نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لماذا مستوى التعليم الابتدائي أفضل من الإعدادي؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٥ ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع: التعليم الابتدائي افضل من التعليم الاعداد والثانوي. لماذا هل لان الاطفال اسهل تعليما واكثر استعداد للتشكيل وبالتالي فان التعليم يشكل عقلهم على الحفظ والتلقين وقتل قدراتهم على التفكير النقدي والتساؤل فيفشلوا في المراحل اللاحقة التي تحتاج الى نوع من اعمال العقل؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1184148

تطرقنا في الاسبوع الماضي إلى قضية التفاوت بين مستوى تعليم البنات وتعليم الاولاد وهي قضية اثارتها الرئيس التنفيذي لهيئة جودة التعليم والتدريب في مقابلة لها مع أخبار الخليج (11 سبتمبر 2019). القضية الثانية التي اثارتها هي تدني مستوى المرحلة الاعدادية مقارنة بالمرحلة الابتدائية. وسوف نناقش هذا الجانب في هذا المقال.

ورد في المقابلة ان الهيئة قلقة بشأن الفوارق في التعليم بين البنات والاولاد وخصوصا في المرحلة الاعدادية. استوقفتني الاشارة إلى «المرحلة الاعدادية» لاهميتها في سلسلة التعليم العام، فهي تمثل المدخل إلى المرحلة الثانوية، وضعفها بالضرورة يؤثر على جودة التحصيل ومستوى تعليم المرحلة الثانوية وعلى المخرجات النهائية للتعليم العام.

بمراجعة تقارير الهيئة السنوية نجد تفاوتا في المستوى بين المدارس الابتدائية والمدارس الاعدادية. تبدأ الهيئة اثارة هذه القضية في تقرير 2009 فتقول ان «من أصل 15 مدرسة إعدادية تمت مراجعتها، كانت جميع المدارس التي حازت على تقدير «غير ملائم» هي مدارس البنين، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام المدارس الإعدادية للبنين».

كذلك وردت اشارة في تقرير 2010 إلى ضعف مستوى الاعدادي والثانوي مقارنة بالابتدائي. فمثلا يقول التقرير ان (عملية المراجعة تشير إلى أن أداء المدارس الابتدائية كان أفضل من أداء المدارس الإعدادية والثانوية، وفي تقرير 2011 يقول ان وحدة المراجعة توصلت إلى ان «إنجازات الطلبة في العديد من المدارس الإعدادية ظهرت بمستوى «غير ملائم». وترى الهيئة ان اسباب ذلك قد يعود إلى ارتفاع نسب الغياب مقرونة في بعض الحالات بمحدودية دعم أولياء الأمور؛ مما يعني أنه على المدارس أن تكافح من أجل خلق الظروف المناسبة التي يمكن أن تتم بموجبها عملية التعلم. 

تتكرر الملاحظات في تقرير 2012 الذي يشير في اكثر من موضع إلى ان مستوى الابتدائي افضل من الاعدادي وحتى من الثانوي. وتوصي بأنه على المدارس «اتخاذ وتطبيق إجراءات صارمة لمعاجلة الجوانب التي بحاجة إلى التحسين»، وترى انه ينبغي «تقديم المنهج بطرق ابتكارية وعملية تتلاءم مع اهتمامات الطلبة واحتياجاتهم الحياتية». لكن الملاحظ، وفق التقرير، ان المنهج «يُقدم بطريقة مباشرة كما يَرِد في الكتب المدرسية، ومن ثم لا تشكل طريقة تقديمه تحديًا للطلبة». 

يعتبر تقرير 2014 ان القضية وصلت إلى مستوى يحتاج إلى تدخل سريع من الوزارة. فقد وجدت الهيئة ان ثلث المدارس الاعدادية حصلت على تقدير «غير ملائم»، و3% فقط حصلت على تقدير ممتاز. ويزداد الامر سوءا بالنسبة للمدارس الاعدادية حيث يرد في تقرير 2015 ان «المدارس الاعدادية لم تشهد اي تقدم في تقدير ممتاز وتقدير جيد ووصلت المدارس الحاصلة على تقدير غير ملائم 37% من مجمل المدارس الاعدادية». وتصل هذه النسبة إلى 67% عام 2016 اي ان ثلثي المدارس الاعدادية حصلت على تقدير «غير ملائم» ولم تحصل اي مدرسة اعدادية على تقدير ممتاز!

ونظرًا إلى خطورة هذا الوضع فإن الهيئة في احدى توصياتها عام 2016 تقول ان «استمرار حصول مدارس اعدادية على تقدير غير ملائم امر يحتاج إلى الوقوف على اسبابه حيث إن تحسين اداء المدارس الابتدائية قد يكون اسهل من غيرها من المراحل التعليمية». ويشير تقرير 2017 إلى ان نسبة «غير ملائم» بلغت 56%. وتتكرر في 2018 التوصية بضرورة دراسة الوضع بعد ان بينت النتائج عدم حصول اي مدرسة اعدادية على تقدير ممتاز. فقد بين التقرير «ضعف المرحلة الاعدادية في المستوى مع عدم حصول اي مدرسة على تقدير ممتاز مما يستوجب دراسة الامر بصورة عاجلة». ويواصل التقرير ان مدارس المرحلة الاعدادية هي الاقل أداء من باقي المدارس.

نقرأ من ذلك ان التوصيات السابقة التي قدمتها الهيئة لم يتم العمل بها ولم تجر دراسة الوضع وتقديم حلول تُطور من مستوى المرحلة الاعدادية. واذا كنا سنستنتج من ذلك شيئا فإن هناك ثلاث فرضيات يمكن طرحها. الفرضية الأول هو ما ورد في تقرير الهيئة بأن «تحسين اداء المدارس الابتدائية قد يكون اسهل من غيرها من المراحل التعليمية». لم يتضح من التقرير اين مواطن السهولة والصعوبة في تعليم المرحلة الابتدائية، ولكنها ملاحظة تستحق النظر فيها ودراستها لمعرفة مدى صحتها، والاستفادة منها في تحسين مستوى المرحلة الاعدادية. 

الفرضية الثانية هو ان هذه النتيجة تقول ان مدخلات المرحلة الابتدائية أفضل، وهي اكثر استعدادا للتعلم والتقدم والابتكار والابداع، كونها اتت من بيئة المنزل والحضانة والحياة الحرة المنطلقة، ولكن البيئة المدرسية وتعامل المدرسين مع الطلبة في المرحلة الاعدادية اضعف فيهم روح المبادرة والشجاعة والقدرة على التعلم الابتكاري والاستعداد الفطري لطرح الاسئلة، وبالتالي كانت النتيجة ان مدخلات المرحلة الاعدادية اضعف بكثير ويؤثر ذلك بطبيعة الحال على مستوى مخرجاتها، وبالتالي على التحصيل في المرحلة الثانوية وعلى تنمية القدرات الاساسية وتنمية الشخصية المنفتحة المحبة للتعلم والابداع. هذه فرضية تحتاج إلى اختبار علمي وليس تكذيب أيديولوجي اداري. 

الفرضية الثالثة هي ان المدخلات في المرحلة الاعدادية بها نسبة كبيرة من الوافدين من بيئات مختلفة ومن خلفيات ثقافية مختلفة وبعضهم لا يجيد العربية. هذه النسبة الكبيرة من الوافدين قد تدفع بالمستوى العام إلى الوراء. هذه فرضية اخرى تحتاج إلى اختبار ودحض أو اثبات من خلال ابحاث علمية. في نهاية المطاف نجد انه لا بد من الدراسات العلمية المعمقة في وضع التعليم لمعرفة اسباب الضعف في المستوى الذي يشهده المجتمع وتتكرر حوله التقارير والملاحظات والمقالات المنادية بملاءمة التعليم لمتطلبات التنمية وسوق العمل والاستعداد لتنمية مهارات القرن الواحد والعشرين.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *