نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لجنة الدعم – وخيارات اخرى لمعالجة اقتصادية

يعقد مجلس النواب اجتماعات مع الحكومة لتفعيل الاوامر الملكية حول اعادة توجيه الدعم. توجيه الدعم على مستحقيه هي قضية كان يجب ان تتم منذ امد طويل، فقد كان الدعم يصل الى الجميع منافيا لمعايير العدالة وفاقدا للمعنى من الدعم وهو مساعدة العائلات المستحقة من المجتمع البحريني. 

غير ان اعادة هيكلة الدعم هي قضية منفصلة ومستقلة تماما عن قضية نقص ايرادات الدولة ومستقلة تماما عن العجز في الميزانية ومستقلة عن ارتفاع الدين العام. والتعويل على توجيه الدعم لمعالجة مشكلتنا الاقتصادية هو في غير محله. توجيه الدعم لن يعني الغائه بل هو اعادة هيكلة لتحديد الفئات المستحقة. وفي النهاية فان الدعم في ميزانية 2017 هو 382 مليون دينار وبعد اعادة الهيكلة سيكون التوفير محدودا جدا اذا التزم النواب والحكومة بمعايير عادلة لتحديد من هي الفئة المستحقة والمحتاجة للدعم وماهي معدلات الدعم العادلة لتحقق الهدف من الدعم. 

يقول رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب بانه ستكون هناك جهة واحدة مسئولة عن ادارة الدعم بدلا من تعددها. وهذا توجه سليم وقد يعالج الكثير من الازدواجة وبعثرة الدعم. كما اشار الى وضع معايير توسع الدائرة في تعريف الجهة المستحقة لتشمل الطبقة الوسطى التي تآكلت بفعل الضرائب والرسوم ومحدودية فرص العمل المجزية. 

لا شك ان عمل اللجنة مطلوب كعلاج مستعجل وآني لاعادة هيكلة الدعم لكنه ليس النهاية. ولا يجب ان يكون!! ولا يجب ان تسود النظرة ان الخيار الوحيد هو جيب المواطن والضرائب فهناك خيارات اخرى تحتاج الى بحث اخطاء الماضي في استخدام الايرادات لتحديد اين يذهب معظم ايرادات النفط ومازال. هناك قنوات استفادت بسخاء من الايرادات وعليها ان تسهم اليوم في دفع الضرائب على الثروات.

مشكلتنا لا تكمن في اعادة توجيه الدعم فهذه قضية تتعلق بتحسين كفاءة استخدام موارد كانت تصرف دون حسن ادارة مثلها مثل معظم موارد الدولة. مشكلتنا ليست “تحديات يمكن تجاوزها باقل وقت ممكن، او انها وضع استثنائي يمكن تجاوزه بحزمة من الاجراءات مثل توجيه الدعم” كما سماها نائب رئيس الوزرا معالي الشيخ خالد بن عبدالله. مشكلتنا تكمن في وضع تصور شامل للوضع الاقتصادي وكيف نواجه مستقبل اصبحت اهمية النفط فيه تتناقص والاعتماد العالمي في تراجع مما يضعف الطلب عليه تدريجيا. في تصريح للسيد احمد بن هندي رئيس جمعية رجال الاعمال يقول فيه “ان شركات السيارات تضخ المليارات في ابحاث السيارات الكهربائية التي باتت على الاعتاب ومتوقعة خلال الخمس سنوات القادمة”. وينادي السيد بن هندي باهمية “اجراء دراسات وبحوث في دول الخليج لمواجهة هذه التغييرات في قطاع النفط وكيف ستؤثر على دول المجلس وماهي خياراتنا للمستقبل؟”

على مدى العقود الماضية لم يتم استغلال الموارد في تنمية الاقتصاد وتنويعه بل تم استخدام المال بسخاء على انفاق ورفاهية فئات محدودة من المجتمع على حساب الغالبية العظمى. لم تُشارَك هذه الاغلبية العظمى بنصيب عادل من الايرادات والثروة والان هذه الاغلبية مُطالَبة بان تقر وتعترف بان الوضع الاقتصادي يحتم على الدولة فرض الرسوم والضرائب عليها. تُطالَب هذه الفئة بان تكون وطنية وان تضحي من اجل الوطن دون ان نطالب من استفاد على مدى عقود من خيرات البلد من المقتدرين والرابحين والمترفين ان يتحلى بالوطنية وان يضحي بجزء كبير من امواله لصالح الوطن. ونحن على يقين بان مساهمة هؤلاء سوف تنهي الدين العام والعجز خلال سنوات محدودة. واذا علمنا ان الصراع على السلطة والثروة هو الذي انهك امم كثيرة ندرك اهمية العدالة في الضرائب وعلى من تجب.

فرض ضرائب من هذا النوع على الثروة وخصوصا الثروة من الاراضي والدخول العالية على الافراد والشركات ليست جديدة ولا بدعة، ولانعرف لماذا تتردد الدولة في فرضها. الثروة من الاراضي بشكل خاص هي اساس عدم المساواة ومهما زادت قيمة الاراضي وارتفعت فهذا لا ينعكس على مستوى معيشة المواطن بل يفاقم من الفقر كما يقول هنري جورج في كتابه التقدم والفقر، فهو يرى ان التوزيع غير العادل للارض هو سبب عدم المساواة، خصوصا وان الارض يرتفع سعرها على حساب عوامل الانتاج الاخرى، فسعرها يعتمد على موقعها وليس على ما يمكن ان تنتجه. لذلك فان الضريبة على الارض هو في الواقع ضريبة على الموقع الذي هو من نتاج المجتمع. معظم دول العالم تفرض ضرائب دخل يصل بعضها الى 70% من الدخل، بينما لو تم فرض ضريبة دخل بواقع 15% في المتوسط، فهذا يجبي ما لا يقل عن مليار الى مليا ونصف. ناهيك عن ضريبة الثروة التي قد تصل الى مليارين دينار.. نحن اذا امام خيار افضل بكثير من خيار الرسوم والضرائب الاستهلاكية التي تخصم من المواطن وبشكل خاص اصحاب الدخل المحدود ولا تعالج المشكلة الاقتصادية.

هذه الخيارات وغيرها لا يمكن فرضها دون مناقشة ودراسة وقد سبق ان اقترحنا وغيرنا على مجلس النواب ان يقود نقاش موسع يشمل جميع المصالح في البلد بما فيها غرفة التجارة والجمعيات السياسية والمختصين والصحافة. ان تدشين نقاش مجتمعي هو الاداة لتحقيق النظرة الشاملة الكلية لمعالجة الازمة الاقتصادية. اما هذه الحلول الجزئية والترقيعية فهي عادة ما تكون مسكنات لا تصل الى عمق المشكلة.

بعض الاهداف من هذا النقاش هو اولا تحديد اسباب اخفاق الدولة في تنويع الاقتصاد وتطوير التعليم، ثانيا دراسة الخيارات المطروحة على المدى المتوسط والقريب، ثالثا بحث جميع ايرادات الدولة وليس الميزانية فقط، وتحديد اوجه الانفاق وكيف يمكن ترشيده. رابعا وضع تصور طويل الامد للخروج من الازمة شامل جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربية والتعليم واضعين في الاعتبار التحولات التي تحدث في سوق النفط والابحاث التي تجري في البحث عن بدائل من ضمنها السيارة الكهربائية وغيرها للتخفيف من الاعتماد عليه. نحن امام قضية كبيرة وهامة تمس حياة المواطن واستقرار البلد ومالم نبادر بمناقشتها على جميع المستويات والخروج بحلول طويلة المدى فان المستقبل سيكون مجهولا.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *