نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 لماذا علينا ان نوفق بين الدولة والمواطنة؟

 تاريخ النشر :١٥ يناير ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

مقال الأسبوع: فقدان التوازن بين الدولة والمواطن- في الربيع العربي كثير من المحللين يتبنون نظرية المؤامرة على الدول وينسون ان الدولة تآمرت على المواطن وجعلته عدوها الأول.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13081/article/2322.html

تجتاح المجتمعات العربية موجه عارمة تؤطر لعصر جديد يتشكل من نتاجصراع الأنظمة العربية التي مازالت تكافح من اجل بقائها وهيمنتها علىالمجتمعات. الأعداء المحتملون لهذه الأنظمة هم الحركات الليبرالية والديمقراطيةوأحزاب الإسلام السياسي، لكن العدو الأهم في نظرها هو المواطن الذييطالب بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. 

في هذا الصراع كل طرف يستحضر مفهوما يدافع عنه. فالأنظمة تدافع عنمفهوم الدولة وسيادتها ومنعتها واستقلالها، والحركات الليبرالية تدافع عن الدولةالمدنية الديمقراطية بمفهومها هي والحركات الإسلامية تدافع عن الدولةالإسلامية والشريعة كما تريدها هي، اما المواطن وما يمثله من كرامة إنسانيةوحريات فردية وعدالة اجتماعية فيبقى شعارات يرفعها الجميع.  

في الدول الغربية التي سبقتنا لا يوجد تناقض بين هذه المفاهيم ولا يلغي أيمنها الاخر، فالإنسان هو الأساس والدولة هي مفهوم حديث اوجده الانسانلحاجته إلى تنظيم نفسه للتعامل مع الطبيعة والبيئة والمخاطر، والدين علاقة بينالانسان وخالقه وتعامل مع الاخرين بالحسنى. لكن في دولنا المتخلفة او دولالعالم الثالث التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية تحاول جاهدة المحافظة علىحكمها وعلى مصالحها، وتسكنها شعوب مختلفة الأعراق والمذاهب ومازالت لمتصل إلى النضج الديمقراطي. اما الحركات الإسلامية، ورجال الدين بشكلعام، فهي ترفض ان ترى الدين على انه علاقة بين الخالق والمخلوق وتصر علىجعل الانسان مادة يجب تطويعها لتنصاع لتفسيرها هي للشريعة، وان تجعلمن الدولة أداة لقهر الانسان والدين وسيلة للكراهية وارضية للتعصب. اماالأحزاب القومية فقد جعلت الهدف هو إقامة الدولة القطرية وصولا إلى الدولةالعربية وان الانسان يجب ان يضحي بحريته ومعيشته في سبيل اقامتهاونصبت القيادات نفسها وصية على قيام الدولة إلى ان فشل المشروع على يدالأحزاب التي اوهمت الناس بإيمانها به. 

وبالرغم من الفشل الذريع لهذه التوجهات المتعددة الا ان الضرر قد وقع واوجدنوعا من التناقض بين متطلبات الدولة في القوة والمنعة والسيادة والاستقلالوبين متطلبات الفرد (المواطن) في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. وكذلكالضرر قد وقع في جعل الدين مصدر نزاع وفرقة وصراع مذهبي ساهمتالأنظمة ورجال الدين في خلقه. أصبحت عدم الثقة هي السمة الغالبة بينمكونات المجتمع والخوف من الاخر يمنع الحلول السياسية التي تمنح المواطنحقوقه وتقوي الدولة بتماسك المجتمع. الان وبعد ضمور الأحزاب الليبراليةوالديمقراطية ونفور الناس منها، وبعد ان استنفدت الورقة الطائفية وتفجرتالأوضاع في وجه الأنظمة واصبح الصراع المذهبي يهدد وجودها ويعرضالاستقرار والامن بالخطر، بدأت الانظمة تنادي بالوحدة الوطنية وتحاربالإسلام السياسي كما في بعض الدول الخليجية وفي مصر والعراق بالتحديد. فما هو المخرج من هذه الازمة؟  

في مقال لوكالة الصحافة العربية لمحمد نور (اخبار الخليج 5يناير 2014) يرىبان الإسلام السياسي لم يعد هدفا للشعوب في دول الربيع العربي وفيالشرق الأوسط بشكل عام. فالحركات الإسلامية استشهدت وفقدتمصداقيتها، بما في ذلك تركيا، والتحالف الديني السياسي بدأ يفقد بريقهحتى في معاقله ومصادر شرعيته. 

الصراع الذي يدور الان في الشرق الأوسط ذو شقين؛ الأول صراع بينالشعوب والأنظمة لتحقيق مشاركة في السلطة والثروة والحريات والعدالةالاجتماعية، تحول للأسف إلى جدل بين خيارين اما حماية الدولة التي تتعرضلمؤامرات ومهددة من قوى اجنبية لأسباب تاريخية واقتصادية وتوسعية، واماحقوق وكرامة الفرد والمجتمع. اما الشق الثاني، وهو الأخطر، فهو صراعطائفي مذهبي يستحضر كل تناقضات التراث الإسلامي وصراعاته واختلافاتهالفقهية والعقدية ليجعل الشعوب تعادي بعضها بعضا ويؤجج الكراهية والحقدبين الناس. وبما ان الأنظمة العربية قد استخدمت الورقة الطائفية فان الصراعالديني المذهبي اخذ بعدا سياسيا تمترس حول مصالح طائفية هي نفسهاتهدد الدول العربية بالتقسيم والحروب الاهلية. 

التوجه المطلوب الان يجب ان يحقق توازنا بين مفهوم امن الدولة والمحافظة علىكيانها وبين الانسان المواطن وحقوقه في الحرية والكرامة والعدالة. ان تحقيقالعدالة يعزز امن الدولة ويقوى المجتمع ويبعد اخطار التدخلات الأجنبية. لايمكن مطالبة المواطن بالتضحية بحقوقه في سبيل الدولة في حين ان الأنظمةتصر على استخدام الطائفية وتخويف المجتمع وتعريضه للانقسام في سبيلالمحافظة على صلاحياتها وانفرادها بالقرار واستئثارها بالسلطة. ان مطالبةالمواطن بحقوقه لا يعرض الدولة للمخاطر الا اذا رفضت الأنظمة ذلك وواجهتهبالعنف او بالتخويف من الحرب الاهلية او المؤامرات الخارجية على الدولة. هذاالتوجه لا بد ان يضع في اعتباره البعد الديني المذهبي الذي يتم استغلاله فيتحريض فئة من المجتمع على أخرى. الإسلام لم يبدأ سياسيا فقد كان الرسولصلى الله عليه وسلم في مكة خارج السلطة وكان معارضا يطالب بحرية التعبير«خلو بيني وبين الناس». وفي المدينة فرضت الظروف حالة سياسية ليستشرطا للإيمان ولا هي من اركان الاسلام. فلا يوجد سبب لإقامة دولة إسلامية،ولا يوجد أي سبب لعدم مواجهة التراث وتنقيحه من الإساءة إلى الاخر واعتبارهاجتهادات تحتمل الصواب والخطأ. التصدي لكل ذلك يتطلب جهدا كبيرا منفئات متعددة من المجتمع ومن عناصر توفيقية في الدولة قادرة على تجاوزمفاهيم السلطة المطلقة والقبول بالمشاركة السياسية والدولة المدنية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *