نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

5.    لجنة الركود الاقتصادي البرلمانية – دوافعها وتوقعاتها – لم ينشر

على اثر ما يحدث في السوق التجاري تشكلت لجنة “لجنة الركود الاقتصادي” برلمانية بهدف تنشيط الحراك الاقتصادي والعقاري وحشد الجهود لهذه الغاية. ظواهر هذه المشكلة، وفق اعلان اللجنة، هي ان هناك تعثر عدد كبير من المؤسسات التجارية والغاء سجلات ومحلات تعمد الى الاغلاق وانسحاب المستاجرين. وترى اللجنة ان ذلك يتطلب الدراسة والتحقيق للتعرف على العوامل التي ادت الى هذا الركود. وعلى اثر ذلك تشكلت لجنة برلمانية برآسة النائب علي اسحاقي وعضوية عدد كبير من اعضاء المجلس. يشير رئيس اللجنة الى ان التوازن المالي وما صاحبه من طموحات ينبغي ان تتزامن معه مساع للوصول الى الغاية المتصلة باهداف الرؤية الاقتصادية. وهنا اشارة الى احتمال وجود علاقة بين برنامج واجراءات التوازن المالي وبين ما يحدث من تراجع في النشاط الاقتصادي.

في البداية لا بد لنا ان نشكر اللجنة على بدايتها الموضوعية والايجابية حيث انها اجتمعت واستقصت آراء الكثير من التجار وغرفة التجارة والمستثمرين والمقاولين وعدد كبير من المهتمين، ونود ان ننوه بضرورة اشراك اقتصاديين معها في الدراسة لان الموضوع ليس فقط قضية محاسبية بل انه يلامس مفاهيم اقتصادية معقدة ومتداخلة ونهج ايديولوجي يعتمده مجلس التنمية الاقتصادية ويعتبره من المسلمات، بينما هو موضع جدل ولا ينبغي ان يؤخذ دون تمحيص وتحديد العلاقة بين السوق وبين الحكومة وكيفية تقاسم الادوار وفق منظور تنموي شامل يخضع للتحليل، وعرض اكثر من توجه للتوصل الى التركيبة المناسبة لهذه العلاقة ولا يعتمد على مفهوم الليبرالية الجديدة.

في مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث فيه سيدة من عامة الشعب حضرت ندوة لنائب رئيس اللجنة النائب احمد العامر،  ترى هذه السيدة بان الركود سببه سحب السيولة من جيوب المواطنين فتقلصت القوة الشرائية واصبحوا غير قادرين على شراء ضرورياتهم ناهيك عن اي سلع كمالية او ترفيه. هناك قدر كبير من الصحة في مقولة هذه السيدة. وهذا يتفق مع ما تقوله اللجنة بضرورة تزامن برنامج التوازن المالي مع مساعي لتحفيز الاقتصاد. السؤال الان ماهي هذه المساعي التي يريدها مجلس النواب؟ ومن هي الجهات التي عليها القيام بها؟ يجيب رئيس اللجنة مؤكداً بانها ستبحث الأسباب المتعلقة بالركود الاقتصادي والتجاري مع عدد من الجهات و الوزارات الحكومية خلال الفترة المقبلة وذلك لتكوين صورة واضحة ومتكاملة، يمكن أن تسهم في الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني الى الأمام.

يبدو، من الندوة المنشورة، ان هناك تركيز على مؤشر الناتج المحلي وشرح طريقة احتسابه للحضور، وهذا امر جيد من الناحية التثقيفية. لكن نود ان نبدي تنبيها مبدئيا من الاعتماد على هذا المؤشر لتقييم الازدهار والانتعاش في السوق وبالتالي مستوى المعيشة. هذا المؤشر، بالرغم من اهميته ،هو مؤشر عام يقيس اداء الاقتصاد العام في السنوات التي مضت (وليس بالضرورة ما سيحدث في المستقبل). ومع ان تعريف الركود مرتبط بمقياس الناتج المحلي (تراجع النمو في فترتين متتاليتين)، فان هناك حدود لمدى صلاحية المؤشر لهذه الغاية. لا يمكن قياس النشاط الاقتصادي والرفاه (المادي) مالم نعلم توزيع الدخل الفردي وهذا ما نتمنى ان تركز عليه اللجنة.

كما ان مؤشر الناتج المحلي لا يقيس مستوى الهدر وكفاءة استخدام الموارد في التنمية. لا يعني هذا المؤشر شيء لمن فقد عمله وعجز عن تلبية حاجيات عائلته، ولن يفيد ارتفاع الناتج المحلي من اضطر الى اغلاغ محله وخسر رأس ماله وتحويشة العمر. ولن يريح الام التي تحدثت في الندوة اذا قلنا لها ان الناتج المحلي ارتفع 2% مثلا. ارتفاع الناتج المحلي او انخفاضه في دولنا النفطية هو في جزء كبير منه تعبيرا عن حجم الصادرات النفطية (فقرة الصادرات في المؤشر)، وهي تمثل النسبة الاكبر من الصادرات. كما انه تعبيرا عن ارتفاع معدلات العمالة (الاجنبية بالذات) وليس بالضرورة انعكاس لزيادة الانتاجية الكلية. ولا يعبر المؤشر عن مستوى التعليم ولا عن الحالة الصحية ووضع المستشفيات وارتفاع كلفة العلاج. هذه هي القضايا التي تحتاج اللجنة التركيز عليها وليس لدينا شك في انها تدرك ذلك وسوف تاخذها في الاعتبار.

نرى انه من المهم اولا ان تهتم اللجنة باختيار مؤشراتها وفق التاثير المباشر الذي يمكن للناس ان تلمسه وتدركه. فمثلا اذا كان عدد العاطلين في تزايد ام في تناقص وهل خَلْق فرص العمل منسجم مع الاعداد الجديدة التي تدخل السوق، وهل فرص العمل هذه من النوعية المناسبة للداخلين في سوق العمل والاهم من ذلك ماهي نسبة زيادة الرواتب والاجور مقارنة بزيادة الاسعار للسلع الاساسية وماهي نسبة التفاوت في الاجور بين الدخل الاعلى والدخل الادنى.

ثانيا هل صادراتنا غير النفطية في تزايد ام تناقص وكم تمثل من نسبة مجمل الصادرات. وهل مستوى الاستثمار يرتفع في الصناعات الانتاجية التي تنتج المعرفة وتستخدم المعرفة وتنشر المعرفة لقطاعات اخرى في الاقتصاد وترفع القدرة على التعلم في الدولة بشكل عام. من المهم جدا اعتماد مؤشر لقياس التوزيع الفردي للدخل لكي نعرف مستوى المعيشة في المجتمع وليس مستوى الرفاه في طبقة معينة. نحتاج ان نعرف شرائح الدخل في المجتمع بشكل دقيق ونتتبع كيف تتطور هذه الشرائح، فهل فئة منخفضي الدخل في تزايد ام في تناقص. نحتاج الى اعادة النظر في جميع الرسوم والضرائب، وطرح السؤال كيف تتم تغطية العجز في التوازن المالي، هل تتحمله الطبقة الغنية والمترفة والميسورة ام تتحمله الطبقة الفقيرة كما هو الان؟

ثالثا نحتاج الى تعريفا محليا وواضحا للبيئة الاستثمارية التي تستقطب رؤوس الاموال ومعرفة اسباب هجرة رؤوس الاموال الى الخارج ولماذا لا تستثمر في الداخل وخصوصا تلك التي تتراكم بمستويات عالية بسبب سوء توزيع الثروة وضعف العدالة الاجتماعية. رابعا لا يمكن فصل عمل هذه اللجنة عن عمل لجنة البطالة والاستفادة من توصيات تلك اللجنة في وضع التصور المتكامل لتنشيط الاقتصاد وليس فقط رفع الناتج المحلي. خامسا اقترح وضع مؤشر وطني خاص للرفاه والازدهار الوطني يشمل كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية نستطيع من خلاله تقييم مسيرتنا التنموية بشكل متكامل تهتم بالانسان ككل وليس تغليب جانب على اخر.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *