البحرين للتنمية البشرية. احد بنود برنامج التنمية المستدامة هي محاربة الفقر. فهل سيكون ضمن هذا التقرير حصر الفقر في البحرين وتعريف حد الفقر النسبي ورصده على مدى العقدين الماضيين ووضع البرامج الكفيلة بمعالجته.
هذه فرصة لمركز “دراسات” ان يلبي طلب الكثير من الكتاب والاقتصاديين الذين كثيرا ما طالبوا بوضع تعريف الفقر بالنسبة للبحرين كنقطة بداية لوضع العلاج. وجود الفقر لا يمثل عيبا، ولكن العيب ان نتجاهل وجودهم ونتحاشى تعريف من هو الفقير ونمتنع عن التصريح بعدد هؤلاء الفقراء.
الاقرار بوجود الفقر هو بداية العلاج ووضع البرامج والخطط لتقليل نسبتهم سنة بعد اخرى. لا يجوز ان تكون خيرات البحرين موجودة ومتوافرة وتتعرض في كثير من الحالات الى التبذير والاسراف والمبالغة في المخصصات ويوجد بيننا من هم في حالة هذه السيدة. بل قد توجد حالات اكثر مأساوية يمنعها العفاف من الظهور او الشكوى.
كما ان العلاج يجب ان يتوجه الى التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل مجزية للموطنين بشكد جدي وفعال وبتدخل من الدولة وكذلك محاربة الفساد والهدر. سيبقى الاقتصاد محدود القدرات ويعمل في مستوى متدني من التقنية والخدمات وغارق في جلب العمالة الرخيصة لمنافسة البحريني والضغط على الرواتب للادنى ما لم تتدخل الدولة كما فعلت في السبعينات.
وفي ختام هذا المقال نرى انه من المناسبة الاشارة الى مقال الدكتور ابراهيم الشيخ بتاريخ 18 مايو الماضي في وصف ما يحدث للمال العام والحالات الذي يتم توزيعه واستثناء الفقراء من هذا التوزيع ليقيهم العوز ومذلة الظهور على الشاشات وامام الملاء لاظهار ضعفهم وعوزه، وفي ذلك ادانة للمجتمع وللدولة لايصال المواطن الى هذا المستوى من العوز. وان الفقير يعاني في كل ما يحتاجه، فهو يعاني في التوظيف ويعاني في العلاج وفي الحصول على خدماته المستحقة، وبدون واسطة تنقذه من مصيره فهو مصدوم في كل ما يحاوله.