نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 لماذا زيادة الاقبال على المدارس الخاصة؟

التعليم هو احد اهم أسس التنمية والحداثة وقد اولت كثير من شعوب العالم التعليم أهمية كبيرة في مسيرتها نحو التقدم والحداثة بشكل مباشر مثل اليابان وكوريا وسنغافورا، عملت هذه الدول على الاهتمام بالتعليم في جميع مراحله واعطته اولوية على سائر اهتمامات الدولة. البحرين بدأت التعليم مبكرا وتطور سريعا وخرًّج أفواجا من البحرينيين الذين اصبحوا قادة اداريين وعسكريين وأصحاب اعمال ناجحين هذا مع العلم بان في حقبة الوجود البريطاني كان التعليم يهتم بتخريج كوادر إدارية لإدارة الدولة اكثر مما يهتم بتخريج قيادات ابتكارية وابداعية. 

الى فترة الستينات والسبعينات وحتى بداية الثمانينات كان التعليم في البحرين حكوميا باستثناء مدارس خاصة بالجاليات الأجنبية. كان الطالب يلتقي بزملاء من مختلف المستويات الاجتماعية. فقد درس في هذه المدارس معظم القيادات السياسية وأبناء كبار رجال الاعمال وأبناء المشايخ والوجهاء، وجلسوا على درج واحد مع عامة الناس، ولعبوا معا في “الفسحة” وتزاورا في المنازل واكلوا معا على موائد بسيطة ومتواضعة او فخمة. وتكونت صداقات ومعرفة بين هؤلاء الطلبة لازالت ماثلة في ذاكرتهم. هذه الزمالة جعلت منهم مواطنون يشعرون بمعاناة الفقراء ويدركون أهمية المساعدة والتعاون الاجتماعي ويشعرون بالانتماء الى وطن واحد، وتجمعهم عادات وتقاليد واخلاق وقيم إنسانية وإسلامية. فماذا هو حال التعليم اليوم؟

السؤال الذي طرحته اخبار الخليج قبل فترة هو لماذا يقبل البحرينيون على المدارس الخاصة رغم مجانية التعليم؟ الإجابة على هذا السؤال او مناقشته بشكل ادق يطرح سؤال اخر هل كان التوجه نحو التعليم الخاص سياسة حكومية ام انه نمو عشوائي بمبادرات خاصة؟ يقول التقرير المنشور بان الحكومة اضطرت الى خصخصة التعليم بسبب الضغط على الميزانية والبحث عن مصادر جديدة لتمويل التعليم. 

الى أي حد هذا المنطق مقبولا او صحيحا؟ فمثلا التعليم الخاص لم يبدأ مع الازمة الأخيرة للنفط ولم يبدأ مع الازمة الأولى في نهاية الثمانينات. فقد كان عددهم 162 مؤسسة تعليمية عام 2000. وصل العدد اليوم 225 مؤسسة تستوعب في مراحلها الاربع (الروضة والابتدائي والاعدادي والثانوي) سبعة وتسعين الف طالب. وهذا يساوي تقريبا 40% من طلبة الحكومة. 

هذه النسبة أصبحت مجتمع منفصل، وهذا المجتمع في حد ذاته مقسم الى مدارس نخبوية لا يصلها الا الميسورين جدا. ومدارس متوسطة المستوى يرتادها ابناء المدراء في القطاع الخاص والعام ومتوسطي رجال الاعمال، ومدارس عادية لباقي الطبقة الوسطى. بعض من هذه الطبقة المتوسطة يعاني ماديا ونفسيا وقد يحرم نفسه من الكثير من مستلزمات الحياة لكي يؤمن رسوم مدارس الأولاد. وهذا في حد ذاته يشكل ضغط نفسي على كثير منهم. بالإضافة الى انه يقسم المجتمع الى قسمين . قسم نخبوي يتواصل ويتعارف في معزل عن باقي المجتمع. بالإضافة الى التقسيمات الأخرى الطبقية والطائفية والعائلية، أي انه زيادة تشظي مجتمعي.

اما المدارس الحكومية فأصبحت للفقراء ومحدودي الدخل وقلة ممن لا يؤمن بالتعليم الخاص ويفضل اختلاط أبنائه بعامة الناس. هذا يعنى ان هناك علاقة خاصة تنشأ بين طلبة المدارس الخاصة في غياب تام عن اختلاطهم بأطفال الطبقة الفقيرة والمتوسطة ومحدودة الدخل. كمجتمع هل نعتبر هذا نجاح ام فشل؟ ليس هذا فحسب بل ان السكن اصبح مقسم بين بيت إسكان وبيوت نخبوية وبيوت عوائل. ماهي الأسباب التي جعلت أولياء الأمور يختارون التعليم الخاص؟ هل هي جودة التعليم؟ ام البيئة المدرسية؟ ام مجاراة المكانة الاجتماعية؟ ام الخلل في التركيبة السكانية؟

هل تقسيم الناس وفق مستوياتهم المادية ومركزهم الاجتماعي المكتسب من العمل في المجتمع يعتبر معيار لتقسيم المجتمع الى طبقات منذ نعومة اظفاره. ماذا ستكون النتيجة التي نتوقعها من مثل هذا التشظي؟ نريد إجابة من المختصين الاجتماعيين ونناشدهم بتحليل هذا الوضع وتبيان نتائجه المستقبلية.

يقول القائمون على المدارس الخاصة ان المنافسة طورت من مستوى التعليم الخاص ورفعت من مستوى الأنشطة والفعاليات وصقل مواهب الطالب مقارنة بالتعليم العام. وتسعى المدارس الخاصة الى ” تنمية مهارات البحث والفكر الناقد وإلى فهم قضايا العصر بدلاً من الاعتماد على حفظ مواد الكتب البعيدة عن واقع المجتمع”! كما ان المدارس الخاصة تستخدم مناهج دولية معروفة ترفع من مستوى الطالب وتعلمة على التساؤلات والمشاركة في التحليل وتقديم مقترحات حلول المشاكل والمسائل التي تمس حياة المجتمع، ويشمل مواجهة المشاكل عمليا وليس نظريا فقط. سر نجاح المدارس الخاصة كما يقول هو التخطيط وحسن التنفيذ واستخدام المراجع والمعدات ليس في المدرسة فقط ولكن خارج المدرسة كذلك. 

الطامة الكبرى ان بعض المدرسين البحرينيين يرسلون ابناءهم الى المدارس الخاصة وقد يتباهون بذلك. ناهيك عن المسئولين في وزارة التربية والتعليم وفي الحكومة بشكل عام. لو فرضنا ان الرئيس التنفيذي لشركة سيارات اتى الى العمل يقود سيارة من مصنع اخر. يا ترى هل سيستمر في وظيفته؟ من المؤكد ان مجلس الإدارة سوف ينهي عقده في نفس اليوم. فكيف لنا ان ننظر الى مسئولي وزارة التربية ومسئولي الحكومة هم اول من يرسل أبنائهم الى المدارس الخاص وكأنهم غير مقتنعين من المستوى الذي يقدمونه للطلبة. هذا يعني ان الدافع هو جودة التعليم في المدارس الخاصة واختلاف أسلوب التعليم والتفاعل مع الطالب. لماذا لا تستطيع مدارسنا الحكومية تقديم هذا المستوى من التعليم بالرغم من كثرة الحديث حوله؟

كثير من الدول الأوروبية لا توجد بها مدارس خاصة، ويعتبرونها احدى الأدوات التي تخلق عدم المساواة في المجتمع وتقسمه الى طبقة فقيرة وطبقة غنية. تصبح هذه الطبقة هي القيادات والطبقة الفقيرة تستمر في تبعيتها وفقراها. كما ان هناك سؤال اخر؟ ما نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة حسب المناطق السكانية. أي المناطق تلجأ الى المدارس الخاصة اكثر من المدارس الحكومية؟ للأسف لا توجد دراسات تحلل هذه الحالات ولا هناك من يدرس الضرر على المجتمع وماهي النتائج التي سوف تواجهنا بعد جيل من الان؟ وماهي خياراتنا؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *