- لمبادئ الادارية في وحدة القرار
تاريخ النشر :26 يناير 2008
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في طريق العودة من رحلة عمل قصيرة دخلت الطيارة، وبينما انا استعد للرحلة حضر شخصا وانشغل مع امتعته والاستعداد للجلوس في الكرسي المحاذي، وبعد ان استقرينا في مقاعدنا اتضح ان الجالس بقربي هو زميل قديم من ايام المدرسة اسمه احمد. وبعد تبادل اطراف الحديث حول الدراسة الجامعية والصحة والزواج والاولاد ومنطقة السكن، تطرقنا الى طبيعة العمل واتضح انه اصبح رجل اعمال ولديه مصنع مواد غذائية في البحرين ومن االحديث اتضح ان الشركة كانت عائلية وتحولت الى شركة مساهمة، وانه اطلق خطة تطوير لرفع انتاجية المصنع واعادة التنظيم وبطبيعة الحال فان المساهمين يتطلعون الى المزيد من المشاركة في القرار وقد اطلق خطة اصلاحية تتيح ذلك. وفي رحلته هذه كان بصدد البحث عن مدراء للشركة.
بعدها اخبرته بتخصصي في الادارة وسالته عن سبب بحثه عن مدراء، فبين لي تفاصيل المشكلة التي تعاني منها المؤسسة. فهو يرأس مجلس الادارة، ويقوم بادارة المصنع ابن عمه خالد الذي يكبره بعشر سنوات ويعتبره في منزلة والده – المصنع في الاساس كان يملكه والد احمد وقد ورثه عن والده، وهذا يفسر كيف ان ابن عمه خالد، الذي يكبره سنا يعمل في نفس المصنع مديرا تنفيذيا بينما هو رئيس مجلس الادارة. واوضح بانه عين ابنه سالم، الذي تخرج من الجامعة حديثا وتخصص في الاقتصاد، مسئولا عن التخطيط ومنحه صلاحيات تلزم المدراء تنفيذ الخطط التي يتقدم بها. واضاف بان الولد سالم تقدم بعدد من المشاريع التنموية والاصلاحية التي تعود على المساهمين بمزيد من التقدم والرخاء.
ويقول احمد : “بعد فترة من العمل ارسل لي الولد سالم رسالة يبين فيها امتعاضه من المعوقات والصعوبات التي تواجه مسيرة عملهم والاسلوب الاداري المتبع في الشركة وكيف ان الخطط التنموية لم تجد صدى لدى بعض المسئولين الامر الذي ادى الى تحقيق صعوبات جمة في تنفيذ المشاريع. وعلى ضوء ذلك اصدرت اوامر بازالة عقبات الروتين الاداري لتخطي حالة عدم الانسجام بين ادارة التخطيط واقسام الشركة الاخرى والتخلص من المدراء الذين لا يتعاونون مع الولد سالم”. ويضيف بان ابن عمه (المدير التنفيذي) خالد اصدر امرا الى المدراء يوجههم باهمية سرعة الانجاز والتعاون مع ادارة التخطيط بعد التاكد من جميع الجوانب الفنية والمالية والادارية عبر اللجان المختصة.
وبعد ان انتهى سالته من المسئول عن اداء الشركة، فقال ابن عمي خالد بصفته المدير التنفيذي. فقلت له ومن يتحمل مسئولية الخطط التي يتقدم بها ابنك سالم؟. فقال سالم هو المسئول عن تنفيذها من خلال المدراء. فقلت له لا اقصد التنفيذ ولكن من المسئول عن النتائج؟ وما موقف المدير التنفيذي احمد من ذلك” كيف يكون مسئول عن اداء الشركة وابنك سالم مسئول عن التخطيط؟ فقال وما الخطأ في ذلك. قلت اولا انه لا يمكن فصل نتائج التخطيط عن تاثير ونتائج الادارات الاخرى، وفي حالة الفشل سوف يلقي كل منهم اللوم على الاخر. وهذاالنهج يخالف قاعدة ادارية هامة واساسية وهي ان المسئولية لا تتجزء ووحدة القرار لا تتحقق الا من خلال وحدة المسئولية. اي ان التخطيط يجب ان يكون من مسئولية احمد (المدير التنفيذي) وعليه وضع الرؤى والتصورات والاهداف وخطة التنفيذ والميزانية والمتابعة والتقييم والمساءلة والمحاسبة فكلها مترابطة. وبفصل التخطيط عن الجهاز التنفيذي فانك خلقت رأسين لجسم واحد وهذا لا يجوز في علم الادارة. وهذا التنظيم يضعك انت مسئولا عن الفشل والنجاح في حين ان القرار بيدهم؟ ومحاولة تبديل المدراء الغير متعاونين لن يجدي لان المشكلة ليست في المدراء بل في التنظيم وما يتطلبه من مساءلة حقيقية عن النتائج. فاذا لم تتحقق هذه النتائج يجب ان يكون بمقدورك وبمقدور المساهمين او ممثليهم ان يساءلوا ويحاسبوا ويعاقبوا المسئول (المدير التنفيذي) مباشرة وليس مساءلة مدراء الاقسام، لذا عليك اتخاذ القرار الصعب واستبدال ابن عمك ، اما ان تضع ابنك سالم على جزء من المسئولية ويكون في مواجهة مع مدراء ليس بيدهم قرار، وتطالب بتوحيد القرار في التخطيط فهذه مخالفة واضحة لاسس ومبادئ الادارة ولن يحقق توحيد القرار المنشود
فقال ولكن المديرالتنفيذي هو ابن عمي واكبر مني سنا ويحترمه الجميع ونقدره لطول خدمته. كما انه يتمتع بشخصية قوية وله خبره طويلة في ادارة المؤسسة. فقلت له ان القوانين الادارية لا تعرف ابن العم، وهذه على المدى الطويل خدمة له وحفاظا على منجزاته، والرجوع الى العمل بالقواعد الادارية التي لا تستقيم الامور بدونها.
وانطلاقا من هذا المبدأ فان النصيحة التي يمكن ان يقدمها لك اي مختص هو ان لا تضع اي انسان تعزه وتجله في موقع مسئولية (مثل ابن عمك، او ابنك) ليكون فوق المحاسبة والمساءلة والمعاقبة، مهما كانت كفاءته، فهو اجحاف في حقه وحق المساهمين. والمساهمين غير مستعدين لقبول قرارات دون مناقشة ومحاسبة واذا كان ابنك في هذا الموقع عليه ان يقبل المساءلة والمحاسبة وهذا لا يليق به. القوانين الادارية مثل القوانين الطبيعية، مخالفتها تؤدي الى اضرار قد لا تتضح نتائجها اليوم ولكن سرعان ما تطفو النتائج العكسية والسلبية وبعدها يكون المساهمين في حرج. فاحترامهم لابن عمك او لابنك يمنعهم من المعارضة والمساءلة، وفي نفس الوقت عدم الرضا عن الاخطاء يحتم عليهم المساءلة، ونتيجة لهذا التناقض يبدأ الغليان الداخلي الذي قد ينفجر في اي وقت.
فقال مالعمل اذا؟ الحل هو ان يكون الرئيس التنفذي شخص اخر يمكنك ويمكن للمساهمين محاسبته. وان تكون انت وابنك وابن عمك ومن في مقامهم، راعين للعملية توفرون لها الدعم والاستقرار دون التدخل في تفاصيلها. فالقضية ليست كفاءة الشخص وقدراته، فهو مهما كان انسان، والانسان معرض للصواب والخطأ، بل القضية هي سلامة المنظومة الادارية واكتمال عناصرها وسلامة عملية صنع القرار فيها واسلوب تقييم نتائجها ووحدة المسئولية عن هذه النتائج وامكانية المساءلة والمحاسبة والمعاقبة. سواء كانت هذه المنظومة شركة ام مؤسسة ام جمعية ام دولة. ونرى كيف ان الانظمة الديموقراطية تخطت هذه الاشكالية الادارية بفصل القرار عن مؤسسة الحكم، فهو لا يخطئ ليس لانه معصوم من الخطأ، بل لانه لا يتخذ قرارا. اما اتخاذ القرار فيما يتعلق بمصالح المواطنين فقد تحول الى اشخاص (رؤساء وزراء) يمكن مساءلتهم ومحاسبتهم وتنحيتهم ومحاكمتهم، عملا بقوله تعالى ولكم في القصاص حياة يااولي الالباب.