نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لفساد والسياسة في العالم العربي.. تأثير متبادل

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٦ أبريل ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- محاربة الفساد تبدأ بفصل مؤسسة الحكم عن الحكومات لحماية الاوطان من آفة الفساد وعدم توفير الحماية له.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13893/article/15006.html

ليس من باب المصادفة ان ينتشر الفساد في العالم العربي ودول العالم الثالث. فالفساد ظاهرة ليست فردية بالدرجة الأولى بل هي ظاهرة تصنعها العلاقات والصلاحيات والسلطات في الدول وطريقة تنظيمها ومستوى التوازن والتعددية والشفافية والمساءلة في الدول. كلما ضعفت هذه الآليات ازداد الفساد واستشرى في المجتمع.
للأسف نجد ان معظم الجهود في الدول العربية تنصب على الموظف البسيط والمسئول المتوسط أو حتى الوزير وكيف يراقب ويحاسب ويعاقب، وحتى على هذا المستوى تكون الرقابة والمحاسبة انتقائية وتفضيلية. لذلك فإن انتشار الفساد ليس بالأمر المستغرب. على مستوى العالم هناك منظمات معنية بالفساد والشفافية والحوكمة. وهذه المنظمات تعمل على مستوى الدول وليس على مستوى الفرد لأن هذه المنظمات أدركت ان الفساد مرض منظومي على مستوى الدول ناتج من النظام السياسي والاقتصادي وكيفية توزيع الصلاحيات والسلطة والشرعية. لم تفلح هذه المنظمات في تحجيم الفساد أو الحد من آثاره المدمرة في دول العالم الثالث، لماذا؟
بالرغم من ان الفساد هو مرض منظومي على مستوى الدول فإن من يقوم به هم أفراد وجماعات على مختلف المستويات من الصلاحيات والسلطة والوجاهة. ما الذي يدفع هؤلاء الى ممارسات تفضل منفعة شخصية ومكاسب فئوية على حساب المصلحة العامة محدثين ضررا بالأمن والاستقرار والتنمية في البلد؟ 
تقول المصادر إن جذور الفساد في النهاية تكمن في الطبيعة البشرية. وفق فوكوياما (العالم السياسي الشهير) هذه الطبيعة مدفوعة بنزعتين تطورتا عبر العصور ويخضع لهما السلوك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. النزعة الاولى هي حب الذات وتفضيل الأقارب، والنزعة الثانية هي تنمية علاقات تقوم على المصالح المتبادلة. استجابة لهاتين النزعتين يتولد لدى الإنسان ميل طبيعي لإيجاد واتباع قواعد وعادات وتقاليد وأنظمة وقوانين يطلق عليها في مجملها مؤسسات Institutions)). تقود هذه المؤسسات في نهاية المطاف الى إيجاد فرص للفساد تتجلى في المحسوبية والاستئثار بالثروة وتوظيف الأقارب.
بالإضافة الى ذلك يتولد لدى المسئولين والقيادات قدرة على معرفة أي المؤسسات أفضل لخدمة مصالحه وتعظيم مردودها فيحاول إنشاؤها ومأسستها من خلال سن القوانين المنظمة لها وإنشاء الكيانات لإدارتها. وبالتالي فإن النزعة الطبيعية تسهم في وضع أنظمة وقواعد وقوانين لحماية مصالح الفئة التي تستطيع سن هذه القوانين وتوطين التقاليد، وبذلك تنشأ مؤسسات وقوانين تمنح بعض الفئات امتيازات على حساب آخرين (التمييز). 
هذه النزعة الطبيعية اذا لم تجد ما يمنعها توجد حالة أطلق عليها الفيلسوف الانجليز هوبز (Hobbes) «حرب الكل ضد الكل». هذه الحالة تحتاج الى ضوابط وقيود تحد من قيام مثل هذه المؤسسات التي تفضل مصالح طرف على آخر في المجتمع. وهذا ما يجعل مؤسسات تنشأ في دولة معينة ترعى الفساد وتوجد بيئة تقوم على السرية والتكتم وكبت الحريات والصحافة وإخضاع المجتمع فتتكون بيئة حاضنة للفساد، وفي دولة اخرى تنشأ مؤسسات تكون طاردة للفساد ومحفزة للعمل والإنتاج والإبداع والتنمية. في الحالة الأولى لا تطبق القوانين على الجميع بل تتم ملاحقة صغار الموظفين في حين ان الفساد الأكبر يستشري ويدمر التنمية.
تضع الأديان قواعد تهذب سلوك الإنسان وتحمي الضعفاء من بطش الأقوياء وظلمهم. لا يختلف الدين الإسلامي في ذلك عن باقي الأديان، فوضع شرائع وسنن لهذه الغاية تسعى الى تحقيق مصالح الناس مع مراعاة العدالة والمساواة. حصر الإسلام مهمة السلطة في حراسة الدين، وتنقسم الى شقين حفظ الدين، وتنفيذ الدين. حفظ الدين، في الفهم الحديث أصبح أكثر تعقيدا بسبب تنوع المواطنين وهوياتهم وبالتالي أصبحت وظيفة السلطة المحافظة على سيادة الدولة وحقها في الدفاع عن أرضها وأمن مجتمعها وحماية دستورها الذي ينص على أن الدين الإسلامي دين الدولة مستندين في ذلك الى شرعية سيادية. أما فيما يتعلق بتنفيذ الدين فيعني أن سياسة الدنيا تستند الى شرعية انجاز من خلال تنظيم المعاملات والعلاقات بين المواطنين، وتنظيم علاقة الدولة مع الدول الأخرى، وإزالة المفاسد والمنكرات. والشرط الأساسي للحكم هو إزالة المفاسد، فلا يمكن الادعاء بتنفيذ الدين مع ترك المفاسد تستشري. 
وضع الإسلام ثلاث قواعد لتحقيق ذلك هي أولا إقامة العدل بين الناس ومنع الظلم، ثانيا إشاعة الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع والدولة، ثالثا استثمار خيرات البلاد لمصلحة الجميع. هذا الترتيب مهم فلا يمكن للاستقرار ان يتم من دون إقامة العدل ولا يمكن للاستثمار ان يحدث من دون الاثنين.
من ذلك يمكن القول ان السلطة وفق الدين الإسلامي تنقسم الى قسمين، قسم يتعلق بحراسة الدين ويستند الى شرعية السيادة، وقسم يختص بإدارة المال العام وشئون الناس ويستند على شرعية الانجاز والأداء كما جاء في الحديث «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، ومن الأجدر ان تقتدي الأنظمة العربية بذلك وخصوصا في هذا العصر الذي تتعرض فيه الكثير من الدول العربية الى تهديد من الداخل بسبب سوء أداء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في إدارة المال العام والاقتصاد والعدالة التشريعية والقضائية وما ينتج عن ذلك من تدني مستويات المعيشة وغياب العدالة الاجتماعية. 
إن الفصل بين شرعية السيادة عن شرعية الانجاز هو أول خطوات محاربة الفساد وهو كذلك مصلحة وطنية لحماية الدولة من الخلافات الداخلية التي هي في الأساس خلافات على إدارة وتوزيع المال العام وسبل حمايته. هذا الفصل يحمي مؤسسات الحكم من تحمل مسئولية مباشرة عن فشل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في إدارة شئون المجتمع والدولة ويعزز الاستقرار الداخلي، ويحررها من الحاجة إلى الدفاع عن السلطات وحمايتها من النقد والمساءلة والمحاسبة، بل ويمكنها من الوقوف مع المجتمع وتقويته لمراقبة السلطات بفعالية.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *